شؤون خليجية- سامية عبدالله
حرب كلامية وأزمة دبلوماسية قابلة للتصعيد بين السعودية وإيران، وسط مخاوف من تحولها إلى مواجهة عسكرية مباشرة، بسبب تهديدات غير مسبوقة من قبل قادة عسكريين إيرانيين من حيث حدتها وجرأتها وحساسية توقيتها وخطورة مناصبهم، والتي تعد الأقوى والأكثر تأثيرًا وهيمنة على مقدرات الدولة وقراراتها الحربية المصيرية. فهل تجر إيران المنطقة إلى حرب مذهبية أو إقليمية ثم عالمية، بحيث تتحول الحرب بالوكالة بين طهران والرياض إلى حرب مفتوحة، أم أنها تضغط على الرياض لتقديم تنازلات بالملف السوري واليمني؟
لم تتوقف التهديدات من قبل إيران وحزب الله للنظام السعودي منذ قيادته لعملية "عاصفة الحزم" في اليمن، بلغة الإنذار والوعيد وإسقاطه وشيطنته، بل بلغ حد التهديد بالجاهزية لإعلان التعبئة العامة في أي وقت وفي أي مكان، إلا أن حدتها هدأت قليلًا بالتزامن مع كتابة المراحل الأخيرة للاتفاق النووي، ومحاولة طهران كسب ود الغرب وطمأنته تجاه ملف أمن الخليج، لكنه عاد أكثر حدة بعد كارثة تدافع الحجيج في "منى".
تلويح بالخيار العسكري
في تصعيد هو الأخطر من نوعه، لوحت طهران باستخدام الخيار العسكري ضد السعودية، وذلك للرد على حادثة تدافع الحجاج في منى، حيث قال مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في إيران، العميد مسعود جزائري، إن القوات المسلحة على أهبة الاستعداد لتنفيذ أي مهمة فيما يخص كارثة منى المفجعة.
وأشار الجنرال الإيراني، أمس الأربعاء، إلى تصريحات قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي، القائد العام للقوات المسلحة، حيث وجه تحذيرًا شديد اللهجة إلى النظام السعودي، بقوله: "إذا تعرض الحجاج الإيرانيون وجثامين ضحايا الكارثة إلى إساءة، فإن رد إيران سيكون قاسيًا وعنيفًا"، مضيفًا: إنه "إذا قررت إيران إبداء رد فعل حول هذه الكارثة فإن أوضاع السلطات السعودية لن تكون محمودة العواقب"، بعد تهديد سابق في 10 إبريل الماضي بأن "السعودية ستتلقى الضربة فيما يحدث في اليمن، ويمرغ أنفها في التراب".
أيضًا قال العميد مرتضى قرباني، رئيس مؤسسة متاحف الثورة الإيرانية، إن ألفي صاروخ جاهزة لضرب السعودية إذا أصدر مرشد الثورة أوامره بالتنفيذ. وأضاف قرباني الذي يعد أحد المقربين من قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، في معرض تهديده للسعودية: "اليوم إذا أصدر المرشد خامنئي الأوامر بضرب السعودية فلدينا 2000 صاروخ جاهزة لإطلاقها باتجاه السعودية من أصفهان".
ويرى مراقبون أن التهديدات الأخيرة تحمل دلالات أكثر خطورة ولابد أن تؤخذ بمحمل الجد، ولا يجب أن تمر كسابقتها نظرًا لطبيعة الظرف الدولي والإقليمي الذي تمر به المنطقة، فالتهديد صدر من أهم شخصية تحرك الدولة الصفوية قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي القائد العام للقوات المسلحة، ويبدو أن صقور طهران هي المتغلبة الآن، كما أنها تأتي في توقيت حرج، حيث تخوض السعودية حربًا في اليمن وحربًا على حدودها ضد الحوثيين وحربًا في الداخل ضد تفجيرات داعش والمخططات الإرهابية.
الضغط على الرياض لتقديم تنازلات
والسؤال المطروح الآن: هل تصبح الرياض صيدًا ثمينًا لصقور طهران بعد أن نجحت في تطويقها من ناحية العراق وسوريا واليمن؟، وهل كانت طهران تحضر منذ فترة لخلق فرصة مواتية للإجهاز على السعودية بذرائع مختلفة تبرر مواجهتها بشكل مباشر، بعد خوضهما لحرب بالوكالة في اليمن وسوريا؟.
وبحسب المراقبين، لا توجد إجابة واضحة ولكن هناك مؤشرات على وجود عدة احتمالات بشأن اتجاه الأزمة بين السعودية وإيران، أقلها خطورة أن تكون التهديدات الإيرانية بالتلويح بالخيار العسكري جزءًا من مرحلة عض الأصابع بين الطرفين للصراع الدائر بينهما في اليمن وسوريا، وأن تهديد خامنئي إما للضغط على السعودية لتقديم تنازلات والانكفاء على نفسها وأزماتها الداخلية بحادث "منى" وغيرها، لإجبارها على رفع يدها عن الملف السوري والتسليم بتقاسم الكعكة السورية بين إيران وموسكو، والتراجع عن فكرة "عاصفة حزم سورية"، والتراجع عن التهديد برحيل الأسد إما بعملية سياسية أو عسكرية، فما زالت الرياض تتمسك بضرورة رحيل الأسد بحل سياسي وإلا بعسكري وتدعمها قطر وتركيا، بينما تحالف موسكو إيران حزب الله لا يريد شركاء أو مناوئين.
وتعد مطالبة السعودية لروسيا بوقف غاراتها في سوريا مؤشر على اشتعال الصراع بين الرياض وطهران.
كسب وقت ونقاط
ورجح خبراء أنه قد يكون تهديد إيران محاولة لكسب نقاط بالجولة السورية الحاسمة، وحصر السعودية بملفاتها الداخلية، وبخاصة أن هناك اتهامات موجهة لإيران تتهمها بافتعال أزمة حادث "منى" هي أو حجاجها، ما يعزز محاولة صناعة الأزمة أو توظيفها سياسيًا لإرباك السعودية وشغلها عن ملف اليمن وسوريا. خاصة بعد أن ارتفعت حصيلة القتلى الإيرانيين جراء حادث التدافع في منى من 241 إلى 464 قتيلًا، وفق آخر حصيلة أعلنتها منظمة الحج والزيارة الإيرانية، اليوم الخميس، بعد أسبوع على المأساة.
وفي مؤشر على نية مبيتة للتصعيد غير المبرر من قبل "خامنئي"، أثنى وزير الصحة الإيراني حسن هاشمي على جهود السعودية في إدارة الحج، وسرعة استجابتها بالتعامل مع "حادثة منى"، حيث نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" قوله: إن "حادث التدافع كان أمرًا خارجًا عن الإرادة، ونحن نسلم لمشيئة الله وقدره". واتفق الطرفان على نقل جثامين المتوفين الإيرانيين الذين تم التعرف عليهم بأسرع وقت، والاستمرار بالتواصل للتعرف على البقية ورعاية حالة المصابين.
وفي ظل غلق الملف النووي الإيراني لم يعد هناك ما تخشاه إيران، لكنها تبحث عن ذرائع تبرر تدخلها بمنطقة الخليج، وبخاصة تعرضها للرياض الحليف التقليدي للغرب وواشنطن، وفي حالة حصد إيران ما تريد بسوريا وتحجيم الدور السعودي وحماية الأسد قد تهدأ تهديدات خامنئي.
تمهيد لعمليات انتقامية
هناك احتمال آخر، بحسب المراقبين، وهو الأكثر خطورة، بأن تكون طهران تعد وتمهد لعملية انتقامية ضد الرياض لحصارها وتحجيمها بضربة استباقية، على خلفية "عاصفة الحزم" ونجاح تحرير عدن والتقدم نحو صنعاء، بحيث تجهض مرحلة اقتراب قطف الثمار في اليمن وتحرير العاصمة، بعد نجاحات عسكرية استراتيجية في مأرب، وتحت ذريعة الحجاج أو غيرها، قد تقدم إيران بجرأة على تدخل عسكري مباشر لمنع التقدم نحور صنعاء، وفرض سيناريو تقسيم اليمن وقضم الشمال لصالح الحوثي وإيران، حيث تمر طهران بفترة شهر عسل مع الغرب وموسكو، وسط مخاوف من تكرار التجربة الروسية في سوريا ولكن في اليمن، بحيث تقدم إيران على مواجهة عسكرية مباشرة لحسم الصراع فيه على غرار ما فعل بوتين.
أي أن إيران قد تتحرش بالسعودية أو تواجهها بشكل مباشر في اليمن أو على أراضيها وهذا الاحتمال الثالث، إلا أنه ليس خيارًا سهلًا، لكنه قائم في ظل توقع محللين قيام إيران بجر المنطقة لحرب عالمية ثالثة مركزها سوريا والعراق واليمن، وفي هذا الإطار قد توجه ضربات ضد السعودية تحت غطاء أو ذرائع أو أقنعة باستخدام أذرعها العسكرية بالمنطقة، لكن المخيف أنها تعلن عن هذه النوايا دون مواربة، فالبيئة الإقليمية وكل ظروفها تصب في صالحها فشريكها الروسي الجواد الجامح، وأمريكا والغرب تحالف مع طهران بالاتفاق النووي على حساب الخليج، ويتفرج منذ شهور على بلطجة إيران السياسية في اليمن وعربدتها بسوريا والعراق دون تعليق.
نذر حرب عالمية
وتساءل الكاتب عبدالله الهدلق في مقال بعنوان "إيران تجر العالم لحرب عالمية ثالثة" بتاريخ 31 يوليو 2015، بصحيفة "الوطن" الكويتية "ماذا تريد بلاد فارس (إيران) من وراء مُخططاتها ومؤامراتها الإرهابية في سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن والكويت ومنطقة الخليج العربي بشكلٍ عام، وتهديداتها بمهاجمة دول الخليج العربي، ومشاركتها مع النظام البعثي النصيري الأسدي في إراقة الدماء والمذابح والمجازر والإبادة الجماعية للشعب السوري؟".
وحذر "الهدلق" من أن "إيران تريد أن تجرنا إلى حرب عالمية ثالثة.. وبدأوا يلعبون بالنار في محاولات منهم لتحويل منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط إلى ساحةٍ للصراع بين نفوذ الدول الكبرى، كمقدِّمةٍ لإغراق المنطقة كلها في بحورٍ من الدماء والخراب والدمار والمذابح".
وتابع: "لقد مدَّت بلادُ فارس (إيران) أذرعها الإرهابية والتخريبية في سوريا والعراق ولبنان والبحرين والكويت والمملكة العربية السعودية واليمن، ولا تريد أن يهدأ الوضع في العراق ولا في سوريا ولا اليمن ولا البحرين، بل هي وراء تلك الأعمال الإرهابية والدماء التي تسيل في تلك الدول".
نذر حرب مذهبية
ويرى مراقبون أن كل المحاولات لتخفيف الصراع بين إيران والسعودية ودفع البلدين للجلوس على طاولة الحوار لم تنجح حتى الآن، بل الخوف أن يشتد الصراع مجددًا وتدخل عليه العوامل المذهبية والدينية والقومية، مما يعني أننا سنكون أمام حرب أهلية سنية – شيعية – عربية – فارسية قد تمتد لعشرات السنين، وهذه هي الكارثة الكبرى.