صالح الشيحي- الوطن السعودية-
لكي تدرك نعمة الأمن التي ينعم بها الناس في بلدك، عليك أن تتأمل ردة فعلهم لما يشاهدون أو يسمعون من حوادث! دعك من الذين يقللون من قيمة الأمن مقابل قيم أخرى، هؤلاء أحوج الناس إليه.. ولولا أنهم آمنون على حياتهم، لما قالوا، ولما كتبوا، ولما ألّفوا.. ولوجدتهم قد هربوا أو قُتلوا، وفي أضعف الأحوال اختفوا وصمتوا!
خذ آخر حوادث الأسبوع.. حادثة الاقتحام المسلح التي تعرض لها "بنك الراجحي" في جازان أول من أمس.. تناقلها الناس بفضول بالغ، وليت الأمر توقف عند الجمهور.. حتى وسائل الإعلام أفردت مساحات واسعة لهذه القضية. الخبر احتل الصفحة الأولى لـ7 صحف محلية صباح أمس!
القضية -من وجهة نظري لا تستحق كل هذا الاهتمام الشعبي- شخص بسيط يدّعي أنه تعرض لظلم وسرقة، أراد الانتقام وبادر تحت تأثير المخدر بتنفيذ جريمته. هذه كل الحكاية باختصار كما توصلت إليها.
المعنى: جريمة تحدث كل يوم في الشرق والغرب، وتمر دون أن تحظى بأي اهتمام زائد عن المعقول؛ عدا مربع صغير في صفحة الحوادث.. لكنها ليست كذلك في بلد ينعم بالأمن، بفضل الله وحده.
أنا لا أقلل من هذه الجريمة، كنت في جازان ساعة وقوعها. الحياة في الشارع المجاور تسير بطبيعتها دون أي كدر أو حتى نقطة تفتيش إضافية. شخص دخل منشأة وأطلق النار، تماما كالشخص الذي دخل منزل قريبه وأطلق النار.. عجبت؛ كيف لها أن تهز مواقع التواصل، ويتفاعل معها المتواصلون.. هذا مؤشر واضح -لكل المغرضين، والحالمين بالفوضى- أن مساحة الهدوء والاطمئنان واسعة في بلادنا.
تخيل معي: كيف يحدث سقوط "حبة فستق" دويًا على بلاط الغرفة الهادئة! هذه حالة نادرة الحدوث في دول بذات المساحة والتنوع.. أنا لا أبيع الكلام عليكم، ولا ألقيه جزافا.. هذا واقع بلادكم الجميل.
وكما أن هذا جانبها الإيجابي، فإن جانبها السلبي يتمثل في الحفاوة العجيبة بها. أشياء كثيرة أفهمها لكنني عجزت أن أفهم هذا التحوّل العجيب لدى المتعاملين مع شبكات التواصل، وركضهم خلف هذه الأخبار وتضخميها وتحليلها، بل وحرصهم على إبرازها ونشرها بشكل سريع.. ما هذا الحب لأخبار الجريمة ومنظر الدم؟!