د. فهيد البصيري- الرأي-
الأفلام الأميركية فيها عبر وحكم، ففي أحد الأفلام يصيب الاقتصاد الأميركي نوع من الركود الاقتصادي، ويقع الرئيس في حيرة، ولا يعرف كيف يدير عجلة الاقتصاد خصوصاً وأن الاتحاد السوفياتي قد انهار، ولم يعد هناك سبب منطقي لتطوير الأسلحة، وشن حرب لاسيما وأن العالم أصبح ذا قطب واحد، وهنا يحاول وزير الدفاع الأميركي اقناع نظيره الروسي باستمرار الحرب بينهما ولو بصورة شكلية، ولكن الأخير يرفض قائلاً ذلك مستحيل فأنتم أقوى دولة في العالم، ونحن نعترف بأننا خسرنا الحرب الباردة معكم، وفي النهاية يصل المستشارون الأميركيون إلى فكرة وهي خلق مشكلة مع كندا لتبرير شن حرب عليها، ولم يجدوا سبباً لذلك سوى أن الشعب الكندي أطيب من اللازم وشوارعهم نظيفة جداً!
واليوم وجد الغرب حاجتهم في تنظيم «داعش»، فهو الملاك المنقذ، والمحرك الرئيسي والدائم للرأسمالية المتعثرة، وكما قلت سابقاً إن الكل مستفيد من «داعش» خصوصاً الأميركيين والغرب فهو محرك دائم وذاتي لاقتصاداتهم التي تعيش على الإنفاق والاستهلاك من أجل النمو والإنتاج، وعلى هذا الأساس قال أوباما إن عمر الحرب قد يمتد إلى 30 سنة مقبلة، ولهذه الأسباب تجدهم بقدرة قادر يلقون بالأسلحة عليهم بالخطأ، ولهذه الأسباب تجد الجيش العراقي فجأة ينسحب ويترك لهم ألوية كاملة بكل تجهيزاتها، ويعطيهم مساحة واسعة من أرضه دون قتال بينما المليشيا الكردية البسيطة تطاردهم من بلدة إلى بلدة، ولهذه الأسباب نجد أن لـ«داعش» فروعاً في كل مكان، في مصر وفي ليبيا وفي تونس ونيبجريا ودول أخرى في الطريق، إنها مشاريع استثمارية لتحريك الاقتصاد الغربي الذي لا تحركه سوى الحروب ليبقى على قيد الحياة وكأنه لا يعيش إلا على جماجم الأخرين!
وعلى هذا فإن الحرب الدائرة في العراق وسورية اليوم مقدر لها أن تستمر لعقود من الزمن، ومقدر لـ«داعش» أن يبقى ويتمدد إلى أن يخلق الفكر الرأسمالي فكرة جديدة أو يتحول إلى عدو آخر، والرئيس الروسي بوتين يعلم هذه اللعبة وقد أشار إليها ضمنياً في خطابه في الأمم المتحدة، ولكن هدف روسيا وتركيا وإيران هناك ليس هدفاً رأسمالياً بحتاً، فتركيا لها مطامع تاريخية في العراق وسورية وخصوصاً في الموصل، وتخشى من الأكراد هناك، وبالنسبة لإيران فهي المستفيد الأكبر من الفوضى الدائرة للتدخل في العراق وسورية، أما روسيا فإنها تعلم اللعبة الغربية وقد دخلت على الخط لقطع مصدر رزق دول التحالف الغربي وهو «داعش»، وستدافع عن قواعدها في البحر المتوسط وعن حليفها المهم بشار الأسد، والأهم هو الضغط في سورية لكي تساوم على أوكرانيا!
ومن المفارقات أن روسيا ستحارب الجيش الحر والنصرة وستضغط على «داعش» مما سيربك الغرب الذي قد يجد نفسه يدافع وبشكل فاضح من أجل بقاء «داعش»، ولغرض الإبقاء على حياة هذا العدو الثمين، يحاول الغرب أن يجند من استطاع إليها سبيلاً من المسلمين من العرب والغرب، ويستخدم في ذلك وسائل الاتصال والانترنت، ولذلك نحن نشاهد أفلاماً هوليوودية لا يمكن لمجموعة دينية تحارب التصوير عمله، ومن مشاهداتي الشخصية وفي أحد الأيام وصلني فيلم بـ«الواتس أب» ويبدو أنه منشور على «يوتيوب»، وهذا الفيلم مصور باحترافيه متطورة ويدعو إلى نبذ الحياة والزهد بها، ويحض على التوجه إلى الله وطبعاً المقصود الإسلام، وهو أسلوب من أساليب غسيل الدماغ، وعموماً الفيلم مصور للمسلمين الغربيين ويدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله.
والموضوع ليس موضوع التعاطف مع نظرية المؤامرة، فهذه ومع أنها تحمل بعض الحقيقة إلا أنها ناقصة فنحن متواطئون مع المتآمرين ونعلم بمؤامرتهم، والفرق أن المتآمرين لهم هدف والمتواطئون منا معهم لهم أهداف أخرى.
واستراتيجية الغرب اليوم ببساطه هي تحويلنا إلى إرهابيين لتغذية «داعش» والذي يحرص على تسميته بـ«الدولة الإسلامية»!، لكي يقوم هو ويحاربه لغرض تدوير اقتصاداته، وسلاحه في ذلك عقليتنا الدينية فقط! وسيستمر في ذلك ولن يوقف مخططاته إلا تحولنا إلى دول مدنية، تؤمن شعوبها بقيم العدل والمساواة وحرية تعدد الأديان والمعتقدات!