تواصل » صحف ومجلات

التحذير من (داعش) لا يكفي

في 2015/09/30

علي القاسمي- الحياة-

في ما مضى كان غسل الأدمغة يستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى محطات الجريمة والتفخيخ والتكفير، لكن الحكايات القصيرة الدامية الأخيرة أفصحت عن أن مُدد الغسل باتت أقصر ولم تعد تستنزف سوى أشهر معدودة تكفي للذهاب إلى المحطات ذاتها، وتكون فاصلاً خاطفاً بين حقن وتنفيذ. أضحك كثيراً من وعلى الذين يؤجلون ويراوغون النقاش في جدية تفتيت الفكر المنحرف، بحجة أنه صريح المصدر وكونه من صناعة الآخرين الغرباء، من دون أن ندقق جيداً في كثير من الأسطر المتناثرة والترويج العشوائي لبعض الأسماء والدعاة وتزكيتها، وهي تنخر بعمق في النسيج المتماسك وتحاول الصيد في الماء العكر، في ظل الافتتان بالمظاهر وتقديس الحبال الصوتية المتحدثة بالنيابة عن الدين وبالوصاية عليه.

نقرأ التلميح والتصريح والانتماء المبطن للفكر المختل المعتل، ونجد من يؤوِّل ويدافع ويميل إلى صدر منتفخ على حساب سطر حاقن حاقد، يذهب المرضى للدفاع عن أي خيبة وانكسار، ويرمون باللائمة على الغرباء والآخرين، ولا أنكر أنهم ينتظرون من يهديهم وجبة طازجة، كي تستثمر في التسميم والإغواء والخداع وتحويل المجتمعات إلى مستنقعات جريمة ووحْل من الإرهاب والإخافة وإراقة الدماء.

أتفق تماماً مع الذين يرون أن التخلص من البعوض الداعشي والإرهابي في غاية الاستحالة ما لم تجفف المستنقعات الظاهرة ونُعرِّيها بما كتبت أيديها ونثرت ألسنتها وإن اختلفت في المستويات والحجم والقدرات والمهارة في ارتداء أكثر من وجه، وبحسب ما تفرضه خطة الاختباء والاختفاء والتلون في المواقف والظروف.

من يتعاطف مع فكر إرهابي تحت أي عباءة أو تعبير ويتراجع في قراءة فضائحهم وعارهم الذي لن يمسحه التاريخ هو مشروع مصغر لداعشي على دكة الاحتياط ينتظر فرصة مناسبة للغدر والخيانة أو التمويل الفكري والمالي إن تيسرت الحال، من يتعاطف مع قاتل أبيه أو عمه أو أخيه ويخنق الحكاية كلها في مجرد جريمة عابرة أو فعل مراهق خارج عن أي نص ويميِّع الأحداث الممتلئة بالضلال والانحلال فهو على الدكة ذاتها المتأهب أفرادها للمشاركة في لحظة ما، بعد تفريغ العقل من لوازمه الفطرية وامتلاء عضلات الفكين والفخذين.

المجتمعات الاتكالية التي تتمتع بقدر زائد عن الحاجة من الطيبة الزائدة والجهل الفكري يكون أفرادها ضحايا للأفكار المنحرفة المعلبة في إطار من المظاهر البراقة والنوايا المخلصة الطيبة، ومتى ما ظلت هذه المجتمعات تهرب في تحليل وتفكيك جراحها إلى حضن الصناعات الغربية من دون أن تعترف بأن هناك مساهمات صريحة وثابتة من بني جلدتها، في جل هذه الانحرافات والجراح فسنكون منتظرين لمآسٍ لا تخطر على البال وحوادث بشعة نجلس ليالي طوالاً للحديث عنها وأسرارها وتحولاتها.. أين كانت أعيننا عنها منذ لحظة الشعور بالولادة وما يتلوها من القلق الداخلي في أن ثمة شيئاً خاطئاً ينمو وينعزل ويمضي إلى مجهول ما، هناك تقاعس حقيقي في تجديد المفاهيم والسلوكيات الدينية الصحيحة والقتال على إمضاء جمل أن فلاناً شيخنا المبارك وذاك قدوتنا المعطرة والثالث نزكِّيه ولا نزكِّي على الله أحداً، وهم مع بالغ الحزن لا يفكِّرون في أوطانهم بشكل متزن بمقدار تفكيرهم في سَوْق أكبر عدد ممكن من القطيع، والتخندق وراء الحزبية والمذهبية والفجور في الخصومة ومحاربة الآخر أياً كان ولو لمجرد أنه تساؤل أو أعطى ظهره لأنشطتهم. ويبقى الداعشي المستتر تحت غطاء الكلمات الموقتة والمراوغات المرسومة، ضمن خطة عمل دنيئة هو الخطر النائم الدائم بين الأحضان والزارع لخطوط التغذية ببطء، فلولا خونة الداخل لَمَا تجرأ على أحد عدو من الخارج، وللخيانة أكثر من باب ونافذة ووجه.