محمد بن سعود الجذلاني- الرياض-
إن مشاعر الألم التي اجتاحت المجتمع السعودي في كلّ مرة يقع فيها حادث إرهابي أثيم يستهدف أرواح أبرياء، ومقدّرات وطن، يجب أن تعود لتستيقظ اليوم وتبقى حيّة متوقدة في نفوسنا لا تخبو مع الوقت ولا تخضع لردود الأفعال الآنية.
ما بين بدء المواجهة بين المملكة وفكر الإرهاب والتطرف، الذي كان قبل سنوات طويلة، ومرورا بالحادثة الأليمة التي كان المستهدف فيها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد حفظه الله حين فجّر أحد قذارات الفكر التكفيري نفسه بين يدي سموه، وصولا إلى قصة الغدر والوحشية والإجرام التي هزّت المجتمع السعودي بأسره، التي كان ضحيتها أحد أبناء الوطن الأبرياء على يد ابن عمه المجرم الأثيم.
وطنك الغالي هو بيتنا الكبير، لا تقف مسؤولية حمايته عليك ولا عليّ ولا على الجيش أو الشرطة أو القيادة، بل المسؤولية علينا جميعا أن نحمي ثغور الوطن التي يقف كلٌّ منا على طرف من أطرافه
وبالتزامن بين هذه الحادثة الشنيعة المؤلمة، وبين ما قدّر الله من مصيبة وفاة العشرات من حجاج بيت الله الحرام خلال حادث التدافع الأليم في مشعر منى، وما أفرزته هذه الحادثة من الكشف عن كيد وخبث وعداء لم يكن خافيا علينا بالأمس؛ غير أنه اليوم أظهر لنا لونا جديدا من ألوان المحاولات الخائبة – بإذن الله – لاستهداف أمننا، والنيل من مكانة ومصداقية وطننا الغالي، سيما فيما يقدمه من خدمات جليلة لا تخفى حتى على الأعمى، لضيوف الرحمن من حجاج البيت الحرام والمعتمرين وزوار مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ثم وفي ساحة أخرى نستحضر جميعا صورة الوطن الغالي وهو يخوض حربا ضروسا من أقسى وأشرس الحروب التي يمرّ بها عسكريا، لاستعادة الشرعية والنظام في الشقيقة اليمن، وتطهيرها من أذناب إيران، وأدوات المشروع الصفوي الخبيث الذي جنّد الالاف من المواطنين العرب للعمل ضد أوطانهم في اليمن والعراق وسورية ولبنان، بل حتى في الكويت والبحرين، وبعض الأذناب القابعين في أعشاش المكر والكيد في شرق المملكة.
أقول: إنه وفي ظل كل هذه القضايا الكبيرة المصيرية التي يعيشها وطننا الحبيب، يجب أن يكون الشعب السعودي الوفي قد انتقل إلى مرحلة ليست كغيرها، في درجة الوعي، وإذكاء روح الوطنية الصادقة، وإيقاظ كل مشاعر الولاء للوطن، وأن يدركوا جميعا، وبكل مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، أن المملكة العربية السعودية اليوم أصبحت أحوج ما تكون إلى أبنائها الصادقين، وأن زمن الاتكالية والسذاجة والانشغال بالتوافه قد ولىّ ولم يعد مقبولا أبدا.
إن مشاعر الألم التي اجتاحت المجتمع السعودي في كلّ مرة يقع فيها حادث إرهابي أثيم يستهدف أرواح أبرياء، ومقدّرات وطن، يجب أن تعود لتستيقظ اليوم وتبقى حيّة متوقدة في نفوسنا لا تخبو مع الوقت ولا تخضع لردود الأفعال الآنية.
إن يد الغدر والإجرام والوحشية، وفكر الضلال الخبيث الذي تجاوز كل حدود البشرية ومقاييس الآدمية، قد وصلت بنا إلى مرحلة يصبح التخاذل أمامها وضعف الوعي بخطورتها، أكبر جريمة يمكن أن نقترفها في حق أنفسنا ووطننا وأجيالنا القادمة.
إن ما وصل إليه هذا الفكر الضال، من السيطرة الكاملة على عقول بعض أبناء الوطن ليتحولوا إلى وحوش قذرة دنيئة يوجهون سهام غدرهم وخيانتهم وإجرامهم إلى آبائهم وأمهاتهم وذوي قراباتهم، لأمرٌ في غاية الخطورة، وحالة استثنائية لا يجوز لنا معها إلا أن نهبّ بكل ما أوتينا من قوة وحذر ووطنية وحبّ لأنفسنا ولأولادنا وأجيالنا القادمة، للوقوف أمام هذا السرطان الخبيث حتى لا تمتد يده إلينا مجددا.
أيها المواطن السعودي: إني لا أدعوك إلى أن توقظ حبّ وطنك في قلبك – وإن كانت هذه دعوة شرف – لكني أدعوك في المقام الأول إلى أن تقف صادقا أمام حبك لنفسك أولا، ولأولادك ووالديك وأحبائك، وأن تقدم كل ما تملكه من قدرات ومقوّمات للدفاع عن هذا الحب، فإنك لن تعيش أنت ومن تحب آمنين على أرض يملؤها الخوف ويحيط بها الخطر من كل جانب.
وطنك الغالي هو بيتنا الكبير، لا تقف مسؤولية حمايته عليك ولا عليّ ولا على الجيش أو الشرطة أو القيادة، بل المسؤولية علينا جميعا أن نحمي ثغور الوطن التي يقف كلٌّ منا على طرف من أطرافه.
لم يعد خافياً على أي مواطن صادق حجم المخاطر التي تحيط بوطننا اليوم، ولا ما يواجهه الوطن – حماه الله – من أنواع المكائد وصنوف العداوات، التي تصدر عن أعداء يرموننا عن قوس واحدة، فهل يجوز عقلا أن نبقى على ذات المستوى من العمل والحذر الذي كنا عليه بالأمس، يوم لم تكن المخاطر التي تواجهنا بمثل هذا الحجم المضاعف؟!
يجب أن نترفع جميعا عن حظوظنا الشخصية، وعن خلافاتنا الفردية، وأن نستيقظ بكل أحاسيسنا ووعينا لإدراك ما نواجهه من أخطار وعداوات.
يجب أن يقدّم كلٌ منا ما يملكه وتتيحه له إمكاناته وقدراته وظروفه من وجوه الدفاع عن الوطن وإعلان الحب (الحي المتيقظ) لهذا الوطن.
لنعلن لكل العالم ثقتنا بالله عز وجل أولا، ثم بأنفسنا وولاة أمرنا، وجيشنا ورجال أمننا، ونضع أيدينا فوق أيديهم ولاء ونصرة وتأييدا.
لا يجوز لنا أن نتخلف عن ركب نصرة الدين الذي أصبح مستهدفاً من خلال هذه الدولة الإسلامية السنية التي تحمل لواءه في العالمين، وتخفق رايتها بإعلاء كلمته في كل بقاع الدنيا ومحافل السياسة، فإن التخاذل والتراخي عن نصرة وطننا الحبيب في هذه الظروف أشبه ما يكون بالتولي يوم الزحف.
لتعلم أيها المسلم العربي الأصيل الذي يحمل جنسية المملكة العربية السعودية، أن هذه المخاطر والعداوات الموجهة من جهات معروفة بحقدها على الإسلام والمسلمين، أن كل هذا الكيد موجه ضدك ليخرجك من أرضك صاغرا، ويوقع بك ما أوقعه بإخوانك المسلمين من حولك من قتل وتشريد وهتك عرض. وأنه بقدر تمسكك بحبل الله المتين أولا، ثم بحبك لوطنك وثقتك في حبه لك وعملك الدؤوب للذود عنه، بقدر ما يدفع الله عنك الشرور، ويحمي بك وطنك وأهلك من الهزيمة.
أيها المواطن السعودي الغيور:
مرة أخرى أؤكد لك: أن اليوم لم يعد كالأمس، فلا تكن أنت اليوم كما كنت بالأمس.
أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا ووحدتنا وأمننا، وأن يجمع شملنا ويوفق ولاة أمرنا لنصرة دينه والدفاع عن مقدساته، وأن يخزي عدونا ويمزقه كل ممزق، إن ربي سميعٌ مجيب.