محمد العصيمي- عكاظ-
في وقت من الأوقات كانت الصحافة، وأنا من قدماء أهلها، تبحث في تفاصيل أي جرم عن اسم (وافد) ارتكب هذا الجرم لأنها كبيرة الثقة بالسعوديين الذين يستحون ويخشون الملامة القبلية والعائلية قبل كل شيء، وبالتالي هم أبعد، كما نتصور، ما يكونون عن ارتكاب أية جريمة. وبقي الحال، في الغالب الأعم، على ما هو عليه إلى أن مد الإرهاب رجله وافترى الإرهابيون في طول العالم العربي وعرضه بما في ذلك بلادنا التي خصها الإرهابيون بكثير من حضورهم وتربصاتهم.
الآن أصبحت بعض الأسماء المجرمة سعودية بوضوح كبير، بل ومنتسبة لقبائل وأسر معروفة أبتليت بها وتعرضت لإساءاتها الفردية التي تبرأ منها، بطبيعة الحال، كل قبيلة أو أسرة عرفت بانتمائها الخالص لوطنها والذب عن حياضه في صورة أبناء يرابطون ويستشهدون على الحدود، وبصور أخرى من البذل الكبير لأمن الوطن وسلامته.
وإذا كانت القبيلة أو الأسرة، أي قبيلة وأي أسرة، سالمة ومبرأة من الأسماء القليلة المسيئة فإن السؤال، الذي ينشأ عن تفشي ظاهرة انتساب هؤلاء لتنظيمات الإرهاب، هو كيف (غسلت) أدمغتهم إلى هذه الدرجة التي انتزع فيها حتى رباط الانتساب القبلي؛ المعروف بمتانته وتأثيره الذهني والنفسي على المستوى الجمعي ثم على المستوى الفردي.؟!
لابد أن حواضن أخرى أعظم أثرا أخذت مكان الحواضن القبلية والأسرية لهؤلاء المراهقين والشباب لتحولهم إلى (قنابل) موقوتة ضد أهاليهم ووطنهم. ولست أعتقد أن بمقدور أحد أن يبرئ حواضن التشدد والتنطع من هذا التبدل في انتماءات الأبناء التقليدية، إذ ليس بإمكان أي حاضنة أخرى، مع الأخذ في الاعتبار مغالطات الأدلة والفتاوى، أن تقنع الشباب بأن ثمن الجنة هو أن تقتل ابن عمك وأن تفجر بيت أبيك وأمك وإخوتك وتهدد أمن وسلامة مجتمعك ووطنك.
نتيجة لذلك، أو بناء عليه، تجوز المطالبة بأن نستخدم (مناقيش) البحث والاستقصاء لنعرف كيف تفلت هؤلاء الشباب من أربطة قبائلهم وأسرهم الموالية للوطن والمحسوبة على مجموعة القيم الاجتماعية التي تنبذ الخارج عنها وتعده (مارقا) لا يستحق مظلتها ولا يليق بها. ولكي ننجز هذه المهمة، مهمة الاستقصاء الضرورية، من الضروري أن نسرع ونشرع في دراسة المصادر الأخيرة التي استقى منها هؤلاء الشباب أفكارهم قبل أن يشهروا الأسلحة والمتفجرات في وجوه أهاليهم، فلربما اكتشفنا، أقول ربما، أن القربة التي تخر على رؤوسنا معلقة في سقفنا.!!