شؤون خليجية - سامية عبدالله
يواجه الاقتصاد السعودي أزمات اقتصادية هيكلية متصاعدة بعد أن أصبح بين شقي الرحى الممثلة في انخفاض أسعار النفط بتوقيت حرج تتزايد فيه نفقات الرياض لحماية أمنها القومي وميزانيتها التسليحية وحربها في اليمن ومحاربة الإرهاب في الداخل ومع التحالف الدولي، فما أهم هذه المشكلات وكيف تستطيع مواجهتها بحلول دائمة وليست وقتية وكيف تصمد أمام رياح عاصفة مستمرة.
خطوات لحل الأزمة
تداول نشطاء موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" برقية ملكية ممهورة بتوقيع الملك سلمان بن عبد العزيز تحمل عنوان "سرية للغاية وعاجلة" موجهة لوزير المالية السعودي تتضمن عدة إجراءات مقترحة لترشيد ورفع كفاءة الإنفاق خلال المدة المتبقية من السنة المالية الحالية 1436/1437هـ.
وتتضمن الإجراءات إيقاف اعتمادات بنود وبرامج ومشاريع ميزانية العام المالي الحالي، وإيقاف التعاقد على أي مشاريع جديدة، وإيقاف شراء السيارات والأثاث والتجهيزات لأي غرض من الأغراض، وإيقاف التعيين والترقيات على كافة السلالم الوظيفية والبنود، وإيقاف صرف تعويضات نزع الملكية، وفك الارتباط للعقارات التي لا يوجد ضرورة حتمية لنزع ملكيتها.
كما تشمل عدم إبرام أي عقود استئجار جديدة، وفك ارتباط استئجار المباني التي سبق الإعلان عنها، ولا يتجاوز الصرف من اعتمادات البنود والمشاريع خلال الربع الرابع "25%" من الاعتماد الأصلي المرصود في الميزانية.
وفيما يتعلق بنفقات "المكافآت والمصاريف السفرية والنقل الشخصي"، فأكدت الرسالة على ألا يزيد الصرف عن "10%" من الاعتماد الأصلي المرصود لها في الميزانية، وتسريع مدة إجراءات توريد الإيرادات المحصلة من الأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة إلى وزارة المالية.
الحلول المؤقتة أم الجذرية
المثير للقلق في هذه الوثيقة هو إيقاف اعتمادات بنود وبرامج ومشاريع ميزانية العام المالي الحالي، وإيقاف التعاقد على أي مشاريع جديدة لأنه قرار يشمل وقف للمشاريع الحالية والجديدة في آن واحد، بما يعني البدء بعملية تقييمية لمراجعة خطط التمويل والسيولة للاستمرار فيها، بدليل حزمة الإجراءات التقشفية التي تليها والتي شملت إيقاف التعيين.
وتعكس هذه الخطوات في جزء منها أزمة هيكلية ولكن بعضها إجراءات تكتيكية طارئة ولا تعكس تغيرا هيكليا أو جذريا في سياسة المملكة الاقتصادية أي أن بعضها حلول مؤقتة ومرنة قابلة للتغيير، ويمكن وصفها بإجراءات تقشفية جزئية لتخفيض النفقات غير ذات الأولوية خلال فترة زمنية محددة وليست مفتوحة.
ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات لا تعكس رؤية إصلاحية شاملة تستطيع حل أو مواجهة الأزمة الاقتصادية القائمة لعمقها وقابليتها للاستمرار بسبب توقعات انهيار أسعار النفط وتراجع الطلب عليه لدرجة انخفاض أسعاره لأقل من 40 دولارا و35 دولارا للبرميل، فيما تتزايد نفقات المملكة على قدراتها التسليحية وتأمين حدودها ومواجهة الإرهاب في الداخل وحربها في اليمن، ما يهدد الاحتياطيات السيادية وميزانية الدولة ومشاريعها الحيوية وملف الدعم والوقود. وقد يرجع عدم شموليتها لأنها جاءت ببرقية واحدة ولطبيعتها تكون موجزة فيما يستوجب تقييم رؤية المملكة الاطلاع على خطتها المالية للعام القادم وتحضيراتها للميزانية الجديدة.
ترشيد إنفاق إجباري
تحتاج السعودية لخطة شاملة لترشيد الإنفاق فقد توقع صندوق النقد الدولي في يوليو الماضي ارتفاع عجز ميزانية السعودية إلى 130 مليار دولار خلال 2015 مع تراجع أسعار النفط، وهو الأكبر في تاريخها بالرغم من توقعات المملكة أن يبلغ العجز خلال العام الحالي مستوى 39 مليار دولار، وأشار إلى إن المملكة صرفت بالفعل 52.3 مليار دولار من احتياطيها خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي لتمويل نفقاتها.
ويواجه الاقتصاد السعودي أزمة هيكلية كشفها تقرير أصدره صندوق النقد الدولي في 17 أغسطس الماضي يشير فيه إلى توقعات أداء الاقتصاد في المملكة العربية السعودية خلال العام الجاري وعام 2016 ملقيا الضوء على أن نمو الناتج المحلي الإجمالي GDP سيتراجع في العام الجاري بنسبة 2.8% وأن التوقعات تشير إلى تراجعه بنسبة 2.4% في العام 2016. ويحدث هبوط أسعار النفط انخفاضا كبيرا في إيرادات التصدير والمالية العامة.
انكماش اقتصادي ونقص السيولة
وعلق الاقتصادي السعودي «عبدالحميد العمري» على تقرير صندوق النقد الدولي في تغريدة له، قائلا: «إن السعودية تستقبل مرحلة اقتصادية مختلفة 100% عن العشر سنوات الماضية؛ سنواجه شح سيولة، ارتفاع الفائدة على الريال، ضعف النمو والتوظيف"
بدوره أشار المحلل الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي إلى أن الأوضاع الاقتصادية بالسعودية سوف تشهد حالة من الانكماش والتأثر السلبي على مختلف الأنشطة الاقتصادية، نظرًا للدور الذي يلعبه الإنفاق الحكومي في تنشيط الاقتصاد، واعتماد القطاع الخاص في غالبية أنشطته على هذا الإنفاق.
وأضاف :" يكفي أن صندوق النقد يتوقع أن يصل عجز الموازنة السعودية بعام 2015 إلى 19.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يظل العجز مرتفعاً على المدى المتوسط، نتيجة تراجع أسعار النفط، مما يُقلّص من الاحتياطيات الوقائية التى تكوّنت على مدار العقد الماضي".
ولفت إلى أنه في ضوء توقعات تقرير صندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد السعودي من السهولة أن نستنتج أن أزمة انهيار أسعار النفط سوف تستمر إلى نهاية العام 2016.
تراجع الصادرات وعجز الحساب الجاري
تراجع الصادرات أزمة هيكلية وبحسب "الصاوي" فإنه "في ظل اقتصاد يسيطر النفط على أكثر من 90% من صادراته، من الطبيعي أن يشهد تراجعا حادا في قيمة الصادرات مع أزمة انهيار أسعار النفط التي يشهدها العالم منذ منتصف العام الماضي.
ويتوقع تقرير صندوق النقد الدولي، أن تشهد الصادرات السعودية مزيدا من التراجع، لتصل إلى 236 مليار دولار بنهاية 2015، وبذلك تكون قيمة التراجع قد بلغت 107 مليارات دولار بين العامين 2014 و2015، وبنسبة تصل إلى 31%.
كما تسجل الإحصاءات الواردة في تقرير بعثة صندوق النقد الدولي والمأخوذة من مصادر سعودية رسمية، أن الحساب الجاري في نهاية العام 2014 سجل فائضا بلغ 81 مليار دولار، بتراجع يصل إلى 54 مليار دولار، مقارنة بفائض عام 2013 وصل إلى 135 مليار دولار، وهذا ملمح سلبي في أداء الحساب الجاري السعودي رغم تحقيقه فائضا بنهاية العام الماضي، وذلك بسبب أزمة انهيار أسعار النفط.
أما ما يلفت الانتباه فهو أن تقدير صندوق النقد توقع أن يتحول الفائض في الحساب الجاري السعودي في العام 2014 إلى عجز في العام 2015 يصل إلى (سالب 5.8 مليارات دولار).
احتياطيات النقد الأجنبي
وتولد أزمة انخفاض الصادرات وعجز الميزانية أزمة أشد فتوقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى إمكانية تراجع احتياطيات النقد الأجنبي السعودي بنهاية العام الحالي ليصل إلى 659 مليار دولار، وبذلك تكون قيمة التراجع في احتياطي النقد قد بلغت 65 مليار دولار بين العام 2014 و2015، وبنسبة قدرها نحو 9%.
كما تراجعت الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد العربي السعودي(البنك المركزي)، بنسبة 1% خلال شهر أغسطس الماضي إلى 2483.5 مليار ريال(662.3 مليار دولار)، مقارنة بـ 2507.9 مليار ريال خلال شهر يوليو من نفس العام، لتسجل سابع تراجع شهري على التوالي.
إصلاحات هيكلية
توقع المحلل الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، في إطار تحليله لبيانات تقرير صندوق النقد الدولي أن احتياطي النقد السعودي سوف يشهد المزيد من التراجع خلال المرحلة المقبلة وبمعدلات أكبر من توقعات الصندوق، وفي ظل إتباع الحكومة السعودية سياسة السحب من احتياطيات النقد الأجنبي لتغطية عجز الموازنة، بسبب تراجع الإيرادات العامة في ظل انهيار أسعار النفط.
وأشار إلى أن بعض رجال الأعمال وجهوا انتقادات لهذه السياسة، ووصفوها بالعاجزة تجاه التوظيف السليم لاحتياطيات النقد على مدار السنوات الماضية، في وقت كان ينتظر أن تسد عوائد استثمار هذه المبالغ عجز الموازنة في الظروف الحالية التي تمر بها المملكة.
ورغم إقرار التقرير، بقوة النظام المصرفي السعودي، بما يسمح له بتجاوز انخفاض أسعار النفط، فإنه سجل تباطؤاً فى حركة الودائع الداخلة إليه وانخفاض معدل الائتمان الخاص فى الشهور الأخيرة.
وبحسب صندوق النقد فإن انخفاض أسعار النفط، يضفى أهمية أكبر على الإصلاحات الهيكلية التى تحقق تحولاً فى تركيز النمو من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وتواصل الحكومة التركيز على الإصلاحات التى تستهدف زيادة توظيف المواطنين فى القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد بتقليل الاعتماد على النفط.
ودعا الصندوق، إلى سرعة إصلاح أسعار الطاقة بغرض زيادة الإيرادات، نظراً إلى أن أسعار البنزين في المملكة، هي الأقل فى دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما أن مزايا انخفاض أسعار البنزين تذهب إلى الأثرياء، مما يشجّعهم على فرط الاستهلاك، موصياً بضرورة زيادة أسعار الطاقة تدريجياً إلى متوسطها في دول مجلس التعاون الخليجي، بالتزامن مع اتخاذ تدابير لتعويض الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، ومساعدة الشركات كثيفة الاعتماد على الطاقة على التكيُّف، بما فيها شركات الكهرباء وتحلية المياه.
فهل تستطيع المملكة تطبيق هذه الإجراءات الهيكلية وتحمل كلفتها الاجتماعية في ظل بيئة إقليمية محتقنة قد تضطر الرياض للدخول في عدة جبهات حربية في آن واحد حماية لأمنها القومي بينما تخوض حرب نفطية ضد طهران بتخفيض أسعار النفط تكتوي بنارها بحسب مراقبين.