مصطفى شحاتة- صحيفة الاخبار
لعل موقف الرياض من «30 يونيو» هو ما يلخص أساس العلاقات المصرية ــ السعودية، التي لا يمكن وصفها، رغم بعض الاختلافات، إلا بأنها قوية. ومن نافلة القول التذكير بالدعم المالي الذي يعدّ بالمليارات، أو ذكر عدد المرات التي تبادل فيها مسؤولو البلدين الزيارات.
القاهرة | يمكن من خلال رصد الزيارات المصرية ــ السعودية المتبادلة على مستوى القمة أو الوزراء، في مدة قصيرة، تقدير عمق العلاقة بين البلدين، ولكن الزيارات ليست كل شيء في العلاقات، بل إنها في بعض الأحيان أثارت غضب المصريين، خاصة حينما صعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى طائرة الملك الراحل عبدالله، في القاهرة. في المقابل، كانت الزيارات السعودية إما مباشرة وحصرية، وإما مرتبطة بمناسبات مصرية عامة أو بالجامعة العربية.
ويدور الحديث، الآن، عن تنسيق زيارة ثانية للملك سلمان إلى القاهرة، في ظل استمرار الحرب على اليمن للشهر السابع على التوالي وغياب أي مشاركة مصرية برية فيها، ومواصلة الاختلاف في سبل حل الأزمة السورية.
في الشأن اليمني، حاولت جهات إعلامية عديدة سحب أقدام المصريين بنشر أخبار عن بدء مشاركتهم البرية هناك، وهو ما تبين أنه غير صحيح، ومنذ ذلك الوقت ــ أو قبله ــ لم ترد إلى الخزائن المصرية أموال سعودية. أما في سوريا، فبينما ترى القاهرة أن الرئيس بشار الأسد طرف أساسي في أي حل للأزمة وطبقاً لما يختاره شعبه، تصرّ الرياض على أن على الأسد الرحيل أولاً لوضع أي حل. وفي أحد المؤتمرات التي جمعت وزيري الخارجية عادل الجبير (زار القاهرة مرتين) وسامح شكري، وقف الاثنان ليقول كلّ منهما رأيا مخالفاً للآخر حول الحل في سوريا، كما لو أنهما غير متفقين، أو يحاول أحد «تلبيس» الآخر موقفه.
على صعيد مواز، ورغم توحد الخطاب الإعلامي المصري ضد «جماعة الإخوان المسلمين»، فإن الدولة المركزية لم تستطع التحكم في الإعلام كلياً. وبعيداً عن مصر الرسمية، يحدث كثيراً أن تتناوش المنصات الإعلامية في البلدين؛ فقد هاجمت وسائل إعلام وإعلاميون المملكة أكثر من مرة، وردّ في إحدى المرات كاتب سعودي. ولاحقاً كشفت وثائق «ويكيليكس» المسربة أن السعودية تتابع جيداً الإعلاميين المصريين، كذلك فإن لها علاقات واسعة بعدد منهم.
هذا على جانب الاختلاف الذي يظهر في ملفي الخارجية والإعلام بوضوح، وإن كان الطرفان لا يرغبان في إبرازه. وفيما يظهر قادة الدولتين أعلى درجات التفاهم ــ رغم أزمة تسريبات مكتب السيسي وتعرقل المصالحة مع قطر ــ فإنه يضاف إلى مظاهر الاتفاق موقف الجامع الأزهر من السعودية، الذي نقلت وثائق أخرى من «ويكيليكس» أنه كان يأخذ رأي المملكة «الوهابية» في أمور كثيرة، أهمها التعامل مع الجانب الشيعي في العالم المسلم، ولا سيما في إيران. ذات مرة طلب شيخ الأزهر، أحمد الطيب، رأي الرياض في مسألة عقده مؤتمراً للتقريب بين المذاهب، أو كما جاء تحديداً في الوثيقة: «الإيرانيون يضغطون للموافقة على عقد اجتماع للتقارب بين المذاهب، لكنه لا يرغب في الانفراد باتخاذ قرار بهذا الشأن قبل التنسيق مع المملكة حياله». وقبل أيام قليلة، ورغم الغضب الشعبي من التعامل الحكومي مع وفيات الحجاج المصريين في تدافع منى، اتصل الطيب بالملك سلمان معبّراً له عن «الدعم الكامل للجهود المخلصة التي تبذلها المملكة العربية السعودية الشقيقة في خدمة حجاج بيت الله الحرام»، وفق بيان المشيخة. ولم يفت الطيب أن يقول رأيه في موقف إيران من السعودية بشأن هذه الأزمة، فقد «أدان فضيلته خلال الاتصال كافة المزايدات الدنيئة ومحاولات تشويه تاريخ المملكة في خدمة الحجيج، الذي لا ينكره سوى جاحد أو مغرض يحاول تحميل السلطات السعودية مسؤولية حادث التدافع».
يقول وكيل الأزهر، عباس شومان، لـ«الأخبار»، إنهم يرفضون «كلام المشككين في استقلالية قرار الأزهر عن أي دولة أو جهة، وهو أقل من أن يردّ عليه الأزهر بكلمة واحدة»، مضيفاً: «علاقة الأزهر بالشقيقة السعودية علاقة طيبة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون في ما يتعلق بخدمة قضايا المسلمين، وللمملكة إسهامات مشكورة لخدمة أبناء المسلمين الذين يدرسون في الأزهر الشريف من الوافدين والمصريين على السواء، وتتنوع بين تشييد المباني السكنية والكليات، وتقوم على ترميم الجامع الأزهر والمشيخة القديمة وتشييد قناة الأزهر». ويرى شومان أن هذا التعاون «أمر طبيعي»، وبدأ على «نفقة الراحل الملك عبدالله».
يعقّب رئيس «وحدة دراسات الخليج» في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، معتز سلامة، على العلاقة الثنائية وما يشاع عن وجود توتر، بأنه يراها «في أفضل حالاتها حالياً، وإن لم يكن هناك تطابق تام في موقف البلدين تجاه كل القضايا، لكن الاتفاق بينهما يمكن تقديره بنسبة 80 في المئة، خصوصاً في القضايا الاستراتيجية والكبيرة».
ومع أن القاهرة تأخرت في المشاركة في الحرب على اليمن، وقيل إن الرياض لم تستشرها في الأمر بدءاً، فإن القيادة المصرية سعت إلى احتواء الأمر بخطوات، منها زيارة وزير الدفاع الفريق صدقي صبحي للرياض، مقابل زيارات أخرى لنظيره السعودي محمد بن سلمان للقاهرة، إضافة إلى عقد مناورات عسكرية مشتركة. يواصل سلامة: «البلدان يردان دائماً على توتر العلاقات بالأفعال لا الأقوال، وهذا يعكس طبيعة المرحلة التي لن تجعل أياً منهما يستغني عن الآخر». وبشأن الخلاف على الحل في سوريا، يضيف: «مصر لن تقدم على خطوة أساسية في هذا الشأن، أو أي قضايا كبيرة، من دون التشاور مع السعودية، والأمر نفسه بالنسبة إلى المملكة»