شؤون خليجية -
بمباركة غير مسبوقة "أمريكية وأوروبية وإسرائيلية" فرض محور "موسكو- طهران- دمشق" كلمته على السعودية في الأزمة السورية، وبتواطؤ غربي مع موسكو جمع الأضداد والفرقاء أصبحت الرياض وحيدة في سوريا، ولم تصمد طويلًا سياسة إسقاط بشار الأسد أولًا كأولوية عاجلة وحيدة لهزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، بينما نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحراك سياسي وعسكري نشط ومكثف في حشد تأييد دولي كبير تحت ذريعة محاربة داعش أولًا، وتسويق فكرة استمرار بشار لفترة انتقالية كضرورة لمواجهة فزاعة داعش والمتطرفين.
وسرعان ما تغير كثير من المواقف الأمريكية والأوروبية لتتسم بدرجة كبيرة من المراوغة، برفض الأسد بمستقبل سوريا مع قبوله بفترة مؤقتة ومشروطة تحت رعاية الأمم المتحدة وبنص وثائق مبعوثها دي ميتسورا، والتي يبدو أنها كتبت في الكرملين، بحسب مراقبين.
التمدد الروسي الإيراني
الأكثر خطورة هو تمدد النفوذ الروسي الإيراني في العراق وتدعيمه للأذرع الإيرانية العسكرية بالمنطقة، نتيجة الاستقواء بالحليف الروسي الخشن، الذي يقوم بدور عسكري واستخباراتي ولوجستي لصالح طهران وحكومة حيدر العبادي المتحالفة معها، وأذرع إيران المتمثلة في حزب الله والحشد الشعبي تحت لافتة "محاربة الإرهاب" و"المتشددين"، ما سيجعل دور الدب الروسي أداة لإعادة تشكيل تحالفات المنطقة ومناطق النفوذ فيها لصالح المكون الشيعي، على حساب المكون السني ودوله المركزية، وعلى رأسها السعودية، ولصالح إسرائيل التي تمر بفترة حميمة مع موسكو وطهران بتوقيت واحد، ويجمعهم أيضًا محاربة الإسلام المعتدل والمعارضة الإسلامية المعتدلة بتقوية الأسد بعد اقتراب هزيمة جيشه وقواته.
تخلي الحليف الأمريكي
ابتداء تخلى الحليف الأمريكي عن دعم السعودية في سوريا بعد تطابق موقف البلدين على أنه لا بقاء للأسد بمستقبل سوريا، أما بعد التدخل الروسي العسكري أصبح أكثر ما يظهر حجم التغييرات بالموقف الأمريكي من هذا التدخل العسكري الروسي العلني والصريح ضد ثوار سوريا، ومن قبل من التدخل العسكري الإيراني الشامل.
ويرى مراقبون أن موقف واشنطن يدل على تحول الأزمة السورية إلى نقطة تقاطع وصراع- وتفاوض وتفاهم، لإعادة ترتيب التوازنات والنفوذ بين الدول الكبرى والإقليمية، انطلاقًا من واقع الصراع على الأرض في سوريا. وذهبت الولايات المتحدة بموقفها من التدخلات العسكرية المعادية للثورة– من روسيا وإيران- إلى حد القبول بالتفاهم العسكري مع قوات الاحتلال الروسي والإيراني، وإلى الإعلان عن القبول ببقاء الأسد في الحكم وفق عملية تفاوضية تشارك فيها روسيا وإيران.
تسويق تحالف محاربة داعش أولًا
وجاء التغير بالموقف الأمريكي ثم الأوروبي بعد انتشار قوات "بوتين" ورجاله وآلياته، وبنجاحه في تسويق رؤيته وطمأنته لهم بتأكيد أن روسيا لن تشارك في أي عمليات عسكرية في سوريا، لكنها تدرس تكثيف العمل مع الأسد ومع الشركاء الآخرين، وذلك في مقابلة لـ"بوتين" مع قناة "سي بي إس" التلفزيونية الأمريكية، مشيرًا إلى أن 60 % من الأراضي السورية تحت سيطرة تنظيمات إرهابية مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، متسائلًا: "ماذا تعتقدون؟ هل يتصرف بشكل صحيح هؤلاء الذين يدعمون المعارضة المسلحة وبصورة رئيسة المنظمات الإرهابية فقط لكي يسقطوا الأسد، غير مهتمين بما سيجري في البلاد بعد التحطيم التام لمؤسساتها الحكومية؟".
تغير الموقف الأوروبي
وراجت فكرة "بوتين" لدى واشنطن وتل أبيب وعواصم أوروبية كبرى، أبرزها لندن وباريس وبرلين، والتي أكدت قبولها بالأسد بفترة انتقالية وجزء من عملية التفاوض، فيما يصب الأمر بالطبع لصالح طهران بعد أن جاءها المدد الروسي لإنقاذ بشار، وسط مخاوف من استهداف ثوار سوريا والمعارضة المعتدلة.
والجديد في التصريحات الأوروبية ليس القبول بدور رئيسي للأسد في المرحلة الانتقالية فحسب، بل المساهمة الأوروبية الفعالة في إنضاج الظروف والشروط الكفيلة بتحقيق تسوية يكون الأسد جزءًا رئيسيًا فيها، بحسب مراقبين.
الأمر الذي عزز موقف الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأحد، ليقول لشبكة "سي إن إن" الأمريكية: "أعتقد اليوم أن الجميع يوافقون على بقاء الرئيس الأسد في منصبه حتى نتمكن من قتال الإرهابيين".
خطاب "روحاني وبوتين" متشابهان متعاضدان، فهناك حراك سياسي مواز لحراكه العسكري، ويبدو أن بوتين أكثر حنكة سياسية عن قبل، حيث دعا أمس الاثنين في الأمم المتحدة، إلى تشكيل "تحالف واسع ضد الإرهاب" للتصدي للجهاديين في سوريا والعراق.
وأضاف أن التحالف ضد الجهاديين سيكون "شبيهاً بالتحالف ضد هتلر" إبان الحرب العالمية الثانية، والذي شاركت فيه خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا، لافتاً إلى أن الدول العربية "ستؤدي فيه دوراً رئيسياً" في مغازلة للعرب.
ورأى الرئيس الروسي أنه "سيكون خطأ كبير عدم التعاون مع الذين يحاربون الإرهاب، وعلينا أن نقر بأن لا أحد سوى القوات المسلحة للرئيس (بشار) الأسد تقاتل فعلاً تنظيم داعش ومنظمات إرهابية أخرى في سوريا". وفي وقت سابق ومن على المنبر نفسه، أبدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما استعداد بلاده للتعاون مع روسيا وإيران لإنهاء النزاع في سوريا.
الحشد الطائفي
وحذر مراقبون من أن الأهم ما حدث من تغيير حقيقي بشأن معركة الثوار في سوريا، حيث أصبحوا في مواجهة ذات طابع مختلف الآن. هم الآن في قلب الحركة الاستراتيجية للصراع والتفاهم الدولي، وهم في مواجهة الآن مع منظومة تحالف استراتيجي دولي وإقليمي على قاعدة طائفية- رأسها روسيا وقاعدتها إيران، والحكم في العراق وسوريا والميليشيات الإيرانية بدءًا من نصر الله إلى الحشد الطائفي، وهم الآن عنوان لحرب صارت أبعادها دولية لا إقليمية فقط.
وأضاف المراقبون أنه لن يتوقف التمدد الروسي الإيراني بعد تثبيت نظام بشار حتى لو ذهب شخصه، فمن الواضح أن خريطة تقسيم العراق وسوريا ستكون متزامنة وبنفس الأداة العسكرية، وفي ظل التحالف نفسه تحت فزاعة داعش المختلقة أو المستغلة، ويؤكد ذلك تدشين قيام الحلف العسكري الروسي الإيراني على الأرض العربية، بالإعلان عن تشكيل "مركز معلوماتي لمحاربة داعش، يضم ممثلي هيئات أركان جيوش كل من روسيا وإيران والعراق وسوريا". وهو ما جاء متزامنًا مع تدفق الأسلحة والجنود الروس إلى الأراضي السورية، ومع إجراء مناورات عسكرية روسية قبالة السواحل السورية بمشاركة قطع بحرية إيرانية.
يأتي ذلك وسط صمت عربي وخليجي وسعودي مريب، حيث تقف موقف المتفرج على جولات قاسم سليماني وتحركات الحرس الثوري الإيراني وتهديداته مع حزب الله، إيران صارت أقوى بالاتفاق النووي وبالدعم الروسي الميداني، فمتى يتحرك الخليج والسعودية بعد تطويقهم وتهديدهم وتهميشهم خارج عملية تقسيم الكعكة ومناطق النفوذ في الشرق الأوسط؟