عبداللطيف الزبيدي- الخليج الاماراتية-
غالباً ما يُفهم من تحديث المناهج وتطويرها في التربية والتعليم، تغيير أساليب تدريسها فقط، لجعلها سائغة الاستيعاب. بعبارة أخرى، يترشّفها الطالب مستمتعاً، فلا تُصبّ في دماغه على طريقة ملء خزّان البنزين. والكارثة هي أن طريقة الامتحان التقليديّة القديمة تتمثل في أن على المسكين أن يصبّ على الورق كل ما في خزّان دماغه من تلك المادّة، من غير نقصان قطرة.
مسألة التقيّد بالمادّة ينطبق على الرياضيات والعلوم خاصة.أمّا مواد العلوم الإنسانية والاجتماعية، فالأمر مختلف، وهنا جوهر المبحث، فنحن في العالم العربيّ طريقنا سالك يؤدي حتماً إلى الأوضاع الراهنة، سواء أكانت البداية سعر البطاطا، أم توازن القوى العالميّة.
لكي نحصر المسألة، نقصُرها على المقرّر المدرسيّ في تدريس الأدب العربيّ. نلاحظ بغاية الأسف والأسى، أن نماذج عدّة من الأدب الجاهليّ تُدرّس في بداية الثانويّة وربما منذ الإعدادية. وهذه مسألة لا نحرم فيها واضعي المناهج حقهم في الثناء على افتخارهم بتراثهم وحبّهم له. لكن الشاعر أحرى بالتقدير لقوله: «ومن العلم ما قتل». المشكلة هي أننا عندما نتحدث عن الشعر الجاهليّ، فإن الموضوع مساحة زمنيّة تجاوزها الزمن من حيث طرائق التفكير والسلوك، بدليل أن الكثير منها تضارب مع المفاهيم الإسلامية وهي لصيقة به في الحقبة والعصر بصرف النظر عن أننا اليوم في ما هو أسوأ من الجاهلية الأولى. ولهذا نضع نقطة نظام في وجه مناهج التعليم، فتطويرها في نطاق الأدب الجاهليّ يعني أن يُقدّم في إطار نقديّ يوقظ حس النقد، ويكوّن العقل الناقد، ويفتح للأذهان المستقبليّة آفاق النزاهة والإنسانيّة، ويزرع قيم تآلف الثقافات وتوافق الحضارات، مع تأكيد الحق والعدل والكرامة. بديهة القارئ الكريم سريعة، لا شك في أنه أدرك المفارقة الساخرة التي تدوّخ طالب اللغة العربية وأدبها، حين يرى صباح مساء في وسائط الإعلام ما تقترفه أيدي العنف والتطرف من جرائم في بلدان عربية عدّة، وفي الصف يصدح الأستاذ شارحاً البلاغة الفيّاضة في معلقة عمرو بن كلثوم، من دون التبرّؤ من الأفكار والمشاهد.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: على المناهج ألا تنسى أن التربية من ربا يربو. ما تزرعه يكبر ويكثر، السلبيّ والإيجابيّ.