شؤون خليجية-
أصابت ردود الفعل الخليجية الرسمية على الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني لحرمة المسجد الأقصى، الرأي العام العربي والإسلامي بالصدمة، إذ اكتفى القادة والملوك والزعماء العرب، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، ببيانات الإدانة والاستهجان، تمامًا كما تفعل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في مثل تلك الحالات التي ينتهك فيها الأقصى، وترتكب المجازر على مرأي ومسمع من العالم أجمع، ما يعكس حالة الموات التي أصابت الأنظمة العربية الخليجية التي لم تعد مشغولة سوى بقمع ثورات الربيع العربي، وحرمان الشعوب العربية من حقها في الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية، حتى ولو كان ذلك على حساب مستقبل المنطقة وأمنها واستقرارها، وهو ما أدى بالكيان الصهيوني لأن يستغل حالة التشرذم والضعف التي أصابت الأنظمة والدول العربية، التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الانقسام والتهميش، ليواصل انتهاكاته للمسجد الأقصى محاولًا تنفيذ مخططاته القديمة الخاصة بالتقسيم المكاني والزماني للمسجد، وسط قناعة تامة بعجز الدول والأنظمة العربية عن التحرك الفعال لوقف تلك المخططات الخبيثة، لانشغالها بأزماتها الداخلية من جهة، وبالمعارك التي أدخلت نفسها فيها مع دول وجماعات في الداخل والخارج من جهة أخرى، ليصبح الدور الخليجي في دعم الأقصى والقضية الفلسطينية شبحًا من الماضي، ووهمًا لا يمكن أن يسهم بأي شكل من الأشكال في دعم الشعب الفلسطيني وصموده المشرف، سواء في قطاع غزة أو في القدس الشريف.
ردود ضعيفة ومكررة
من يتابع ردود الفعل الخليجية، وخاصة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، يلحظ أنها ردود كربونية من مواقفهم السابقة إزاء الانتهاكات التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد المسجد الأقصى، إذ لم تتحول تلك الردود في أي مرحلة من المراحل إلى مواقف حقيقية تخدم القضية الفلسطينية، وحتى عندما تحولت في فترة من الفترات عندما صاغ الملك السعودي الراحل مبادرة السلام العربية، كانت في صالح الكيان الصهيوني بأكثر مما هي في صالح القضية الفلسطينية والأقصى الشريف، ورغم ذلك لم تعترف بها حكومة آرئيل شارون في ذلك الوقت، واعتبرتها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، الأمر الذي يعكس مدى ضعف الأنظمة العربية وعدم قدرتها على اتخاذ مواقف حقيقية تثبت للرأي العام العربي حيوية وقوة تلك الأنظمة، التي أدت موالاتها للغرب إلى فقدانها ثقة الشعوب والمجتمعات العربية، والقدرة على التحرك الفعال لمواجهة المواقف والأزمات والتحديات التي تحدق بها من كل اتجاه.
وبالنظر إلى مجمل المواقف الخليجية إزاء انتهاكات الأقصى وتحليلها نلحظ أن الموقف السعودي كان أقواها، إذ أعربت السعودية عن استنكارها واستهجانها الشديدين لانتهاك سلطات الاحتلال الصهيونية لحرمة المسجد الأقصى المبارك، حيث حذرت من أن هذا الاعتداء سيؤدي إلى عواقب وخيمة، تتحمل مسؤوليتها السلطات الإسرائيلية.
وأوضحت أن هذا الاعتداء من شأنه أن يسهم في تغذية التطرف والعنف، ويتنافى مع المبادئ والقوانين والتشريعات الدولية كافة، وينتهك بشكل صارخ حرمة الأديان بالتعدي على أحد أهم المقدسات الإسلامية.
إلا أن الموقف السعودي الذي حمل الاحتلال عواقب ما يقوم به لم يزد في تحركه عن الإدانة، واكتفى بمطالبة المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لإلزام السلطات الصهيونية بالتوقف عن الاعتداء على المقدسات الإسلامية، واحترام الأديان، والقوانين والتشريعات الدولية ومبادئ عملية السلام، ذلك الكلام الفضفاض الذي لم يسفر عن أي تحرك جاد لوقف الانتهاكات الصهيونية على المسجد الأقصى.
كما أنه وعلى صعيد التحرك الأممي الذي شدد العاهل السعودي على ضرورة بذله المساعي الجادة والسريعة، وضرورة تدخل مجلس الأمن لاتخاذ كافة التدابير العاجلة، لوقف هذه الانتهاكات على المسجد الأقصى، وحماية الشعب الفلسطيني والمقدسات الدينية، وإعطاء الشعب الفلسطيني كافة حقوقه المشروعة، لم تتحرك لا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن لتناقض تلك التحركات مع المواقف الأمريكية والغربية الداعمة للكيان الصهيوني، والدافعة نحو سيطرته على مجمل المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، فضلًا عن أنه لم يسبق لا لمجلس الأمن ولا للأمم المتحدة أن تحركت بالسرعة الكافية لحماية اي قضية من قضايا العرب والمسلمين، وما يحدث في سوريا واليمن خير دليل على بطء تلك التحركات وسيرها وفقًا للمخططات الغربية التي تستهدف كسر إرادة الأمة العربية والإسلامية، ودفعها للسير في ركب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
وإزاء هذه الأوضاع المتأزمة على الصعيد الأممي والدولي، ولقناعة العاهل السعودي والأنظمة العربية بعدم جدواها، لم يكن أمامه سوى الدعوة لعقد اجتماع وزاري طارئ لدول مجلس التعاون الإسلامي، لمناقشة الانتهاكات الصهيونية المستمرة ومحاولات تقسيم الأقصى، وتطورات الأوضاع في مدينة القدس، وهو تحصيل حاصل، لأن المنظمة لا تملك أي أدوات فعالة يمكن من خلالها وقف الانتهاكات ضد المسجد الأقصى، إذ غالبًا ما تكتفي بنشر بيانات الإدانة، سواء فيما يتعلق بالأقصى والقضية الفلسطينية، أو ما يتعلق بغيرها من القضايا التي تهم العرب والمسلمين.
أما بقية دول الخليج العربي فلم تقم سوى بإصدار بعض بيانات الإدانة لما يحدث في الأقصى الشريف، إذ اكتفي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الكويتي الشيخ محمد عبد الله المبارك الصباح، في تصريح عقب اجتماع للمجلس، بالتأكيد على أن دولة الكويت ترفض هذه الأعمال الهمجية وتعرب عن إدانتها لهذه الجريمة البشعة التي تأتي استمرارًا لممارسات إسرائيل بحق المعالم الإسلامية في القدس الشريف، بما تمثله هذه الممارسات من نسف لجميع الجهود الهادفة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.
وقد عبر عن هذه الحالة من الضعف المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، في الدورة السادسة والثلاثين بعد المائة التي عقدها المجلس، برئاسـة الدكتور خالد بن محمد العطية، وزير الخارجية بدولة قطر، والتي عبر خلالها المجلس عن إدانته للانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وخاصة المحاولات الرامية إلى تغيير الوضع القانوني للمسجد الأقصى، وكذلك الاعتداءات المتكررة من المسؤولين والمستوطنين الإسرائيليين على حرمة المسجد الأقصى المبارك.
وتعكس تلك المواقف حالة من الضعف الشديد، تؤكد عجز دول مجلس التعاون الخليجي بكل ما تملكه من أدوات قوة اقتصادية ومالية، عن الإسهام بفعالية في وضع حد للانتهاكات الصهيونية المستمرة للمسجد الأقصى وللقضية الفلسطينية، واكتفائها في كل مره بما تقوم به من بيانات إدانة واتصالات بالأمم المتحدة ومجلس الأمن وقادة الدول الكبرى، لدفعها للتحرك نيابة عنها دون أي جدوى حقيقية من وراء ذلك.
أسباب ضعف الموقف الخليجي
لم يرتق الموقف الخليجي لما هو مأمول منه، إذ لم تلجأ الأنظمة الخليجية إلى أوراق الضغط التي سبق وأن استخدمتها في انتهاكات وأزمات سابقة، خاصة ما يتعلق بسلاح النفط والمال أكبر الأوراق وأكثرها تأثيرًا، إذ بدت عاجزة وغير قادرة سوى على إصدار بيانات الإدانة التي لم تعد تجدي نفعًا مع عدو ينتهك كافة الأعراف والمواثيق الدولية.
وحسب الخبراء، هناك العديد من الأسباب التي تقف خلف ضعف الموقف الخليجي، أهمها:
أولاً: حالة الانقسام والتشرذم التي أصابت دول المنطقة وفي القلب منها دول الخليج العربي عقب ثورات الربيع العربي، والتي أسفرت عن سيطرة جماعة الحوثي على اليمن، وأدت لصعود نجم إيران في المنطقة، خاصة بعد نجاحها في إبرام اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإنهائها عقود من الخلاف والعداء مع الإدارات الأمريكية المختلفة، وتحول علاقاتها لأن تصبح علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب، وذلك على حساب المصالح الاستراتيجية التي كانت تجمع الممالك الخليجية بالولايات المتحدة المسؤولة عن أمن واستقرار الخليج.
ثانياً: تنازع الأدوار فيما بين المملكة العربية السعودية من جهة والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، إذ شهدت الفترة الماضية محاولات إماراتية لتهميش الدور السعودي والعمل على تقزيمه وتحجيمه وحصره في نطاقات محددة، وذلك لصالح الدور الإماراتي الذي لعب دورًا كبيرًا في إفشال ثورات الربيع العربي، وتوجيه ضربات قاصمة لجماعات الإسلام السياسي في المنطقة، والعمل من أجل مواصلة هذا الدور بالتحالف مع أعداء الأنظمة والشعوب العربية، خاصة موسكو وجماعة الحوثي التي تم دعمها في بداية الصراع، من أجل القضاء على حزب الإصلاح اليمني وتحجيم نفوذه في اليمن، واتفاقها مع موسكو لدعم بشار الأسد ونظامه خوفًا من سيطرة المعارضة الإسلامية المسلحة على مقاليد الأمور في سوريا.
ثالثًا: الولاء للغرب والاعتماد عليه، خاصة الولايات المتحدة، في حفظ أمن واستقرار المنطقة، الأمر الذي يجعل من الصعوبة على الأنظمة الخليجية استخدام أوراق اللعب التي تملكها للضغط على الادارة الامريكية أكبر داعمي الكيان الصهيوني في المنطقة، لمنعه من مواصلة الانتهاكات المستمرة للمقدسات الإسلامية، وللحيلولة بينه وبين تنفيذ مخططاته الخاصة بالتقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى المبارك.
رابعاً: عدم الجدية في توجيه الإدانات للكيان الصهيوني، واعتقادهم بأن حل القضية الفلسطينية لن يكون إلا من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بالرغم من عجز تلك المؤسسات عن تقديم أي حلول مقبولة للصراع العربي الإسرائيلي منذ بدايته في أربعينيات القرن الماضي.
خامسًا: الافتقاد لرؤية عملية لحل الصراع العربي الإسرائيلي عمومًا والقضية الفلسطينية خصوصًا، والاكتفاء بتقديم تنازلات تلو التنازلات دون مقابل حقيقي، الأمر الذي يغري قادة الكيان الصهيوني بالمماطلة في تنفيذ الالتزامات الموكلة إليهم، والضغط للحصول على المزيد من التنازلات على حساب الشعب الفلسطيني الأسير.
سادسًا: عدم وجود موقف عربي موحد يمثل ضغطًا على قادة الكيان الصهيوني، بدلًا من عمليات الإدانة المنفردة التي تقوم بها كل دولة على حدة، مما يفقدها جدواها وتأثيرها على العدو الصهيوني، الذي بات لا يؤمن سوى بلغة القوة ولا يفهم سواها.
وفي ضوء تلك الأسباب وغيرها كان من الصعب على الأنظمة الخليجية، التي تتحسس مواقع أقدامها، أن تقدم أي شيء إيجابي لمواجهة الانتهاكات الصهيونية المستمرة ضد حرمة المسجد الأقصى المبارك.
الخليج شريك للعدو الصهيوني في جرائمه
في الواقع أن المتتبع للتحركات الخليجية الخاصة بدعم القضية الفلسطينية، يلحظ أن الخليج لم يقم بتقديم شيء إيجابي ملموس لدعم الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة والضفة الغربية، بل على العكس كان يقف في بعض الفترات مع العدو الصهيوني في حربه ضد قطاع غزة، لخلافه مع حركة المقاومة الإسلامية حماس التي يحسبها على جماعات الإسلام السياسي في المنطقة، التي تمثل لبعض الأنظمة الخليجية خطرًا يفوق الخطر الشيعي والإيراني والأمريكي والإسرائيلي في بعض الأحيان.
فحسب الكاتب البريطاني المتخصص في قضايا الشرق الأوسط ديفيد هيرست، لولا الدعم السعودي والإماراتي لإسرائيل لما استمرت الحرب الوحشية الأخيرة على غزة، والتي راح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى والمصابين.
حيث صرح الكاتب بجريدة الغارديان، ورئيس تحرير موقع "ميدل ايست آي" البريطاني، في مقال له بعنوان: "دموع التماسيح التي تذرفها السعودية على غزة"، بأن المملكة هي التي تمول الحرب على غزة بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويدلل على ذلك بما سبق وأن صرح به الأمير تركي الفيصل في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط، حمل خلاله حماس مسؤولية إطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني ورفضها قبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، والتي لو قبلتها لترتب عليها نزع السلاح من أيدي حركات المقاومة الفلسطينية.
يضاف إلى ذلك أن الخليج لم يقدم شيئًا يعتد به لفك الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة منذ ما يقرب من عقد، عاني خلاله الشعب الفلسطيني مرارات الحصار والدمار، الذي حدث لهم جراء الاعتداءات الصهيونية المتكررة على القطاع والضفة الغربية، بل وحتى الدعم المفترض أن تقدمه الدول الخليجية لإعادة إعمار قطاع غزة لم يتم الوفاء به، بالرغم من أن الأموال التي خرجت لإفشال ثورات الربيع العربي كانت كفيلة بإعادة إعمار قطاع غزة، وتقديم كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي لأهالي القطاع.
ومازال الشعب الفلسطيني المحاصر يعاني وسط حالة من اللامبالاة من قبل الأنظمة الخليجية، التي دخلت دوامة الصراع الإقليمي والدولي، مع الحوثيين وإيران من ناحية، ومع الولايات المتحدة والغرب الساعي لتفتيت وتقسيم المنطقة والإضرار بالأمن والاستقرار فيها من جهة ثانية، دون أدني أمل في حدوث تحول في المواقف الخليجية ناحية دعم صمود الشعب الفلسطيني، والحفاظ على مقدساته العربية والإسلامية.
تطبيع العلاقات الخليجية مع إسرائيل
نجح الكيان الصهيوني في استغلال الأزمات التي مرت بها الأنظمة الخليجية، وفرض عليها التطبيع، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد أدى الاحتلال العراقي للكويت، لتهديد الأنظمة الخليجية التي فزعت لطلب العون الأمريكي، الذي استغل هذه الفرصة للضغط على دول الخليج لقبول الدعوات الأمريكية لحل الصراع العربي-الإسرائيلي.
إذ لم يجد الخليجيون في هذه الفترة سوى الإذعان لذلك بقبول السلام كخيار استراتيجي لتسوية الصراع، وبدء التفاوض مع إسرائيل، وإنهاء المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة معها، وبدء تطبيع العلاقات معها.
وقد كان من أهم تداعيات هذه الكارثة على المستوى الخليجي السعي لتجزئة الصراع إلى قسمين: أحدهما يخص الفلسطينيين والإسرائيليين وحدهم، والآخر يخص الخليجيين والإسرائيليين دون سواهم، وذلك بهدف عزل الخليجيين عن القضية الفلسطينية.
وبعد ذلك نجحت إسرائيل في توظيف أحداث سبتمبر ضد دول مجلس التعاون، بدفع الأمريكيين لممارسة ضغوطهم على الخليجيين لوقف مساندتهم ودعمهم للفلسطينيين، الذين تعتبر إسرائيل حربها ضدهم تندرج ضمن الحرب الأمريكية على الإرهاب. كما نجح اللوبي الصهيوني في قيادة حملة ضد دول المجلس وخاصة السعودية، وضد ثقافة الشعوب الخليجية ومناهج التعليم والتربية، بالحديث أن الخليج يصدّر النفط والإرهاب معًا، الأمر الذي فرض على دول المجلس التعاطي مع القضية الفلسطينية بمنظور مختلف ينفي ما تروجه وسائل الإعلام الصهيونية في الولايات المتحدة، وجاءت ضمن هذا السياق عدم استجابة دول مجلس التعاون لدعوات حظر النفط بعد اجتياح شارون لمناطق السلطة، وشنه حرباً مدمرة ضد الشعب الفلسطيني ومؤسسات سلطته الوطنية، ليس هذا فحسب، بل وطرح مبادرة سلام عربية لحل الصراع أيدتها دول مجلس التعاون.
وقد لوحظ مع كل كارثة تحل بالمنطقة تكون الفرصة مواتية ليمارس الأمريكيون ضغوطهم، الناجمة عن الانكشاف الاستراتيجي الذي يعاني منه الخليج، لحمل الخليجيين على التطبيع تلبية لطلب الإسرائيليين، حيث إن اختراق إسرائيل لجدار التطبيع ينتعش ويحرز تقدماً ملموساً مع الأزمات الدولية والإقليمية.
وبوجه عام أخذ التطبيع الخليجي - الإسرائيلي على المستويين الرسمي وغير الرسمي مظاهر عديدة منذ بداية التسعينيات، بذريعة القيام بدور مساوم لتحقيق بعض المكاسب، وتبلورت هذه المظاهر في صورة أنشطة شملت لقاءات ثنائية على هامش اجتماعات دولية، وتوجيه دعوات إلى مسؤولين إسرائيليين لحضور فعاليات دولية في إحدى دول الخليج، توجيه مسؤولين خليجيين دعوات إلى إسرائيل من على منبر سياسي أمريكي، إعادة فتح المكاتب التمثيلية التي أغلقت، المشاركة الإسرائيلية في معارض دولية تنظمها دولة خليجية، تنامي العلاقات التجارية بين الطرفين، تخفيف إجراءات الحظر الاقتصادي، إنهاء المقاطعة غير المباشرة، إلغاء المقاطعة الاقتصادية، الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية بالتعامل مع جميع أعضائها ومنهم إسرائيل.
السير في الفلك الأمريكي
رغم اهتمام دول المجلس بعملية السلام في الشرق الأوسط ، ودعمها الكامل للتفاوض السياسي كسبيل أساسي لنيل حقوق الشعب الفلسطيني، خصوصًا منذ توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993، إلا أن الفترة التي تلت اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية كانت فترة حاسمة ومهمة في تطوير مواقفها وبلورة توجهاتها إزاء التسوية السياسية، والتي شهدت إضافة إلى التشجيع والدعم لعملية السلام، التدخل بتقديم مبادرات مباشرة فيما عرف بالمبادرة العربية التي طرحتها السعودية في القمة العربية في بيروت عام 2002، والتي قضت بالموافقة المبدئية على التطبيع الشامل مع إسرائيل إذا انسحبت من الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط يونيو 1967.
فقد جاءت تلك المواقف استجابة للضغوط الأمريكية التي فرضت على دول الخليج التعامل مع الكيان الصهيوني، ووقف الدعم المقدم للشعب الفلسطيني وحصره في النطاق الأدنى، استجابة للرؤى الصهيونية الساعية لحصار الشعب الفلسطيني وإرغامه على القبول برؤاها لحل القضية.
وفي هذا الصدد يشير الخبراء إلى أن الموقف الخليجي لدول المجلس من التسوية يكاد يرتبط بالموقف الأمريكي، ويؤكد حرص المجلس على الإشادة الدائمة بالجهود الأمريكية، بالرغم من الإجماع في العالم العربي على إنحيازها إلى إسرائيل في التسوية وعملية السلام، إلا أن التداخل في العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية بين دول المجلس والولايات المتحدة لا يسمج لها بهامش مناورة كافٍ في هذا الميدان، حسب تقدير دول المجلس ذاتها على ما يبدو.
وفي الواقع أن التحول في الموقف السياسي لدول المجلس إزاء دعم القضية الفلسطينية، ترافق مع متغيرات إقليمية خليجية وعربية، ومتغيرات دولية تتعلق بالحرب على الإرهاب وزيادة الوفاق ما بين الولايات المتحدة وإيران، وتصاعد نجم إيران وحلفائها في الدول العربية، وسيطرتهم على مقدرات الأمور في بعضها، وتهديد مصير العديد من الأنظمة الخليجية، ناهيك عن تطورات الوضع الأمني في الخليج العربي، خصوصًا في ظل تنامي القوة الإيرانية النووية، الأمر الذي أدى لتراجع الدعم السابق للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، واقتصاره حسب بعض المحللين على تخفيف المعاناة والحاجات الإنسانية للشعب الفلسطيني، ودعم نتائج عملية السلام والتوجهات الدولية إزاءها.
ولذلك لا يتوقع أن يحدث تحول في المواقف الخليجية إزاء دعم القضية الفلسطينية ووقف الانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى المبارك، في ظل حالة الخنوع والموالاة المفروضة على الأنظمة الخليجية من قبل القطب الأمريكي، الذي بات يهدد أمن واستقرار المنطقة ويسعى لتفتيتها وتقسيمها، وفقًا لمصالحه ومصالح حليفه الاستراتيجي الكيان الصهيوني، وذلك على حساب مصالح الشعوب والأنظمة والدول العربية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني والدول الخليجية.