شؤون خليجية -
ترصد المعارضة السعودية ممثلة في الحركة الإسلامية للإصلاح التي تتخذ من لندن مقرًا لها، جذور أزمات الحج وأسبابها الهيكلية والبنيوية والفكرية والإدارية لدى الحكومة السعودية، وقدمت برنامجا بديلا وشاملا للعلاج الناجع والوقائي والدائم بحسب طرحها بشكل مقارن.
والسؤال الآن: هل ستستجيب الحكومة السعودية لهذه الرؤية وتتقبل ما يوجه لها من انتقادات ذاتية لمزيد من التطوير وتفادي الكوارث المحتملة بشكل علمي وممنهج وتخطيط استراتيجي وإبداعي بعد حادث منى الأخير الذي أسفر عن مصرع أكثر من 769 حاجاً وإصابة نحو 943 آخرين.
تضخيم إعلامي كاذب
بداية تقارن الحركة بين الصورة التي تقدم عن الحج من قبل وسائل إعلام النظام السعودي، وبين حقيقة الوضع من وجهة نظرها فما يجري ترويجه، وأنه "تم الإنجاز بأفضل الصور وحاز على إعجاب الداخل والخارج، لكل النواحي،الإقامة، النقل، النظافة، الصحة، المياه، التموينات .. الخ، وأن الحكومة السعودية رائدة في ميدان التحكم بالجموع البشرية، وأن الحوادث التي تحصل قضاء وقدر وإن كان هناك سبب فهو تخلف الحجاج وقلة وعيهم".
أما سياسة الدولة مع كوارث الحج فهي "عدم الاعتراف بها إلا بعد تسرب خبرها للصحافة، وعدم الاعتراف بحجمها والكذب في تقليل العدد، ولوم الحجاج وجهلهم ولوم القضاء والقدر، زعم التحقيق مع عدم تكليف لجنة تحقيق، وعدم نشر نتائج التحقيق المزعوم في أي من الكوارث".
أما الصورة الحقيقية كما تنقلها الحركة أن "الإنجاز كارثي في كل الخدمات والأهداف، والمهم هو الكذب والتكتم، وأن الإدارة توجه لخدمة ضيوف الدولة والجهات الإعلامية، مع تجاهل مهمة الحج كاجتماع متعدد المهمات، وتجاهل مفهوم التخطيط الاستراتيجي، ومهمة تثقيف وتوعية الحجاج"، بحسب رؤيتها للتقييم والعلاج.
دول نامية منظمة
وتستشهد الحركة في طرحها بأن المدن الكبرى في العالم يدخل ويخرج منها أكثر من أربعة ملايين يوميًا، وكذلك مباريات الكرة، وفي الهند يجتمع ثلاثون مليون حاج هندوسي عند نهر الجانجي ويؤدون طقوسهم دون مشاكل إلا مرة واحدة فقط خلال عشرات السنين، وفي بنجلاديش يجتمع الملايين من أعضاء جماعة التبليغ بكل يسر وبلا مشاكل وفي منطقة أصغر من منطقة "منى" مع أن بنجلاديش أفقر دول العالم.
مفهوم آل سعود
وتنتقد حركة الإصلاح، أولويات الحكم السعودي في الحج مشيرة إلى أنه ينصب على الاهتمام بضيوف الدولة الخاصين، تأمين الأمن السياسي على حساب الأمن الجنائي، التعامل مع الحجاج كحيوانات تورطت الدولة بهم، ضمان المدح والثناء في الإعلام المحلي والعالمي، ضمان التستر على سوء الخدمات والأوضاع، إقفال الباب أمام أي نشاط خارج عن الشعائر، سرقة ما يمكن سرقته من تكاليف المشاريع والخدمات".بحسب قولها.
وتوجه الحركة انتقادات لاذعة لمفهوم آل سعود لإدارة الحج، حيث تقول أن "الحج ملف أمني إعلامي وانعكس هذا على إدارته من خلال استلام وزير الداخلية "محمد نايف" له لسنوات طويلة، كذلك يتم اختيار المسؤولين عن الحج على أساس تحقيق الهدفين المذكورين وليس الأمانة والقدرة، أما الميزانية ترصد لتحقيق أهداف الدولة وتأمين السرقات وليس خدمة الحجاج، وإدارة الحج تحاسب على تحقيق أهداف الدولة وليس أهداف الحج المشروعة وخدمة الحجاج".على حد وصفها.
وتشير إلى أن قضية عدد الحجاج اختراع استخباراتي لحل المشكلة مع إيران بعد المواجهة الأولى في الثمانينات، أما الحقيقة أن الطاقة الاستيعابية الحقيقية للحج تزيد عن خمسة ملايين.
وبشأن التعامل مع الحجاج فتقول الحركة أنها يشوبها سوء المعاملة واعتبار الحاج محتاج لفضل آل سعود، مع الاستخدام الأقصى للواسطة والرشوة، وغياب التوعية والتوجيه والتعليم الشرعي، وعدم وجود خطة للاستفادة من توزيع الأقطار واللغات، عدم وجود تنظيم محدد للنقل والاستقبال.
الأمراء والمتنفذين والإقامة في المشاعر
وترصد حركة الإصلاح، أن الإقامة والتنقل في نفس مكة وجدة قبل وبعد المشاعر يكشف "عدم وجود نظام يحمي حقوق الحجاج في الإقامة، وعدم وجود خرائط أو أدلة لمكة وجدة والمدينة،عدم وجود نظام نقل بين المدن غير السيارات الخاصة،عدم وجود نظام لمنع التسرب سوى التفتيش،عدم وجود نظام يمنع الحجاج من الضياع".
وتكشف ما تراه الحركة معلومات حول الإقامة في المشاعر حيث "السماح للأمراء والمتنفذين بالبناء في منى التي يحرم فيها البناء، إقطاع الأمراء والمتنفذين مساحات تزيد عن 60% من مساحة منى وعرفة، حشر عامة الحجاج بكثافة تساوي 20 ضعف كثافة مخيمات المتنفذين، عدم إلزام شركات الطوافة بتحمل مسؤولية الألوف ممن يفترشون الجسور والطرقات".بحسب قولها.
كارثة النقل
وحول "النقل وحركة الحجاج" تنتقد الحركة "الاكتفاء بالنقل بالسيارات وعدم التفكير بالقطارات إلا في السنتين الأخيرتين ومع ذلك الأداء سيء، مع محدودية عدد الطرق وسوء توزيعها، تخصيص أكثر من ثلث الطرق للوفود وضيوف الدولة، إسناد مهمة إدارة المرور للمحظيين عند وزير الداخلية، تحول أنظمة السيارات لوسيلة جباية، مع عدم الاستفادة من توزيع الحجاج على شركات الطوافة في تحرك الحجاج".
أما النظافة ففيما عدا الحرم المكي والمدني لا توجد نظافة في المشاعر مطلقا، ولا توجد نظافة في مداخل مكة و"مناطق الإحرام" ووضعها مزري جدا بحسب رصد الحركة.
برنامج الحركة في إدارة الحج
في المقابل تقدم حركة الإصلاح، برنامجا في إدارة الحج تقوم على مفاهيم بديلة عن المفاهيم الحالية في التعامل مع الحج أهمها إدراك مفهوم الحج بمعناه الشامل والعميق وذلك بفهم ما جاء عنه في الكتاب والسنة ومن ثم صياغة الأهداف الإدارية التي يجب أن تحققها أي خطة باستحضار هذه الأهداف الشرعية بعد تحويلها إلى أهداف قابلة للقياس. ومما ينبغي التأكيد عليه أن الحج يتجاوز أداء النسك إلى فكرة الاجتماع الإسلامي الكبير الذي ينتفع منه المسلمون.
تخطيط استراتيجي
وتطالب الحركة باعتماد مفهوم التخطيط الشامل والاستراتيجي في كل جوانب التعامل مع الحج بالنظر لكل النواحي الثقافية والتوعوية أو النقل أو الإقامة أو النظافة والمياه والاتصالات والخدمات الأخرى أو غيرها. أما الإستراتيجية فتعني التخطيط بعيد المدى واستشراف ما يمكن أن يحصل للحج في عشرات السنين القادمة ومراعاة ذلك في الخطط التفصيلية، وضرورة احترام مفهوم التخصص المعني بمثل قضية الحج وهو تخصص "إدارة برامج التجمعات" والبحث عن عدد كاف من المؤهلين بهذا التخصص سواء كانوا من بلاد الحرمين أو من المسلمين من خارجها والقبول بمبدأ أن التخطيط للحج وتنفيذه ينبغي أن يكون منطلقا من الخبرة البشرية الواسعة في هذا الميدان.
عدم احتكار الدولة
كما تطالب بتوسيع المسؤولية عن أداء الحج لكل الفعاليات الاجتماعية والأهلية وعدم احتكار الدولة لتنفيذ المهمة، سواء بمقابل مادي مثل مساهمة الشركات والمختصين أو بدون مقابل مثل مساهمات المتطوعين أفرادا كانوا أو جماعات أو جمعيات.
تعيين وزير حج
ويتضمن برنامج الحركة حزمة من الخطوات العملية في إدارة الحج حسب ما تطرحه أهمها:
* تعيين مشرف عام على الحج (وزير الحج) على درجة كافية من التأهيل يكون متفرغا لهذه المهمة طوال العام. وتكون مهمته تخطيط وتنفيذ ومتابعة كل ما له علاقة بالحج وهذا يتضمن توعية الحجاج في ديارهم وتنظيم طريقة إعطائهم التأشيرات وتفاصيل نقلهم للبلد ومن ثم طريقة استقبالهم وإقامتهم وحمايتهم وتسهيل أدائهم للنسك وأخيرا ضمان مغادرتهم بدون مشاكل أمنية ولا فوضى بشرية.
* أن يتم اختيار مجموعة من المختصين كمساعدين لهذا المشرف وذلك للتخطيط والإشراف والمتابعة فقط وليس كإدارة تنفيذية. وتزود هذه المجموعة بالكادر الفني والأجهزة المطلوبة وتعطى الصلاحيات الكافية للحصول على ما تريد من السفارات والأجهزة الحكومية الأخرى.
* أن تعطى الجهات المسؤولة عن الحج اليد العليا في الصلاحيات خلال الموسم مقابل البلديات وأجهزة الأمن والسلطة المحلية وأجهزة الخدمات في مناطق المشاعر كلها ويحدد التاريخ الذي تنقل فيه هذه المسؤولية لوزارة الحج وتنظيم عملية النقل إداريا منعا للفوضى.
* أن تؤسس مجموعة أخرى مستقلة تماما بمسؤول ذات تأهيل بحثي وخبرة رقابية مدعوم بما يحتاجه من كادر بشري وفني لدراسة أوضاع الحج ورصد أحداثه وطريقة أداء الإدارة الجديدة وتكون مهمة المجموعة تقديم تقرير كامل بعد نهاية الموسم مع توصيات تفصيلية للإدارة الجديدة للدولة بعد انطلاق الوضع الدائم.
* القبول بمبدأ الاستفادة من القدرات الإسلامية من خارج بلاد الحرمين الذين لديهم رغبة جامحة بخدمة الحج سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو مؤسسات، وتسهيل الإجراءات التي تضمن مساهمتهم تخطيطا وتنفيذا في برنامج الحج.
هل تستجيب الدولة؟
تشير حجم الانتقادات للدولة السعودية عقب وقوع حادث "منى" وردود أفعال المسؤولين فيها إلى رغبة جادة في التطوير والعلاج والبحث عن الأخطاء حيث أبرز شكوكا بشأن قدرة السعودية في التصدي لمثل هذا التحدي غير العادي، ومع تصاعد الصيد في الماء العكر من قبل إيران وحزب الله وقيادات شيعية تطالب بتدويل إدارة الحرم وسحب إدارته من المملكة تبرز بقوة أهمية النقد الذاتي الداخلي وإن كان مؤلما بحسب مراقبين.
ويؤشر على الاتجاه نحو مزيد من الشفافية خروج العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز على شاشات التلفزيون بعد ساعات من وقوع الكارثة ليأمر بمراجعة شاملة لطريقة تنظيم الحج، كما وعد بفتح تحقيقات شاملة بعد أن بدأت تروج شائعات بشأن ما قد يحدث.
فهل تستجيب السلطات السعودية لما قدمته المعارضة من برنامج شامل لحل مشاكل الحج؟