علي سعد الموسى- الوطن-
على كل الوجوه والاحتمالات قرأت بالأمس البيان الموقع من نيف وخمسين داعية سعوديا حول التدخل الروسي في سورية. ويؤسفني جداً أن أقول إن دعاتنا وطلبة العلم لدينا مازالوا أسرى لقاموس لغوي محنط، وأنهم ضحية ثلاث أصابع تمسك بقلم لكتابة البيان، وعلى البقية التوقيع بالفزعة. بيان المشايخ بالأمس لا يختلف في فقرة أو جملة عن بيان سابق كتب قبل أربعين سنة، ولم يختلف عن بيان لاحق سيكتب بعد عشرين سنة من اليوم. يؤسفني جداً أن أقول إن الخطاب الدعوي الذي جسده هذا البيان لم يقرأ أبداً حجم المتغيرات والعوامل الهائلة التي استجدت في خارطتنا خلال ما يقرب من أربعين سنة. لم يستوعب سدنة هذا البيان أن مخاض ما كان مزعوما بالجهاد الأفغاني قد أخرج للخارطة الإسلامية 17 فصيلاً من ذات ما يسمى "بالجهاد"، وكل فصيل يحارب الفصيل المجاور. لم يستوعب سدنة بيان الأمس أن المجتمع الإسلامي برمته لم يخرج بشيء من خراج الجهاد الأفغاني سوى بالإرهاب الطاغي لفكرة "القاعدة" التي فجرت في خارطتنا الإسلامية عشرات المساجد، وقتلت في شوارعنا آلاف الأبرياء. ولهؤلاء الدعاة الأفاضل سنقول اليوم: نحن مررنا مع عقود الزمن بمرحلة وعي لا يمكن ردمها ببيان من قاموس محنط، يعيد إلينا قسوة ومرارة التجربة الأفغانية. نحن نريد من البيان الأخير أن يشرح لنا مقاصده وأهدافه وهو يكرر مفردة "المجاهدين" لثلاث عشرة مرة: هل يقصد سدنة هذا البيان المحنط العائد إلى قاموس لغوي منقرض أن نعمم كلمة "المجاهدين" على داعش والنصرة وألوية الشام والتوحيد وكل بقية المسميات التي أسهمت في إنقاذ رأس النظام الدكتاتوري البعثي؟ فلا نعرف سوى أنها مجرد دمى لصنائع استخباراتية باسم فضيلة الجهاد في سورية. هل يريد هذا البيان القادم من قاموس منقرض محنط من المجتمع الإسلامي أن ينسى أن جبهة النصرة هي الذراع المحدث لما كان سابقاً يسمى بالقاعدة، وهل يريد من ذات المجتمع، وباسم الجهاد، أن ينسى جرائم تنظيم داعش من سواحل ليبيا إلى بلاد الشام وما بين النهرين؟ أخيراً ومن أغرب ما قرأت في تحليل هذا البيان: أصغر طالب علم وقع على هذا البيان المحنط يبلغ اليوم من العمر 41 عاما، ثم يكتبون بيانهم الشهير إلى أجيال ولدت وكبرت بعد 30 سنة من بيانهم القديم.
والخلاصة أن هؤلاء الدعاة يعيشون في جلباب سياف ورباني وأحمد شاه مسعود مع أجيال جديدة اكتوت بقنابل وإرهاب الزرقاوي والبغدادي والظواهري. تغير الزمن ودخلت أجيال إلى مرحلة الوعي، ومازال البيان يعيش قاموسه المحنط.