شؤون خليجية -
يبدو أن القرصنة الإلكترونية أو ما يعرف بـ"الهاكر" أصبحت سلاحًا فعالًا في المواجهة بين أي طرفي نزاع، حتى لو كان الطرفان حكومات دول أو مؤسسات حكومية كبيرة. فقد برزت ظاهرة القرصنة الإلكترونية مؤخرًا، وسرعان ما تحول السلوك الذي بدا في بدايته انحرافًا لمراهقين شغوفين بالتكنولوجيا، حربًا تشن بين الدول. وتهدد منشآت حيوية كالمفاعلات النووية ومحطات الكهرباء، كما تدمر المخزونات النقدية للبنوك والدول، وتنشر أسرارًا لا يراد لها الخروج إلى العلن.
وفي التعريف الذي تقدمه الموسوعة الإلكترونية المفتوحة "ويكيبيديا" يعرف "الهاكرز" بأنهم "مجموعة من المبرمجين الأذكياء، الذين كانوا يتحدون الأنظمة المختلفة ويحاولون اقتحامها، وليس بالضرورة أن يكون في نيتهم ارتكاب جريمة أو حتى جنحة، ولكن نجاحهم في الاختراق يعتبر نجاحًا لقدراتهم ومهارتهم."
غير أنه بالنسبة لعامة الناس يبقى "الهاكرز" مجرد فتية يقومون بالسطو على المواقع والشبكات، متسببين بالأذى والخسائر المادية والأمنية والمعنوية، إلى جانب تشويه صورة مؤسسات كبرى وعالمية جراء هزيمتها أو عجزها عن صد هجمات ينفذها مراهقون.
سلاح متبادل في السعودية
واستطاع عدد من الهاكر السعودي اختراق قرابة 20 موقعًا تابعًا لجهات حكومية، وهو ما واجهته الحكومة السعودية بكل قوة، وتتبعت عددًا منهم، وواصلت تضييقها على الحسابات الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى استطاعت القبض على الهاكر السعودي الشهير "تركي هزازي" الشهر الماضي .
الطريف أن الحكومة السعودية بعدما كانت تدين مثل هذا السلوك– والذي لم يضر بالمصالح الحكومية وإنما أرسل رسالة فقط– باتت تتبناه الآن كسلاح تشهره في وجه معارضيها في الخارج، في محاولة لإسكاتهم ومحاربتهم إلكترونيًا وتشويه صورتهم – بحسب نشطاء وحقوقيين .
وكانت إحدى تلك الصور عندما تم اختراق حساب المغرد السعودي المعروف "مجتهد" مؤخرًا، والذي كان ينقل دائمًا معلومات دقيقة وحساسة عما يدور داخل العائلة المالكة وغيرها من التفاصيل المتعلقة بالأحداث السياسية، وتبع الخبر تداول روابط يقال إنها لموقع المعارض السعودي الدكتور سعد الفقيه- رئيس حركة الإصلاح السعودية المقيم بلندن، تفيد بأن الموقع تم اختراقه بواسطة الهاكرز، وتحاول الإشارة إلى أن الفقيه هو نفسه المغرد "مجتهد".
ليتبع ذلك بساعات قليلة، تحرك حكومي بحجب موقع منظمة "القسط لحقوق الإنسان" التي يرأسها الناشط الحقوقي يحيى عسيري المقيم بلندن، والمحسوب على معارضة الخارج.
فيما حمل ناشطون مسؤولية تهكير حساب "مجتهد"، للسلطات السعودية، خاصة بعد تغريدة الأمير الدكتور خالد آل سعود، والتي قال فيها عقب اختراق حساب "مجتهد": "تم اختراق حساب الحقير @muujtahiiddd بواسطة كفاءات- شابة- وطنية غيورة.. تابعوا- الآن- سلسلة فضائحه القذرة عبر حسابه المُخترق"، التي تكشف معرفته بمن قام بقرصنة الحساب، وطالب النشطاء بإرسال نسخة من التغريدة إلى "تويتر" لمحاكمته وإغلاق حسابه، لانتهاكه القوانين.
هاكرز الجهات الحكومية (غير ضار)
وهناك تصنيف لأنواع الهاكرز منها أصحاب القبعات البيضاء، وأصحاب القبعات السوداء وأصحاب القبعات الرمادية.. فهل يصنف الهاكرز السعوديون هنا بأصحاب القبعات الرمادية، وهم عادة لا يخترقون لأغراض خبيثة أو لمصلحة شخصية؟
فبحسب مراقبين، لم تضر محاولات القرصنة الإلكترونية لعدد من الجهات الحكومية السعودية بمحتوى تلك المواقع أو البيانات التي عليها، حيث قال الهاكر السعوديCyber_Emotion ، بعد اختراقه قرابة 20 موقعًا تابعًا لجهات حكومية، أغسطس الماضي، أنها محاولات للرد منه على ما اعتبره "تجاهلا" من قبل المسؤولين، لرسائله السابقة عن هجوم محتمل يستهدف المواقع الإلكترونية التابعة للجهات التي يعملون بها.
وشملت عملية القرصنة مواقع كل من: التنمية الاجتماعية بالأفلاج، بلدية أملج، موقع المجلس البلدي بأملج، تعليم السليل، مستشفى الملك فهد، المجلس البلدي بطريف، مديرية الشؤون الصحية بالطائف، إمارة الشرقية، إدارة مرور عسير، بوابة تعليم بقيق، بلدية الحائط، إدارة الموهوبين والنشاط الطلابي بتعليم الرياض، مستشفى الأمير سعود بن جلوي بالأحساء، الاتحاد السعودي للصم، مكتب التربية بالبرك، بلدية المحاني، بلدية ميسان، مكتب تعليم الروضة.
وكتب الهاكر رسالة موحدة نشرها على كل المواقع التي تمكن من اختراقها، بالإنجليزية والعربية، والتي جاء نصها كالآتي: "نحن لا نريد إهانة هذا الموقع، ولا نريد الضرر بأي شيء، ولكن لو حصل واخترق من قبل أحد الأعداء لنشرت معلوماتكم الخاصة من إيميلات وبيانات المسجلين في هذا الموقع، ونحن هنا لنخبركم أننا نريد حماية للمواقع الحكومية من الأعداء قبل وقوعها في فخ كبير جدًّا".
كما أكد الهاكر عبر حسابه بموقع "تويتر"، أنه لن يضر البيانات الموجودة بهذه المواقع، وسيكتفي فقط بعرقلة الدخول إليها، مرفقًا معها هاشتاق "منا ولا من غيرنا."
القبض على أشهر هاكر سعودي
استطاعت السلطات السعودية القبض على أشهر هاكر سعودي ويدعى "تركي هزازي" الشهر الماضي، حيث أعلنت شرطة منطقة مكة المكرمة أنه تم إلقاء القبض على الهاكر أثناء انتقاله للإمارات، لينتشر بعدها بشكل كبير هاشتاق يحمل اسم "مرجوج هزازي"، عبر تويتر .
وسبق أن قام "مرجوج هزازي" باختراق موقع إحدى الجهات الحكومية منذ فترة، ولكنه لم يلبث أن قدم اعتذارًا رسميًا بهذا الأمر بعد أن تقدمت تلك الجهة بطلب لمقاضاته، بعد اعترافه بما فعل على القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت.
وأوضح "مرجوج" في تغريدات سابقة له أنه لا يمتلك سوى النوايا الطيبة تجاه تلك المؤسسة، فقد تواصل مع مدير تعليم الليث وقدم اعتذاره وأبدى استعداده التام للتعاون معهم لسد الثغرات المتواجدة في مواقعهم.
وقد أجرى "مرجوج" مقابلة مع قناة "MBC" منذ فترة يوضح فيها تفاصيل ما حدث مع جامعة الطائف.
وفي السنوات الأخيرة، انتشرت القرصنة الإلكترونية بصورة كبيرة تنبئ بالخطر، بسبب خواصها التي تميزها عن الجريمة التقليدية، ذلك أن ضحاياها يتعرضون لتعطيل وتدمير مخازن المعلومات الخاصة بهم، وسرقة أموالهم والتهديد والابتزاز، مما يتسبب للاقتصاد بأضرار كبيرة.
ومع تزايد نسبة الجرائم الإلكترونية وتنوع طرقها، فقد أصبحت تلحق خسائر مادية كبيرة وفادحة أكثر مما تسببه الجرائم التقليدية، ليس فقط على مستوى الفرد، بل تتعداه إلى مستوى المنظمات والجهات والمؤسسات، فجرائم القرصنة أصبحت تدار إلكترونيًا، وتوجد على الشبكة الإلكترونية لفتح قنوات تواصل جديدة بهدف استقطاب شريحة أكبر من الناس وزيادة أرباحها