حمود أبو طالب- عكاظ-
بكل تأكيد صدمتنا حادثة منى المأساوية لأنها كانت مفاجئة بل غير متوقعة أبدا أن تحدث بذلك السيناريو العاصف وفي ذلك الموقع الذي لا يشكل نقطة حرجة معتادة في الحج كما أشار المسؤولون في المؤتمر الصحفي مساء الحادثة. الحوادث في ظروف المشاعر المكانية والزمانية لا بد أن تحدث في كل موسم حج لكنها أصبحت خلال السنوات الماضية حوادث فردية بسيطة جدا لا علاقة لها بجوانب تنظيمية أو أمنية أو خدماتية، ومنذ سبع سنوات على آخر حادثة تدافع مضى موسم الحج سلسا مريحا لكل الحجاج مع أنه لا المكان ولا الوقت تغير. الذي تغير هو الخبرة المتراكمة التي اكتسبتها كل الجهات المشاركة في الحج وتطوير الخطط وتحديث أساليب العمل، والذي تغير هو الدعم السخي لكل المشاريع الضخمة في المشاعر المقدسة التي جعلت الحج رحلة ميسورة خالية من المخاطر. والذي تغير هو ارتفاع حس المسؤولية تجاه ضيوف الرحمن بحيث لم يعد ممكنا السماح بأي ثغرة أو خطأ أو تقصير في الخدمات المقدمة لهم. لهذه الحقائق كانت الحادثة مفاجئة للجميع لأنها حدثت في أفضل مستويات الاستعداد والخبرة والتجهيزات والخدمات، ولهذا السبب لم يكن ممكنا للمسؤولين فور وقوع الحادثة تحديد السبب أو الأسباب الأساسية للتدافع المفاجئ في مكان غير متوقع وبتلك السرعة وتلك النتيجة الأليمة، ولهذا السبب أيضا بادر أركان الدولة بتوجيه خادم الحرمين الشريفين لعقد اجتماع طارئ موسع لتحديد الأسباب والملابسات والمسؤوليات، وبالتأكيد مثلما كانت الشفافية والسرعة والجدية حاضرة في لجنة سقوط الرافعة فإنها ستكون أكثر حضورا في هذه الحادثة، وكما أكد الملك في كلمته ذلك المساء.
وحين نقول ذلك فإننا لا نوجهه إلى الذين تطاير الكذب والفجور والبهتان من حناجرهم فور وقوع الحادثة وحددوا أسبابها باتهام المملكة في مستوى ما تقدمه من خدمات للحجيج في كل المشاعر المقدسة، سواء كانوا محسوبين بشكل رسمي علني على بعض الحكومات أو عملاء وأذناب لها في بعض وسائل الإعلام الخارجية، أو حتى بعض الذين يغمغمون بالكلام من الداخل وهم معروفون جيدا في ولاءاتهم. هؤلاء لا قيمة لهم ولا يستحقون مجرد التفكير فيهم لأن القاصي والداني يعرف حقيقة مواقفهم تجاه المملكة وأحقادهم الدفينة، وفي كل الأحوال لا تأثير لهم على أحد سوى أشباههم. كلامنا موجه لكل المنصفين العقلاء المتزنين على امتداد خارطة العالم الإسلامي، الذين يعرفون جيدا ماذا فعلت المملكة وما تزال تفعل، وماذا قدمت وما تزال تقدم للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ولكل قاصد لها حاجا أو زائرا، كواجب تتشرف به وتوليه أقصى درجات حرصها واهتمامها.
هؤلاء العقلاء نقول لهم إن المملكة رغم كل ذلك لا تدعي الكمال، ولا تتنصل من المسؤولية، وبقدر حزننا العميق على الضحايا سيكون حرصنا الأكيد على الوصول إلى أسباب الحادثة وإعلانها في أسرع وقت بكل وضوح وأمانة وشفافية كما أكد خادم الحرمين، وسوف تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بعدم تكرارها، كما أنه لن ينجو من العقاب العادل من يثبت تقصيره وتهاونه، أما المزايدون على أرواح ضيوف الرحمن كرها في وطننا وحقدا عليه فسنتركهم كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.