عكاظ-
بعدما أعلنت هيئة كبار العلماء، الأسبوع الماضي، تدشينها الخطوات التنفيذية لاستراتيجية مواجهة الأفكار الإرهابية، وتفعيل دور علماء الهيئة النابع من قلق بالغ من خطر الفكر الداعشي. دعا مثقفون ومفكرون إلى مراجعة «فقه الجهاد»، إذ يرى البعض أنه لم يتعرض لأي مراجعة حقيقية.
إلى ذلك، أوضح المستشار في الديوان الملكي الدكتور عبدالله المطلق أن المفاهيم تتغير بسبب تعقيدات الحياة، وتشابكها بين الدول، والمجتمعات، ما يتطلب القدرة على الفرز، والمعرفة عبر المعلومات والخبراء ولجان التقييم، وعبر مختلف المؤسسات، كي يتخذ ولي الأمر القرار، مؤكدا أن من يتصرفون بوحي فردي، يدفعون دولهم، ومجتمعاتهم نحو الصدام، وأحيانا الفشل. فيما يذهب الباحث في السياسة الشرعية الدكتور سعد عبدالله القويعي، إلى أنه من إعادة تعريف مفهوم الجهاد بمصطلحه الأوسع، وضبطه بالأدلة الشرعية، كما تحدث عنه القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وكما فهمه السلف الصالح، مع ضرورة التعقل في هكذا قضايا كبرى تهم الأمة.
أما مدير مركز المسبار للدراسات والبحوث منصور النقيدان، فأوضح أنه من المهم أن نعرف أن فقه الجهاد عند المسلمين لم يتعرض لأي مراجعة حقيقية، وكثير من المؤلفات التي يمكننا أن نعثر عليها اليوم في الأسواق تتضمن أبوابا عن فقه الجهاد، إضافة إلى أن بعض الرسائل الجامعية والأبحاث التي تتناول هذا الباب في معالجة لا تخلو من خداع سمح بأن تشق هذه الدراسات طريقها إلى الإنترنت والأسواق، مشيرا إلى أن هذا النوع من الطرح في أبواب ونوازل مشابهة يضخ في الرسائل الجامعية كلها لا تقول لك صراحة اجعل من هذه الرسالة مستندا لك تستثمر ما جاء فيها مبررا للقيام بعمل إرهابي إلا أن غالبية ما تذكره هذه الأبحاث مستند إلى كتب فقهية من المذاهب الأربعة ومن فتاوى علماء معاصرين، سواء كانوا علماء معروفين بتمثيلهم لمؤسسات فتوى رسمية ذات توجه تقليدي، أو لفقهاء ذوي ميول حركية لهم ارتباط وثيق بأجندات التنظيمات والجماعات ولهم تأثير واسع وعميق في منظمات إسلامية تحظى بالقبول وتمثل مظلة لخمس وخمسين دولة.
ويرى النقيدان أن ثقافة الجهاد واسعة ولها روافدها، اختلط فيها الإرث بالتاريخ والتقاليد، وبالمصالح والعوامل الأجنبية الطارئة التي حولت التدين البسيط إلى حركية مشوهة، ويؤكد أن أحد وجوه فهم الأزمة الحالية يتمثل في الفصل بين فقهين، الأول هو فقه تقليدي متوارث تتقاسمه المذاهب الإسلامية وبين فقه هو استثمار للأول في تأسيس فكر جهادي تتمثل تفاصيله القاعدة وداعش ويذهب إلى أنه لا يمكننا أن نتصدى لهذا الفكر ما دام الوعي بخطورته ليس محل اتفاق بين أصحاب الشأن الذين قد ينصاعون لإصدار بيانات عائمة تدعم في الظاهر سياسة الدولة، وتدين الإرهاب وتؤكد إيمانها بدعم ما تتخذه الدولة لحماية الأمن الداخلي والاستقرار والسلم الاجتماعي، ولكنها لا تلامس جذور وأسس هذا الإرهاب.
ويؤكد الكاتب محمد علي المحمود أنه لا يجوز أن نبحث قضية الجهاد من فروعها فنرجع الحلول إلى مقولات للقدماء من هنا وهناك، بل لا بد من معالجتها من أصولها، مضيفا أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا بتجاوز الخطاب التقليدي لافتا إلى أن الذين يحاولون معالجة الظاهرة الإرهابية بالتعويل على تفعيل شروطها المراوغة يدعمون هذه الظاهرة من حيث يشعرون أو لا يشعرون، مشيرا إلى أن الجهاد الحقيقي عكس هذا الإرهاب الذي يعده البعض جهادا وهم يستثمرون مآسي المسلمين ومشاعر الناس تجاه هذه المآسي، لتحقيق مكاسب معنوية ومادية، لا يحلمون بمثلها خارج نطاق هذا الخداع النفاقي الذي يتوسل زورا وبهتانا مبادئ الدين الحنيف. من جهته، عد الباحث محمد محفوظ موضوع الجهاد في الإسلام، من الموضوعات الهامة والحيوية والتي تتطلب وضوحا وتجلية في ظل سعي بعض الأطراف والقوى والأقلام إلى تشويه هذا المبدأ المقدس، وجعله مسوغا للعنف والقتل وتشريع استخدام القوة العارية، ويرى أن من القضايا الأساسية، التي أسهمت في تشويه مفهوم الجهاد في المنظور الإسلامي، وتزايد الالتباسات المحيطة به تداعيات الواقع والتباساته التي انعكست على نظرتنا ومفهومنا للجهاد، مؤكدا أنه ليس كل عنف جهادا، وليس كل تشدد إسلاما حتى لو تجلبب بجلباب الإسلام.