مجاهد عبدالمتعالي-
كيف نستنكر على دولة - مثل إيران - بحثها عن النفوذ الإقليمي العادي، ما لم نستنكره على تنظيم أيديولوجي - مثل الإخوان المسلمين - بطموحات أممية تتجاوز حدود الدول والأقاليم؟!
"أوسعناهم شتما وراحوا بالإبل"، في ظل هذا المثل يحكي كثير من الكتاب رؤيتهم عن إيران، فإيران هي الشر، وإيران هي الطائفية، وإيران كيت وكيت، في حلقة لا منتهية من التواءات الكلام الذي يدعو إلى كراهية إيران والحقد عليها بطرق إنشائية تكاد تتفوق على السرديات التعبوية التي لها مبرراتها التاريخية الحقيقية عن نشوء الفكرة الصهيونية وتحولها إلى دولة إسرائيل على تراب فلسطين، وما زال المثل ينطق عن حال العرب مع إيران وغيرها مع تحريف يتناسب والواقع فيقول: "أوسعناهم شتما والإبل تنزف"، فالخريطة السياسية ما زالت عربية من المحيط إلى الخليج "باستثناء تل أبيب"، ولكن النزف والدمار على هذه الأرض وفي رجالها على اختلاف مللهم ونحلهم.
حسين بن علي الهاشمي في الثورة العربية تجاوز حماسه لتحقيق مجده الخاص إمكانات واقعه السياسي، فاضطرت بريطانيا إلى تذكير أبنائه بضرورة بقائه منفيا في قبرص لعله يعيد قراءة واقع الخريطة الجديدة في المشرق العربي، ويتخلى عن حلم لا يؤيده الواقع، ولا ترغبه القوى العظمى آنذاك، فهل القوى العظمى حاليا عندها نفس الرغبة لتذكير إيران بواقع الخريطة العربية الجديدة بعد سقوط الأيديولوجيات الشمولية، أم أن رغبتها في إعطاء الدروس والمواعظ السياسية هي لبلدان أخرى غير إيران؟!
بالإمكان تحويل المقال إلى مقال آخر يصف في طابور طويل وحلقات أطول لمقالات مكررة خلاصتها "أوسعناهم شتما وراحوا بالإبل"، لكن هل ما يخدم الوعي السياسي هو توضيح الواضحات، من أن إيران لها أطماع مؤكدة وطبيعية كأي بلد آخر، مثلها مثل طموحات تركيا كدولة، فكيف إذا عرفنا أن مجرد حركة أيديولوجية سياسية كحركة الإخوان المسلمين ترتب نفسها لصناعة نفوذها الخاص على ظهور بعض الدول، وتحاول لي الذراع لدول أخرى، بل وتستعد لاقتسام الجسد الهش للكيان العربي الحالي؟ أليست تضع كوادرها المقاتلة ضمن جبهات القتال في كل مكان تحت مسميات محايدة لتضع استحقاقها القادم ضمن شروط الواقع الذي ترجوه لنفسها؟ نقول هذا وهي مجرد تنظيم سياسي أيديولوجي له أطماعه الخاصة في كل شبر مريض يراه على خريطة العالم الإسلامي من إندونيسيا حتى موريتانيا، عبر كوادرهم الذين يحملون في أعناقهم مفهوم "البيعة الشرعية" لقادتهم، فكيف نستنكر على دولة بحثها عن النفوذ الإقليمي العادي، ما لم نستنكره على تنظيم أيديولوجي بطموحات أممية تتجاوز حدود الدول والأقاليم؟!
إذاً فأطماع إيران طبيعية جدا إذا اكتشفنا هشاشة الواقع العربي لدرجة أنه حتى "الإخوان المسلمون" يبحثون عن نفوذ ومكاسب على ظهور الدول عبر تناقضاتها ونزاعاتها البينية، علما بأن تاريخ الإخوان المسلمين يثبت قدرة على التكيف والمراوغة تصل إلى تمرير التهديد بإمكان وضع إمكاناتها تحت خدمة تركيا، أو حتى إيران إن لزم الأمر، أو حتى أميركا، ما دامت تجد لها متنفسا يتناسب وحجمها الممتد في مكاتب الحركة عبر دول العالم، وتضخيم إيران وخطر إيران أكثر من الواقع المتواضع والحجم الطبيعي لدولة من العالم الثالث، يشبه حكايا السعلاة في أساطير الأولين ولن يغير من الوعي السياسي شيئا ما دامت المنطلقات لا تريد أن ترى أبعد من "أوسعناهم شتما وراحوا بالإبل".
إذاً فإيران ينطبق عليها قول الشاعر: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بدُّ، فها هي إسرائيل التي لا تتقاطع معنا في حج ولا عمرة ولا اتجاه قبلة، استطعنا بعقول الواعين بالمتغيرات السياسية العالمية وضع خريطة تعايش تحرج إسرائيل إن رفضتها، وتعطينا مدى في المناورة السياسية مع الدول العظمى يتجاوز ما لا يستطيعه الواقع وإن رغبته النفوس العالية في محاربة الصهيونية.
نستطيع بعقول الواعين بالمتغيرات السياسية العالمية من أبنائنا أن نصنع مع إيران خارطة تعايش تحرجها دوليا إن رفضتها، كمبادرة حسن نية، تقلب الطاولة بعيدا عن نزق المواقف، وسياسة عض الأصابع ما بين عرب مع إيران وعرب ضدها، لنكتشف أن كل الأصابع عربية، وننتظر من فارس أن تصرخ؟! فهل هناك زوايا أخرى للنظر غير التعبئة الداخلية ضد إيران، ما يقلص مستوى المناورة عندنا في السياسة الخارجية التي يجب أن تكون براجماتية لتفرق بين ما هو للاستهلاك المحلي وما هو للخارجي، فالشحن الداخلي المبالغ فيه أحيانا يخدم أجندة داعش، أكثر مما يخدم الأجندة الوطنية.