تواصل » صحف ومجلات

جاري وجارك وصناعة الدواعش

في 2015/10/01

بندر سالم العتيبي

«عندما عدت من عملي لم أستطع إيقاف سيارتي قريبا من منزلي بسبب أن جاري لديه عزومة وقد استولى هو وضيوفه على جميع المواقف القريبة من منزلي لذلك اضطررت للوقوف بعيدا في الشمس وعندما دخلت المنزل كنت في مزاج حاد وحالة من العصبية تسببت في حدوث مشكلة لي مع زوجتي وأطفالي وأكاد أجزم أن الكثير مثلي يعاني من هذه المشكلة التي قد ينتج عنها تشتيت أسر وهدم منازل مما يتسبب في نشوء جيل صالح للدعشنة لذلك فجاري وجارك هم سبب وجود الدواعش وينبغي على الدولة التعامل بحزم معهم»!لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يقول أو يتقبّل الكلام السابق أو يقتنع به إلا إذا كان من باب الدعابة التي أردتها أن تكون مدخلا لموضوعين في غاية الأهميّة ألا وهما:أولا: تصدير البعض لمشاكله الشخصية على أنها قضايا رأي عام وأنها سبب رئيسي في كل أزمات الوطن، ونحن هنا لا نقلّل من أهمية المواطن ولا نقول إن مشاكله لا تعني الوطن بل على العكس نطالب بإنصافه والسعي لتحقيق متطلّباته بل نطالب بتوفير ما يضمن له الحياة بكرامة ورفاهية ولكن ينبغي التأكد من أنه يعاني من المشكلة لا أن يكون هو المتسبب بها كما لا نغفل أنه من الطبيعي حصول بعض الأخطاء من البعض والتي قد تتسبّب في بعض الضرر للآخرين ولكنها لا ترقى لمستوى الظاهرة أو القضايا العامة.

فنجد من لم يحصل على منحة أرض يتّهم وزارة الشؤون البلدية والقروية بالفساد ولو أمعنّا النظر في هذا الاتهام نجد الشخص جعل مشكلته الشخصية مشكلة عامة فعدم حصوله على المنحة لا يلزم منه فساد الوزارة وخصوصا إذا علمنا أن الآلاف حصلوا على منح لذلك فمشكلته لا تعدو كونها مشكلة شخصية يستطيع حلّها بالوسائل النظامية، هذا إذا افترضنا الأسوأ وهو وجود الخطأ من موظف إدارة المنح وتغاضينا عن إمكانية وجود عذر لدى الوزارة مثل عدم وجود أراض للمنح في المكان الذي تقدم فيه هذا الشخص، أو عدم وصول دوره في التوزيع أو تغاضينا عن إمكانية استبعاده من فرصة الحصول على منحة بسبب عدم استيفائه لشروطها أو تلاعبه في طلب الحصول عليها، وقس على ذلك إمكانية حصول هذا الأمر مع كل الجهات والدوائر الحكومية والخاصة الأخرى.

لذلك ينبغي إعطاء كل مشكلة حجمها الطبيعي والتعامل معها بعيدا عن العواطف.

ثانيا: قضية النظر الخاطئ للمشاكل وهذا الخلل غالبا لا يخرج عن أمرين إمّا عدم الفهم الصحيح للمشكلة أو محاولة الاستفادة من هذه المشكلة في طرح مواضيع أخرى لأهداف مختلفة وسوف نضرب مثالا للتوضيح مع قضية خطيرة نواجهها جميعا ألا وهي الفكر الداعشي.

إن مما يغفل عنه الكثير في تعاطيهم مع هذه القضية أنها قضية فكرية في المقام الأول وذلك ما تنبّهت له الجهات الأمنية لدينا فقامت بإنشاء لجنة للمناصحة ومع تحفّظنا على عمل هذه اللجنة واقتصارها على نصيحة الموقوفين وتجاهل توعية المجتمع، إلا أنها تظل أفضل من تعامل مع هذه القضية، حيث إن الغالبية لدينا تجاهلوا أنها قضية فكرية وأخذوا يبحثون عن أسباب مادية لهذه القضية وهنا يكمن الخلل فالفهم الخاطئ للقضية نتج عنه وضع أسباب خاطئة لها!لذلك لا يمكن حل هذه القضية حتى لو استطعنا حل جميع الأسباب المفترضة لها وذلك بسبب عدم وجود علاقة فعلية بين هذه الأسباب وبين القضية الأساسية فلا يمكن للفقر ولا للبطالة ولا لعدم توفر السكن أو حتى انتشار الفساد أن يساهم في تشكيل الفكر الداعشي وإن كانت لا تقل خطورة عنه.

ومن جانب آخر نجد أن البعض استخدم نفس هذه الأسباب مع قناعته بعدم صحّتها إما بحسن نيّة ورغبة منه في الاستفادة من جهود الدولة في محاربة الفكر الداعشي من أجل حلّ القضايا الأخرى كالفقر والبطالة والسكن أو بخبث نيّة من أجل التشغيب على أمن البلد بالتباكي على مشاكل الفقر والبطالة وغيرها.

لذلك إذا فهمنا أن هذه القضية قضية فكريّة عرفنا أن سببها الرئيسي لا بد أن يكون نتيجة لفكرة خاطئة سببها عدم فهم أتباع هذا الفكر للإسلام بالشكل الصحيح وهو ذات السبب الذي ذكره ابن عمر رضى الله عنهما في الخوارج سابقا حيث قال: «انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها على المؤمنين».

ولو تتبّعنا المنتمين لهذا الفكر وأعذارهم في جرائمهم لعلمنا صحّة ما ذكرنا فأكثر المنتمين لهذا الفكر من صغار السن، وأكثرهم ليس له مشاكل مع البطالة أو الفقر أو السكن بل على العكس فبينهم من كان مبتعثا ومن كان ميسور الحال ومن كان موظفا، ثم إن أعذارهم كانت أنهم يرون كفر الدولة والمنتمين لها من القطاع العسكري ولم نجد منهم من انتقد الدولة في عدم توفر السكن أو طالب بحل مشكلة الفقر أو البطالة أو احتج بها.

وللتعامل مع هذا الفكر نكرر ما طالبنا به سابقا في أكثر من موضع بأن يتم محاربة هذا الفكر بالفكر، فيجب على كبار العلماء النزول من أبراجهم العاجية والتعامل مع القضايا المعاصرة وأن يتصدوا لكل فكرة شاذة مخالفة للدين الحنيف بالحجّة والإقناع لا بمبدأ العالم والعامّي.

ويجب على الأب في بيته أن يربّي أبناءه على النقاش والحوار لا على مبدأ الطاعة العمياء والتي تجعلهم يلجؤون إلى غيره.

ويجب على المدرس في مدرسته والأكاديمي في جامعته أن يكونوا الصدر الرحب الذي يركن إليه الطلبة والذي يجدون عنده الإجابة لكل ما يشغل تفكيرهم.

ويجب على الإعلامي والداعية في منابرهم أن يحذّروا من كل ما يسيء للوطن ويجعلوا نشر القيم الإسلامية والوطنية هدفهم الأسمى.

ويجب علينا جميعا أن ننبري للدفاع عن ديننا الحنيف من محاولات تشويهه وللدفاع عن وطننا وأمنه بكل الوسائل الممكنة في مجالسنا وفي شبكات التواصل الاجتماعي وفي كل مكان، وأن نكون واضحين في مواقفنا بعيدين عن كل ما يوحي لاحتمال تأييدنا أو رضانا عن بعض الأمور محل الشبهة.

أدام الله علينا نعمة الأمن والأمان وحمانا من أهل الفساد والضلال.