محمد نورالدين- الخليج الاماراتية-
دخلت الحرب في سوريا مرحلة جديدة مع نزول الروس إلى الميدان العسكري على المكشوف وبثقل لا مثيل له.
الروس يعرفون جيداً بأن خسارتهم لسوريا تعني خسارتهم لأي موطئ قدم على البحر المتوسط والمياه الدافئة. لذا فإن قرار بوتين التدخل العسكري المباشر في سوريا هو تحول استراتيجي في الحركة الروسية في العالم وفي الشرق الأوسط وله بالطبع تداعياته.
والروس يعرفون بأن آلاف المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا إلى سوريا عبر تركيا جزء كبير منهم ينتمي إلى جمهوريات إسلامية روسية مثل الشيشان. وهؤلاء في حال انتهت الحرب في سوريا إلى إسقاط النظام سوف ينتقلون إلى روسيا ليعبثوا باستقرارها ويحولوها إلى سوريا ثانية. روسيا عندما تنزل إلى الأرض في سوريا إنما تدافع عن حدودها في القوقاز وغير القوقاز.
هذه مسلمات باتت معروفة للجميع، وبما أنه ليس من أي قرار دولي يستظل به أي من القوى الإقليمية والدولية لتبرير أي عمل عسكري في سوريا سوى ضرب «داعش» فإن الجميع استظلوا بذريعة «داعش» الذي لا شك يستحق تكتلات وتحالفات دولية لإنهاء هذا الصنف من التوحش في التاريخ الإسلامي.
لكن المسألة أكبر من «داعش» ومن القوى المتصارعة على الأرض. إنها لا شك حرب عالمية بالوكالة مسرحها سوريا. ما كان أكبر الاستراتيجيين وعملاء الاستخبارات ليتوقع أن تؤول الأمور في سوريا إلى ما هي عليه اليوم. وبما أن الحرب السورية هي عالمية فإن مفتاح النهاية سيكون لا شك «يالطا جديدة» لتقاسم النفوذ تماماً كما يحصل عند نهايات الحروب الكبرى.
في هذه النقطة بالذات يتصاعد الخوف التركي مما يحصل في سوريا في الآونة الأخيرة وما قد يحصل لاحقاً.
يقول رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان في حوار قبل أيام إنه مندهش من التدخل الروسي في سوريا، ويقول إن روسيا ترتكب خطأ كبيراً بذلك.. داعياً إياها إلى التراجع عن الخطأ. ويقول أردوغان إنه لا يفهم سبب هذا الانشغال الروسي بسوريا رغم أنه ليس لروسيا حدود مشتركة مع سوريا.
كلام أردوغان إن كان يعكس شيئاً فهو الارتباك والتخبط في السياسة التركية تجاه سوريا وتجاه العالم. فمقولة الحدود المشتركة تثير القهقهة أكثر من أي شيء آخر. فكل القوى التي جاءت إلى سوريا وقصفت «داعش» وغير «داعش» هي قوى من آخر الكرة الأرضية.. من أمريكا إلى أوستراليا وليس لها حدود مشتركة مع سوريا. كذلك لا نعرف سبب اهتمام تركيا الكبير بميانمار والصومال وتسينغ يانغ في الصين بينما لا حدود مشتركة لتركيا مع هذه الدول.
لكن بعيداً عن هذا المنطق الأردوغاني الفاشل فإن التداعيات العملية للتدخل الروسي على الأرض في سوريا لا تبشر بالخير لتركيا التي تعرف جيداً بأن هدفها في إسقاط النظام بات أكثر صعوبة مع تشكيل الروس مباشرة خط دفاع عن النظام. وهذا سوف يطيح بالشعار الأول والأكبر لأردوغان الذي يبرره للتدخل في سوريا.
ومع وجود الطائرات الروسية في سماء سوريا فإن حلم إقامة منطقة عازلة تركية في الداخل السوري قد ذهب مع الريح. فروسيا في الأساس تعارض المنطقة العازلة فكيف الآن وهي موجودة في سماء سوريا. فضلاً عن أن واشنطن أعلنت أنها لا تزال تعارض إقامة هذه المنطقة.
وفي النتيجة الثالثة المباشرة على تركيا أن قوات الحماية الكردية في سوريا سوف تصبح في منأى عن التهديد التركي لها. فالولايات المتحدة كررت أكثر من مرة أن القوات الكردية هي جزء من التحالف ضد «داعش» وبالتالي هي ليست منظمة إرهابية بل يجب مساعدتها وهذا يقويها على الأرض مما يقلق تركيا أكثر. وفي الوقت نفسه فإن قوات الحماية الكردية طلبت المساعدة من القوات الروسية الجوية ما يعني أن هذه القوات قد تكون في موقع هجومي تجاه العديد من مناطق «داعش» في سوريا.
في النهاية ليس مجرد زلة لسان أن تذكر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل أن الجهود لحل الأزمة في سوريا تحتاج إلى تعاون وتنسيق بين أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والسعودية وإيران، فيما لم تشر إلى تركيا أبداً. طبعاً تركيا لابد أن تكون جزءاً من أي ترتيبات للحل في سوريا لكن سياسات تركيا في الأشهر الأخيرة جعلتها معزولة ومنبوذة من كل القوى بما فيها حلفاؤها في الناتو والغرب والمنطقة أيضاً، ما يمهد الطريق أمام خسائر تركية بالجملة في أي ترتيبات مستقبلية في سوريا.