خميس التوبي- الوطن العُمانية
ارتفاع صراخ معسكر التآمر والعدوان على سوريا على خلفية التدخل الروسي القانوني والشرعي والجدي لدعم هذه الدولة العربية المستهدفة تلبية لطلب حكومتها الشرعية المنتخبة، بقدر ما فضح الأسباب الداعية إلى ذلك، بقدر ما أكد شرعية التدخل العسكري الروسي وفعالية دور مبضعه في جسم الإرهاب، وإلحاق الألم بمنتجيه وداعميه ومموليه وبؤره وخلاياه السرطانية المتكومة على الجسد السوري والتي أخذ نشاطها يتوقف على وقع حركة المبضع الروسي وقطعه شرايينها.
وبقدر ما كان الأداء الجراحي الروسي المتقن يعطي مفاعيله في غرفة العمليات الميدانية، بقدر ما كانت ارتداداته واضحة خارجها في ارتفاع الصراخ من شدة الوجع، حيث بدأت الدول الداعمة للإرهاب المكونة لمعسكر التآمر والعدوان تخشى على مصير منتجاتها الإرهابية التي عبأتها في علب تسويقية على شكل “معارضة معتدلة” وميليشيات كـ”الجيش الحر والفتح والإسلام”، فأقامت الدنيا ولم تقعدها، أمام الإصرار الروسي على ضرورة مصارحة شعوب المنطقة خاصة، وشعوب العالم عامة، بأن هذه المعلبات ما هي سوى سموم وضعت عليها مواد حافظة مثل “الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة ومحاربة الفساد”، وعليها ملصقات تسويقية تحمل “شعارات ومسميات إسلامية”، وتقف وراءها الاستخبارات الصهيونية والأميركية والبريطانية والفرنسية على وجه التحديد، وتتكفل بعملية الدعم قوى رجعية ومستعربة، والهدف من كل ذلك هو تسميم الشعوب العربية والإسلامية وقتل مظاهر الحياة في المنطقة، وإرجاعها إلى القرون الوسطى، ليخلو الجو للصهيونية بالمنطقة تبيض وتَصْفُر فيها.
وأمام هذا الإصرار الروسي الحاسم والحازم، يسعى معشر المتآمرين إلى البحث عن علاجات تخفف أوجاعهم المتزايدة وصراخاتهم العالية، فلم يجدوا وسيلة إلى ذلك، سوى العودة إلى دفاتر دجلهم وكذبهم القديمة المهترئة والنبش فيها، ليقفوا عند فصل كيفية تكوين حملة هستيرية مسعورة للتقليل من الدور الروسي العملياتي وتشويهه، وتصويره أمام مدمني تلك السموم المعلبة وداعمي إنتاجها، بأن الضربات الروسية تستهدف علب السموم المسماة “المعارضة المعتدلة”، ولا تستهدف تنظيم “داعش” الإرهابي، ليأتيهم الرد الروسي صارمًا بأن ما يسمى “داعش والنصرة” ذراعَي تنظيم القاعدة الإرهابي هما تنظيمان إرهابيان يجب محاربتهما، ويحظر التعامل معهما بموجب القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2170، وأن من يحمل سلاحًا ضد الدولة السورية وفي وجه الحكومة السورية الشرعية المنتخبة هو إرهابي وليس معارضًا، كما لا يوجد في قواميس السياسة ولا اللغات ولا الأعراف ولا في القانون الدولي ولا في الشرائع السماوية إرهابي “معتدل” وآخر “متطرف”، فكلاهما حرفته القتل والتدمير ومُجَرَّم هو وفعله، لتبدأ رحلة المعاناة مع الوجع والصراخ مجددًا، وتبدأ معها رحلة البحث عن ما يخفف وطأتهما، لتحط رحالهم عند طائرة روسية قالوا إنها انتهكت المجال الجوي التركي، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها أمام الحادث الذي استدعى حلف شمال الأطلسي “الناتو” بجلال قدره أن يتدخل من منطلق أن أي اعتداء على أي عضو في الحلف هو اعتداء على الحلف كله، وهنا بيت القصيد.
وفي مقاييس ما يمكن أن يرقى إلى حالة اشتباك بين روسيا الاتحادية ومعسكر التآمر والعدوان، فإن هذه الحادثة ـ في تقديري ـ رغم عدم الجزم بالسبب العرضي أو السبب القصدي فيها، وقعت لتعطي طرفي الاشتباك معلومة، سواء في الاستفادة أو التوظيف، من حيث:
أولًا: في الجانب الروسي، كان اختراق المجال الجوي التركي بمثابة بالون اختبار لحكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، وقياس رد الفعل التركي ومن ورائه حلفاؤه في الناتو أو خارجه، لكي تبني موسكو على وقعه عملها في ملاحقة التنظيمات الإرهابية بما فيها ما يسمى “داعش وجيش الفتح” المدعومة من قبل حكومة العدالة والتنمية، حيث الأنباء تشير إلى خطط سورية ـ روسية مدعومة بالمقاومة اللبنانية لتطهير الشمال السوري.
ثانيًا: في جانب معسكر التآمر والعدوان، من اللافت التحرك العاجل في توظيف حادثة الاختراق للأجواء التركية في ممارسة ضغوط على روسيا لإضعاف عملياتها العسكرية، والحد من فعاليتها تجاه العصابات الإرهابية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يحاول معشر المتآمرين ـ من خلال التوظيف لهذه الحادثة مضيفًا إليها قضية اللاجئين ـ إفشال مخطط تطهير إدلب وجسر الشغور عبر عملية برية كبرى يعد لها الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني والمقاومة اللبنانية وبدعم من طيران سلاحي الجو الروسي والسوري، وهذا ما يفسر الهستيريا التركية بالتحرك إلى الاتحاد الأوروبي ولقاء المسؤولين في الاتحاد وفي حلف شمال الأطلسي بهدف إقامة ما يسمى منطقة عازلة في شمال سوريا، أي الهدف منها إفشال تطهير المحافظات السورية الشمالية من دنس إرهاب العصابات المدعومة من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية، وهو ما رفضته موسكو معلنة أنها تعارض أي مناطق عازلة في سوريا.
الغريب في الأمر، أن معسكر التآمر والعدوان انتهك السيادة السورية على مدى خمس سنوات ولا يزال مستمرًّا في ذلك، رافضًا الدعوات السورية والروسية لاحترام السيادة السورية والقانون الدولي، في حين يرعد ويزبد ويصعِّد من حادثة واحدة قد تكون غير مقصودة، صحيح (إن الذين استحوا ماتوا).
خلاصة القول، إن معسكر التآمر والعدوان على سوريا، يدرك تمامًا أن نجاح العمليات العسكرية الروسية في سوريا بتطهيرها من دنس الإرهاب الذي راهن عليه المتآمرون سيقضي على مشروعهم بتدمير الدولة السورية، وتقسيمها ليكون شمالها مستعمرًا بالكامل من قبل الدولة العثمانية المراد إحياؤها، وجنوبها مستعمرًا بأكمله من قبل كيان الاحتلال الصهيوني. وأن هذا النجاح الروسي في إسناد سوريا والحفاظ عليها سيقلب جميع المعادلات التي ابتناها معشر المتآمرين عليها، وسيضع الآلية المناسبة والأرضية الصالحة للحل السياسي الذي يريده الشعب السوري. كما أن مفاعيل هذا النجاح سيعيد الوعي لدى أولئك المغرر بهم، وسيمنع التهجير المقصود للشعب السوري لإفراغ سوريا من ثقلها السكاني؛ ولذلك كلما تقدم العمل الميداني عبر ذراعه الواثقة والموثوق فيها وهي الجيش العربي السوري وبدعم من سلاحي الجو الروسي والسوري، سيزداد وجع المتآمرين وسيرتفع صراخهم، ليشربوا المر من الكوب ذاته الذي أذاقوه الشعب السوري.