الرياض-
تواجه المرأة العاملة كثيراً من الإشكالات والمعوقات التي يجهلها كثيرون، فإضافة الى كونها عاملة في اي قطاع فهي مربية في منزلها تقوم على تنشئة أجيال المستقبل ما قد يؤثر سلبا في إنشاء أسرتها وقدرتها على التربية.
ومع بداية كل عام دراسي تخالج المعلمات رغبة بالتقاعد والتفرغ لحياتهن الخاصة، لكن الراتب التقاعدي ما زال غير كاف، فبعد مرور 20 عاما من العطاء والتميز ينتاب كثير من المعلمات التعب والإرهاق الجسدي والذهني والصعوبة في الاداء إلا أن نظام التقاعد لا يستثني أحدا.
استنزاف الجهد
في البداية قالت فاطمة الجميل - معلمة ابتدائي: المعلمة بين سندان آلام سنوات الخدمة ومطرقة التقاعد المبكر، وبرغم شرف مهنة التعليم وممارستها لكنها بكل المقاييس تعد مهنة مرهقة جداً، فالعطاء المهني له عمر افتراضي محدد، وما يأتي بعده هو مضاعفة استنزاف الجهد والوقت والصحة، ولاسيما لحملة مشاعل النور في سلك التعليم وأولهم المعلمة، فنظرة بسيطة تحمل بعض المنطقية لواقع المرأة المعلمة قد تنصفها، فهي ذات العطاء والجهد المضني المزدوج ما بين مهنتها وأسرتها وما بين ما تمر به من مراحل الحمل والولادة والتربية وبعض المحطات الصعبة في حياتها.
وتضيف: الواقع ان النظام التقاعدي المعمول به لدينا هو نظام شامل لم يخضع لدراسة موضوعية تنصف تلك الأم المعلمة في سنوات خدمتها، بل على العكس تماما يحملها ما لا تطيقه، والحلول الجذرية هي بتقليص سنوات الخدمة اسوة ببعض دول الخليج، تقديراً للمعلمة التي من حقها ان ترتاح بعد سنوات من العطاء، اضافةً الى توفير وظائف جديدة، وكحل آخر لمشكلة بطالة الخريجات المتزايدة.
هموم الميدان
وتتحدث الجميل عن العمر الحالي للتقاعد متسائلة، ماذا بقي للمعلمة من صحة ومن طاقة لها ولأسرتها؟ وتضيف ان لكل عطاء مرحلة وكثير من المعلمين والمعلمات وهم من يعايشون هموم الميدان لحظة بلحظة يرون ان العطاء في مهنة التعليم لا يتجاوز ال 20 عاما إلا في حالات لا تعد قاعدة للقياس.
وتأمل ان يكون هناك نظرة متوازنة لهذه المعاناة، فالحلول جداً ممكنة طالما انها تخدم الصالح العام للتعليم، مؤكدة إن توقف العطاء هو من سنن الحياة وضخ الدماء الجديدة في اوج العطاء افضل من ضخها بعد توقف العطاء، فقط تحتاج نظرة موضوعية ومنصفة من المسؤول.
مطلب ملح
وتتفق معها الهنوف العمرو مشيرة الى ان التقاعد المبكر مطلب ملح لعدة أسباب من وجهة نظري، فمنها تخفيف لنسب البطالة بين الشباب الذي نتج عنه اعداد هائلة من المعلمين والمعلمات بلا وظائف، ومن جهة تربوية وجود معلمين شباب هو أقرب للجيل الجديد فكريا ونفسيا وحتى طرائق التعليم تغيرت لتتحول إلى إلكترونية مواكبة للتقنية.
واوضحت ان المشكلة تكمن في عدم القدرة على اجبار المعلم على التقاعد المبكر في ظل غياب الحوافز المادية، فكثيرون التزموا القروض لامتلاك منزل أو للزواج أو غيرها من أنواع القروض ويحتاج لوقت طويل لسدادها، كما أن الخريجات الحديثات وخصوصا المعلمات أصبحن طاقات مهدرة، فبعد أربع سنوات من دراسة التخصص يفاجأن بالواقع المرير وهو تعليق الشهادة الجامعية والبحث عن وظائف قد لا تناسب تخصصها وطموحها خوفا من شبح البطالة، وظنا منها أنها بوابة إلى الخبرة التي قد تقودها إلى عمل حكومي أو أهلي مناسب، فبرنامج جدارة مازال يعاني حيث ما زلت أقدم أوراقي في كل فترة رغبة بوظيفة معلمة على مدى أربع سنوات حتى الآن لم يأت توظيفي.
سنوات العمر
وتوضح أم عبدالله - معلمة - معاناتها قائلة: إن كثيرا من الخريجات تم توظيفهن على البند 105، والحق إنه فخ وقعن فيه جميعاً وحينها كان عمري 24 عاماً أنهيت دراستي الجامعية بمعاناة شديدة، فقد كنت وقتها زوجة وأما لطفلين وأحمل الثالث بين أحشائي، أنهيت دراستي كما أسلفت بمعاناة كبيرة ولكن ربي أكرمني على قدر تعبي بحصولي على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف، كنت وقتها طموحة جداً وأود أن أتوج تفوقي هذا بالحصول على وظيفة أستفيد بها وأفيد مجتمعي، وهل أعظم من التعليم مهنة، وقتها ذهبنا بملفاتنا لديوان الخدمة المدنية آنذاك وقيل لنا أنه لا توجد وظائف في ذلك الوقت إلا على بند 105، وهذا البند له شروط وضوابط، ولا أخفيكم أنني اجهل هذه البنود والشروط والضوابط ولم أكن أعرف في حينها ما لي وما علي، كل ما فهمته وقتها أن الراتب سيكون اربعة آلاف ريال ومن دون علاوات سنوية ولفترة غير محدودة، وتضيف بالنسبة إلي كل ما يهمني الوظيفة وغيري محتاج لأقل راتب ومن دون تردد وافقنا على كل شيء ووقعنا على كل شيء وكنت أحسب حينها أنني فزت بهذه الصفقة، ولم أكن أعلم أنني وافقت على سرقة عمري مني وأنني حررت ورقة بذلك ختمت بتوقيعي.
وتؤكد: نعم سرقة عمري حين أعمل بكل تفان وإخلاص وأبذل كل ما في وسعي وأعطي من صحتي وعافيتي حتى وصلت خدمتي ل 20 عاماً ثم لا يُحسب منها سوى 13 عاماً، والسبع الباقيات أين ذهبت هي سنوات من عمري أمضيتها في التعليم ولم أجدها يوم الحصاد من أخذها؟ وأين ذهب بها؟ مطالبة باعادة سنوات خدمتها ومستحقاتها حتى تتمكن من التقاعد.
متطلبات مرهقة
وتضيف أم ليان - معلمة ابتدائي - ان من أسباب إلحاح المعلمات على التقاعد المبكر، عدم توافر العمالة المنزلية الآمنة التي أضعها في بيتي وبين أولادي وأنا مطمئنة، وكثرة الطلبات التي انهكت عاتق المعلمة من أدوات مدرسية، إضافة الى متاعبها المنزلية وكثرة مسؤولياتها في المنزل وفي المدرسة، فهي مسؤولة عن بيت كامل بما يحويه من كبار سن ومرضى وأطفال وزوج وضيوف وتنظيف وغسيل وطبخ، مبينة انا مسؤولة في بيتي عن ثلاثة اطفال وعجوز ومقعدة وزوج وبيت، أضف الى ذلك المدرسة، ولم اتوفق مع عاملة منزلية تساعدني، اذا الحل جعل ٢٠ عاما تقاعدا بكامل الراتب لأن المرأة قدرة تحملها اقل من الرجل وحين تدخل سن الاربعين تعاني وتنظم الام حياتها من جديد لحاجة الابناء لها في هذا العمر، وممكن أن تبدأ بمشاريع ناجحة بعد الخبرة التي اخذتها في التعليم كما هو معروف إنه بعد ٢٠عاما تبدأ طاقة المعلم الجسمية والذهنية بالتناقص، فلا قدرة كافية تجعله يقوم بمهنة التعليم على أكمل وجه.
رأي مخالف
وتختلف زهرة العمري - معلمة ثانوي - مع تلك الآراء وتقول: كثيرون ينادون بالتقاعد المبكر براتب كامل وغيره من الامتيازات، الأمر الذي لم أستطع استيعابه، فالإنسان في الأربعين من العمر مازال قادرا على العطاء، كذلك الأمر يعد ظلما لمن بقوا سنوات طويلة في الخدمة من أجل زيادة راتب التقاعد مقارنة بمن أمضى 20 عاما من الخدمة فقط فإما أن يكون هنالك مكافأة خاصة لأولئك الذين أمضوا أكثر من 30 سنة أو لا يتم البت في هذا الموضوع من أساسه.
وتشير الى ان دفع راتب كامل وتقاعد مبكر سيكون حملا ثقيلا على ميزانية الدولة، فالمعلمون خصوصا من أكثر الفئات العاملة الذين يتلقون إجازات كثيرة خلال العام الدراسي، إضافة إلى قلة الأعباء مقارنة بمعلمي القطاع الخاص أو العاملين بأي مجال آخر، لكننا تعودنا الشكوى من المعلمين والمعلمات في كل بداية عام.
وتتفق معها نورة الدواود - معلمة ثانوي - مؤكدة ان كثيرا من المعلمات بدأن بالتغير فكريا فبدلا من أن تمضي عدة سنوات في الخدمة تتقاعد مبكرا وتلتفت لحياتها الاسرية والاجتماعية، فموضة التقاعد المبكر باتت منتشرة بين المعلمات في السنوات الأخيرة، فكثيرات منهن بدأن بالتوجه إلى عالم الأعمال والتجارة وابتعدن عن السلك التعليمي لإفساح المجال للمعلمات الجدد والاستمتاع بالحياة التقاعدية في سن صغيرة، فالتفرغ للحياة الأسرية والاجتماعية مطلب ملح في ظل وجود عائد تقاعدي ممتاز، إلا ان ذلك كله غير عادل لمن أفنى عمره في التدريس مقابل من امضى 20 عاما، وترى ان الحلول كثيرة لكن لا بد من مراعاة جميع الأطراف حتى لا يُظلم احد.