حسين إبراهيم – الراي الكويتية-
رغم توتر اللهجة بين الأميركيين والغرب من جهة والروس من جهة أخرى، في شأن الغارات الروسية في سورية، ما زال المرجح أنه لن يكون هناك تصادم بين الجانبين لا مباشرة ولا بالواسطة، أي من خلال تسليح الغرب المعارضة السورية بأسلحة يمكن أن تستخدم ضد الروس، وإن ظهرت بعض «التوقعات» الأميركية في الصحافة أو حتى على لسان مسؤولين، بأن يغطس الروس في الوحل السوري.
الخلاف في العلن، يدور حول استهداف الغارات الروسية «المعارضة السورية المعتدلة» أكثر من استهدافها «داعش»، وهي المعارضة التي تقول موسكو انها غير موجودة في سورية، بينما يستبطن الموقف الأميركي منها حذرا كبيرا، كان من أبرز مظاهره امتناع واشنطن عن دعمها خلال كل سنوات الحرب السورية، بحيث يصبح الموقفان الأميركي والروسي غير بعيدين عن بعضهما البعض في هذه النقطة بالتحديد، علما ان الموقف الأميركي الضمني والحقيقي من هذه المعارضة لم يعلن أبدا، منعا للإحراج أمام الحلفاء، ولا سيما في الخليج، ان كانوا ما زالوا حلفاء، بينما كل السلوك الأميركي على مدى هذه السنوات كان يشي به. وعليه لن يكون مستغربا ان هذا الاحتجاج الأميركي على استهداف «المعارضة المعتدلة»، لا يعدو كونه احتجاجا كلاميا. إذ لو كان الروس يضربون حليفا حيويا للولايات المتحدة، لكان لها كلام آخر.
أما ما لا يريده الأميركيون حقاً، فهو ان يروا الروس ينجحون في هزيمة «داعش»، لأن حملتهم هم ضد التنظيم فشلت أو هم أفشلوها عمداً، من خلال بطء وتيرتها التي سمحت للتنظيم بالتوسع بدل ان يتراجع، والدليل سقوط الرمادي العراقية وتدمر السورية تحت عين التحالف. وما هي الحجة؟ إنه لا توجد قوة حليفة على الأرض. أليس هذا تصنيفاً أميركياً غير مباشر لفصائل سورية كبيرة مثل «جيش الإسلام» و«حركة أحرار الشام» والفصائل الجنوبية على أنها ليست معارضة معتدلة؟ لا سيما وان الحملة الأميركية نجحت في طرد «داعش» من المناطق الكردية، حيث يوجد تشكيل كردي ترغب واشنطن بالتعامل معه، ولو كان توأماً لحزب العمال الكردستاني المدرج على لائحة الإرهاب الأميركية.
وأي نجاح روسي حيث فشل الأميركيون سيعطي بوتين مصداقية على حساب أوباما،خصوصا ان السيناريوات المستقبلية للأوضاع في الشرق الأوسط مقلقة، بل مرعبة لسكان هذه المنطقة، الذين باتوا مقتنعين بأن هذه النزاعات تؤثر عليهم مباشرة، حتى لو انها ما زالت حاليا خارج حدود دولهم.
بوتين أحرج أوباما لأنه نجح في الضرب على هذا الوتر بالذات. بدا ان أميركا غير جدية أو غير مهتمة كثيرا بهزيمة سريعة لـ «داعش»، فتدخّل تحت حجة الخوف من توسع التنظيم إلى روسيا، وبغارات أكثر كثافة. أما ما سيجنيه، فمتروك لما يستطيع طيرانه تحقيقه في الميدان، وهو الذي لم يُختبر كثيرا بحملات عسكرية في الخارج في التاريخ الحديث، بخلاف الحملة الفاشلة في أفغانستان.
بكلام آخر انها حرب بين الأميركيين والروس، حول من يحارب «داعش» وكيف. ولهذا سرّبت واشنطن أخيرا عبر صحيفة «نيويورك تايمز»، خطة لتفعيل الحرب على التنظيم مفادها ان التحالف ضد «داعش» سيعمل خلال الاسابيع المقبلة على توفير غطاء جوي لهجوم كبير يشنّه 20 ألف مقاتل كردي، إلى جانب ما بين 3 و5 آلاف مقاتل عربي على معقله في الرقة. واذا صدق هذا التسريب فسيكون ما سيحصل تكرارا لحرب كوباني، أي هزيمة أخرى لـ «داعش»، تحتاجها واشنطن حاليا لاستعادة بعض مصداقيتها، رغم ان الرقة ليست مدينة كردية.
أما بالنسبة للتوقعات الأميركية بغطس الروس في الوحل السوري، لا سيما من خلال استعداء السنّة في العالم بدعمهم الرئيس السوري، فقد يتحقق شيء من ذلك. ولكن السؤال الأساسي، الذي ربما وجد بوتين الجواب عليه قبل أن يبدأ حملته، هو هل تستطيع واشنطن دعم تحرك ضده في سورية؟ والجواب قاله أوباما نفسه الذي كان قد أثار استياء الدول العربية السنّية قبله، حين رأى في الأسابيع السابقة للاتفاق النووي مع طهران، ان التهديد للدول العربية والخليجية السنّية لا يأتي من غزو إيراني و«إنما من شعوبها التي تعتبر نفسها في بعض الحالات مقصيّة، ومن الشبان الذين لا يجدون وظائف، ومن الإيديولوجيا المدمرة والعدمية، وفي بعض الحالات من مجرّد الاعتقاد بأن ليس هناك منافذ سياسية مشروعة للشكوى».
مع ذلك فإن الأميركيين والروس ليسوا حلفاء، والتنافس في إطار الحرب على «داعش» جزء من الخصومة الأوسع، الموروثة من النزاع بين أميركا والاتحاد السوفياتي السابق. ولكن الروس أضافوا بعض «البهارات» إلى الحرب في سورية، لأن موسكو لم تتدخل عسكرياً بشكل مباشر في هذه المنطقة، حتى في عزّ ما كان الاتحاد السوفياتي، جبّاراً من بين اثنين في العالم.