تواصل » صحف ومجلات

غياب (فقه الجهاد) جعل الجماعات المتطرفة تستبيح الدماء وتنتهك الحرمات!!

في 2015/10/09

المدينة السعودية-

أكدت مجموعة من الشرعيين على أن هناك مجموعة من العوامل ساعدت على انحراف مفهوم الجهاد في سبيل الله وذلك على يد الفرق والجماعات المتطرفة، كما أن القياس الفاسد والجهل بالدين ومسائله الكبرى والخوض في مسائل الجهاد من أبرز أسباب انحراف مفهوم الجهاد، وهو ما دفع بالجماعات المتطرفة إلى استباحة الدماء المعصومة والاعتداء على مساجد المسلمين قتلًا وتدميرًا فعاثوا فيها فسادًا زاعمين أنه ضرب من الجهاد، وأشاروا إلى أن هذه الجماعات فهمت الجهاد فهمًا خاطئًا فأصبحت تستهدف كيان الأمة من خلال اتباع الهوى والتعصب للرأي..»المدينة» استطلعت آراء بعض العلماء حول أسباب انحراف مفهوم الجهاد وسبل علاجه.

في البداية قال الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ الدكتور سليمان بن صالح الغصن: إنه للأسف قد حصلت في هذا العصر انحرافات وفتن وبلايا على بعض المسلمين بسبب قيام فئات من الناس وجماعات بإعلان الجهاد، والقيام بأعمال قتالية في بعض المواطن بلا تأكد من تحقق شروطه وضوابطه وانتفاء موانعه، فمن أهم الأمور التي أدت إلى الانحراف في مفهوم الجهاد الخطأ في إدراك أهداف الجهاد في سبيل الله وغاياته وشروطه وضوابطه وموانعه، خاصة إذا علم أن الإسلام لا يهدف من الجهاد إلى قتل المخالفين له، ولا إلى إكراههم على الدخول فيه كما يروِّج له الأعداء.

وتابع الغصن: إن المتأمل لممارسات الجهاد ومفاهيم الناس له اليوم ليدرك حجم الانحراف الحاصل في فهمه وتنزيله وتطبيقاته الواقعية في كثير من المواطن. وأهم الأسباب التي يمكن إرجاع هذا الخلل إليها هي: الجهل، والهوى، والغلو. فالجهل يشمل الجهل بأحكام الجهاد وأدلته وشروطه وموانعه، والجهل بالواقع وتقييمه، والجهل بالمآلات وتقديرها. وأما الهوى فقد يكون مصاحبًا للجهل، وقد يكون مقرونًا بالعلم لكنه يغلب على صاحبه بسبب الغلو، أو الحماسة والعجلة وقلة الصبر، مما يجعل صاحبه يتتبع المتشابه، ويرجح الضعيف من الأدلة والأقوال، ويعرض عما عليه جمهور الأمة.

وأشار الغصن إلى أن هناك أسبابًا أدت إلى وقوع الخلل والانحراف في مفهوم الجهاد، ومنها الجهل المصحوب بالتعالم والبعد عن العلماء، فهؤلاء المنحرفون رغم أنه لا يوجد فيهم أحد من الراسخين في العلم، ولا ممن شهدت له الأمة بالعلم والدعوة، فإنهم يزدرون كثيرًا من علماء الأمة، ويجهلونهم، ويتنقصونهم، وربما اتهموهم في نياتهم ودينهم، بل ربما وصلت الحال ببعضهم إلى تكفير العلماء الأعلام الذين لا يوافقونهم على آرائهم وينكرون عليهم ممارساتهم القتالية المنحرفة.

وأردف الغصن بأن من البدع التي نقلت عن بعض هؤلاء المنحرفين والتي أرادوا بها أن يقصدوا أتباعهم عن الاستماع لأهل العلم، والصدور عنهم، مقولة:»لا يفتي قاعد لمجاهد»، ومن المعلوم أن هذه المقولة لا تصح شرعًا ولا عقلًا ولا واقعًا، فإن المجاهدين ليسوا معصومين، ولا يستغنون عن فتاوى العلماء الراسخين، كما أن القاعدين فيهم الكثير من العلماء والمعذورين شرعًا في قعودهم، فكيف يحرم المجاهدون من الإفادة من علماء الأمة بهذه البدعة الشيطانية.

وأضاف الغصن: إن من أعظم الجهل وأخطره، ما كان متعلقًا بالخوض في المسائل الكبار المتعلقة بقضايا الأمة، وبمسائل التكفير، والولاء والبراء، والجهاد، والحكم ، والمعاهدات، ونحو ذلك من المسائل التي أناط الشارع النظر في كثير من وقائعها إلى أولي الأمر. وقد تضافرت الأدلة الشرعية بالنهي عن الكلام في دين الله بلا علم، وتوعدت من يقضي بين الناس بلا علم، فكيف بمن يستحل دماءهم وأموالهم وأعراضهم في أمور أقل ما يقال فيها بأنها من المشتبهات والمحتملات.

وزاد الغصن: إن المتتبع لأدبيات المنحرفين في مفهوم الجهاد وتطبيقاته يجد أن من أعظم أسباب الانحراف عند كثير منهم الإسراف في أحكام التكفير والجرأة في إطلاق الكفر على بعض المسلمين دون تورع ولا احتياط ولا تأكد من توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه في أكثر الأحيان. ونجد عندهم تكفيرًا باللوازم، وجعل الإصرار على فعل الكبيرة، نوعًا من الاستحلال الموجب للتكفير، كما نجد عندهم توسعًا في عدم العذر بالجهل. ومن المعلوم أن الحكم بالكفر والردة هو المدخل لاستباحة الدماء المعصومة عند هؤلاء في كثير من ممارساتهم القتالية، وانتهاكهم لحرمة الدماء والأموال وغيرها. ولذلك فإن من أبرز مجالات التكفير عند هؤلاء تكفير حكام المسلمين وحكوماتهم، ومن يدافع عنهم ويعمل معهم من جنود الجيش والشرطة، ومن يدافع عن ولايتهم ويفتي بحرمة الخروج عليهم. كما تعد مسألة الحكم بغير ما أنزل الله أبرز قضية يتم الاستشهاد بها في تكفير الحكام، وفي هذا الأمر تظهر خطورة الجرأة والمجازفة في تكفير الأعيان دون تحقيق ولا تثبت ولا يقين، وكان ذلك السبب في عدم التورع عن استباحة دماء بعض المسلمين وأموالهم.

وأكد الغصن أنه من المؤسف ألا يتورع المنحرفون في مفهومهم للجهاد عن قتل الكفار سواء داخل بلاد المسلمين وخارجها، غير آبهين بما تم إعطاؤه لهم من الأمان وما تم إبرامه من العهود والمواثيق سواء بين دولهم وتلك الدول الكافرة، أو بين أشخاصهم والدول التي دخلوها أو أقاموا فيها بحسب شروط الدخول والإقامة، وذلك يرجع إلى أنهم يعدون حكومات تلك الدول حكومات محاربة، وأن رعاياهم تأخذ حكمهم لكونهم انتخبوا حكوماتهم ورضوا عن أفعالهم، فصار هؤلاء الرعايا هدفًا لأولئك المنحرفين بمجرد تجنسهم بجنسية الدولة التي يحاربونها. وأنهم يجعلون كل كافر في هذا الوقت محاربًا للمسلمين. وأنهم لما أصّلوا كفر الحاكم أبطلوا كل ما يصدر عنه من عهود ومواثيق، فلا اعتبار عندهم لأمان منحه الحاكم لكافر في بلاد المسلمين، ولا اعتبار لما أبرمته الحكومة من عهود ومواثيق مع الدول الأخرى، بل إنهم لا يأبهون بما أخذته تلك الحكومات الكافرة على أشخاصهم من شروط مقابل منحهم الإذن بالزيارة أو الإقامة بها. فلا تفريق عندهم في الواقع بين المستأمن والمعاهد والحربي، بل الجميع عندهم محاربون. وإنهم جعلوا تلك الدول ناقضة لعهدها معلنة لحربها بمجرد اعتدائها على أي بلد مسلم. وهذه الرؤية المنحرفة للكفار المستأمنين والمعاهدين هي سبب جرأة هؤلاء على قتل الكفار عمومًا لا سيما المتجنسين بجنسية الدول التي جعلوها في أولية أهدافهم.

من جانبه أكد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد للبترول والمعادن الدكتور خالد بن عبدالله المزيني أنه قد نبتت نابتة في هذا العصر، زعمت أنها ترفع راية الجهاد في سبيل الله تعالى، وافتأتت على الأمة، ونابذت جماعة المسلمين ، وسلكت مسالك الفرق المارقة، فكفرت مخالفيها بما لا يكون كفرًا بإجماع المسلمين، واستباحت الدم الحرام بأدنى شبهة، وهي مع هذا كله تسعى في النكاية بأهل الإسلام، وربما بدأت بقتال أهل السنة قبل أهل القبلة، وقدمت قتال أهل القبلة على قتال الكافرين الأصليين، فوجب على أهل العلم وطلابه، الذين أخذ الله عليهم الميثاق، وتجلية أحكام الجهاد، وبيان ما وقع فيه من غلو وجفاء وما ألحق به مما ليس منه، والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل.

ويرى المزيني أن لهذا الانحراف أسبابًا ومنها: الانحراف في الغاية من الجهاد ومقاصده ومن ذلك مبادأة المسلمين بالعدوان، وهذه أجلى انحرافات الخوارج، الذين يستبيحون دماء المسلمين، سواء حكموا بكفرهم أم لا، فهم يستبيحون دماء المسلمين بالتكفير تارة والمصلحة تارة أخرى. لافتًا إلى أن من الانحراف عن الجهاد الصحيح: القتال في هيج الفتنة، والمناشبة في الدماء على غير هدى ولا غاية معلومة صريحة سواء كان أصل هذا القتال الأعمى لغرض دنيوي، كنصرة القبائل والعشائر وأهل المناطق بالعصبية القبلية والعشائرية والمناطقية، أو كانت لغرض ديني مشوب بهوى أو ضلالة في المذهب، بحيث لا يكون واضح الغاية ولا بيِّن المعالم، فإن قتال الخوارج لم يكن لعصبية قبلية،، بل كان لغرض ديني مشوب بجهالة وهوى وطيش ونزق، وكان مبدأ نشوء أمرهم على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنهم غلوا في ذلك وعتوا عتوًا كبيرًا، وتجاوزوا بإشهار السيف على الأمة، ولأجل اشتباه أمرهم على بعض الناس، لكونهم خلطوا أصلًا شرعيًا بأصول بدعية خارجة عن السنة. وهؤلاء زادوا على شر الخروج على الإمام المسلم بأن أضافوا إليه القتال.

وأبان المزيني أن هؤلاء يتهمون أئمة المسلمين وصلحاءهم بالجور وضعف الديانة، ثم يتجاوزن ذلك إلى التكفير، ثم يشهرون السيف، ويخرجون على الأمة يضربون برها وفاجرها، لا ينحاشون من مؤمنها، ولا يفون لذي عهد عهده، ووضعوا سيوفهم على عواتقهم، يصيبون من دماء المسلمين، فهؤلاء الذين تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وهي براءة عامة تشمل كل من اتصف بهذا الوصف، وهو قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان. فكل من خرج على الأمة بسيفه، وقاتلهم قتالًا عامًا يقهرهم به على مذهبه فهو من أهل الوعيد.

ومن جهته قال أستاذ الفقه بالدراسات العليا بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية الأستاذ الدكتور عبد السلام بن سالم السحيمي: إن بعض الفئات المعاصرة أخرجت الجهاد عن معناه الشرعي الصحيح، فأطلقته على أعمال إجرامية شنيعة منافية لمعاني الجهاد في الإسلام، وشيم أهله حتى صارت الانتحارات والتفجيرات التي وقعت في بعض بلاد المسلمين، وذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء معصومي الدم، مسلمين ومعاهدين مع إتلاف الأموال وترويع الآمنين، بل لم يسلم منها حتى المصلون في مساجدهم، وتبرر على أنها ضرب من ضروب الجهاد، وغُرر ببعض الشباب في هذا المنزلق الخطير، وأوهموا أن ذلك من الجهاد في سبيل الله. وقضية الانحراف في مفهوم الجهاد قضية فكرية عقدية، والأفعال والتصرفات هي نتيجة حتمية لذلك.

وأشار السحيمي إلى أن من تجب طاعته هو الخليفة أو الإمام الذي وقع الاجتماع عليه سواء كان إمامًا أو خليفة لقطر أو الأقطار وإن لم تكن له الخلافة العامة، وأما القول إن الإمام الذي تجب طاعته هو فقط من كان خليفة لجميع المسلمين بكافة أقطارهم وأن من كان حاكمًا أو إمامًا لقطر من الأقطار فلا تجب طاعته ولا بيعته فهذا مخالف للأدلة، ومخالف للإجماع ومخالف لما عليه أهل السنة والجماعة ومخالف أيضًا للواقع ويؤدي إلى الخروج على الأئمة ونقض بيعتهم وهو رأي الخوارج. وأما ما حصل فيه الخطأ في هذا العصر ظن البعض أن جهاد الدفع لا يشترط له الشروط والضوابط المتقدمة، وظنهم أن جهاد الدفع متعين على جميع المسلمين بجميع أقطارهم. وكذلك من الخطأ ما يظنه البعض من أنه إذا استولى العدو على بلد من بلدان المسلمين أصبح دفعه على كل مسلم في أي بلد متعينًا وأنه جهاد دفع، والصواب أنه إنما يجب على أهل البلد نفسهم دفعه إذا كانوا قادرين على ذلك وأما غيرهم من أهل البلاد فإن كان المسلم في بلاد مسلمة لها حاكمها المسلم فإن أمر الجهاد موكول إليه فإن أذن للناس بالذهاب وإلا لم يجب عليهم ولا يكون بالنسبة لهم جهاد دفع، وإنما يكون جهاد طلب لأنهم يخرجون من البلد الذي في عنقهم بيعة لولي أمره إلى بلد ليس في عنقهم لوليه بيعة، وإنما يتصور جهاد الدفع في هذه الصورة فيما لو كان جميع المسلمين بجميع أقطارهم تحت حاكم واحد، فهنا يكون دفع العدو في أي جزء من بلاد هذا الحاكم متعين عليهم إن قدروا على ذلك.

وأبان السحيمي أن أسباب الانحراف في الجهاد هي: الجهل بالدين، فالجهل بدين الله من أعظم الأسباب الحاملة للانحراف المولد لتكفير المسلمين بغير حق ثم العمل على جهادهم بدعوى كفرهم بدلًا من جهاد الكفار فإنه لا يقدم على هذا الأمر إلا جاهل بذلك. واتباع الهوى والابتداع والإعراض عن النصوص الشرعية، نجد أن من أولعوا بتكفير المسلمين بغير حق ورتبوا على ذلك وجوب جهادهم أنهم لا يرجعون في أحكامهم على من كفروهم إلى دليل صحيح ولا إلى فهم صحيح، وإنما يتبعون أهواءهم، والله قد حذر من اتباع الهوى، والتأويل الفاسد للنصوص ولي أعناقها لتوافق ما تهواه النفس، ولهذا عد العلماء التأويل الفاسد سبب كل شر وفتنة وقعت في الأمة، وتلبيس الشيطان، وغلبة العاطفة على العقل، واتهام العلماء والعقلاء بالمداهنة وترك الحق.

وأضاف السحيمي بأن ما سبق يؤكد أن أهل التكفير والتفجيرات المعاصرين الذين حرفوا الجهاد عن معناه الصحيح قد تأثروا بفكر الخوارج والمعاندين وقتالهم. فتفسير الخوارج للجهاد تفسير خاطىء بنوه على تفسيرهم للنصوص الشرعية على خلاف ما دلت عليه وعلى خلاف ما فسرها به الصحابة رضوان الله عليهم، فالآيات التي نزلت في الكفار جعلها الخوارج في المؤمنين فتأولوا القرآن على غير معناه الصحيح فكفروا بغير مكفر. وشقوا عصا المسلمين وفرقوا جماعتهم. وجعلوا دار المسلمين دار حرب ودارهم دار إيمان. وخرجوا على الائمة واستباحوا الأعراض والأموال وسموا ذلك جهادًا. وطعنوا في الأئمة والعلماء. واستباحوا دماء من عصم الله دماءهم من أهل العهد والذمة.

وأردف السحيمي بأن الأصل في الجهاد بمعناه الخاص (القتال) إنما يراد به قتال الكفار، والخوارج جعلوا قتال المسلمين من الجهاد، وكذلك فعل من شابههم في هذا العصر والذي يرجع إليه في تقدير المصالح والمفاسد ومن ذلك معرفة مشروعية الجهاد من عدمه إنما هم أهل العلم الراسخون. كما أن الخوارج لا يرون الرجوع لأهل العلم بل يرون الطعن فيهم كما تقدم وكذلك من أولع بمنهجهم من المعاصرين والذي يوكل إليه أمر الجهاد وينادي به ويجيش له الجيوش إنما هو ولي الأمر المسلم وأنه تجب طاعته في هذا كما تجب في غيره، والخوارج لا يرون طاعة ولي الأمر بل يرون الخروج عليه من الدين. فتفسير الخوارج ومن تأثر بفكرهم يعد تفسيًرا خاطئًا بل ضالًا موجبًا لقتالهم بل إن قتال الخوارج ومقاتلتهم يعد من الجهاد في سبيل الله؛ لأن ما حصل من الخوارج من تكفير للمسلمين بغير حق وشق لعصا المسلمين ورفع للسيف عليهم يعد أشد ما واجهه المسلمون منذ أن من الله عليهم بالإسلام واجتماع الكلمة عليه، ولم تكن عقائد الخوارج مبنية على علم صحيح ولا على فقه قويم، بل على جهل وتشدد وغلو وسوء فهم للنصوص وتأويل لها على غير المراد منها، فقد اعتمدوا على متشابه القرآن وفسروا النصوص على غير ما فسرها به الصحابة والتابعون لهم بإحسان، واحتجوا على المسلمين بما فرق كلمتهم، وشتت شملهم.

القاسمي: هذه الجماعات فهمت الجهاد فهمًا خاطئًا فأصبحت تستهدف كيان الأمة

ومن جانبه أكد نائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالهند عضو الهيئة الاستشارية لمركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة بجامعة الإمام الدكتور بدر الحسن القاسمي، أن الأمة المسلمة تعيش اليوم حالة الفوضى العارمة بسبب الانحراف الفكري في مفهوم الجهاد ما ينقض عرى الأمة وينخر كيانها ويجعلها عرضة لتنفيذ المخططات الخارجية لتمزيق صفها وتشتيتها إلى فرق وأحزاب متقاتلة ومتناحرة. فالفرق الجهادية التي تتكون داخل المجتمعات الإسلامية والجماعات التي ترفع شعار التكفير وتقوم بعمليات التفجير والتدمير أصبحت تشكل اليوم أكبر خطر على الإسلام والمسلمين لأنها حولت الأمة التي أخرجت للناس ووصفت بخير الأمم إلى أمة فاتنة مفتونة وقاتلة مقتولة، حاضنة للإرهاب وصانعة لفرق الموت، وأن الرسالة الخالدة التي جاء بها المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم قد حولها المتشددون إلى كابوس مرعب مخيف لا رأفة فيها ولا خير فيها للإنسانية، همها حصد أرواح الناس الأبرياء وغايتها التفنن في قتل العباد وتدمير البلاد، فالأحزمة الناسفة ثقافتها والأعمال الانتحارية من مناهجها، هذه الفتن العارمة أشغلت الأمة بنفسها فتقتل بعضها بعضًا وتضرب بعضها رقاب بعض، هذه الحالة تضع علماء الأمة المتقنين، وفقهاء الملة المرموقين أمام مسؤولياتهم التاريخية تجاه دينهم وأمتهم، وتحتم عليهم أن يخرجوا من كهوفهم ويستنفروا كافة فئاتهم ويستنفدوا كافة طاقاتهم وجهودهم لإنقاذ الأمة وتصحيح الفكر ودحض الباطل والقضاء على الانحراف في مفهوم الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام. فمسؤوليات العلماء أن ينفوا تحريف الغالين وانتحال المبطلين.

وألمح القاسمي إلى أن الأفراد والجماعات التي انحرفت عن جادة الحق وفهمت الجهاد فهمًا خاطئًا ظلت تستهدف كيان الأمة من خلال بث الأفكار الخاطئة والمفاهيم المنحرفة بين الشباب وشق صف الأمة وممارسة العنف واستباحة الأعراض وانتهاك الحرمات وإراقة الدماء، فتجد خرابًا ودمارًا هنا وقتلًا وإرهابًا هناك وجثثًا وأشلاء في طول البلاد الإسلامية وعرضها، وما يخشى أن يقع في المستقبل هو أدهى وأمر.

ولفت القاسمي إلى أن مسألة السلم والحرب تهم كافة المسلمين فلا يتخذ قرار الحرب إلا إمام المسلمين وبالاستشارة مع كبار المسؤولين والمستشاريين السياسيين والعسكريين وبعد تقييم القوى المتوفرة والأسلحة الموجودة وفعاليتها وكفاءتها في كسب المعركة والانتصار على الأعداء. كما أنه يجوز القتال تحت قيادة الإمام الفاجر من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين وذلك من أجل منع ظهور الكفار وغلبتهم على المسلمين وعلى ديارهم.

ونوه القاسمي إلى أن ما يُشاهد اليوم من قتال المسلمين بعضهم بعضًا أو خروج جماعات متطرفة متشددة تقتل وتنهب تدمر وتفجر ويجعل بلاد المسلمين هدفًا لها فليس من الجهاد في شيء، بل هي فتنة عمياء تضعف المسلمين وتشوه سمعتهم وليس وراءها أي مكاسب للمسلمين، وأن الجماعات التي تبنت هذا الجهاد والتي قامت بتحريف مفهوم الجهاد يجب أن تقاوم كما يجب أن تعد برامج لإنقاذ الشباب من براثن هذه الجماعات التي تشكل أكبر خطر للإسلام والمسلمين.

الجبير: اتباع الهوى والتعصب للرأي من العوامل التي ساعدت على ظهور الانحراف

ومن جهته قال الدكتور هاني بن عبدالله الجبير: إنه مع فضل الجهاد وأهميته وما ورد فيه من نصوص وأحكام فقد وقع فيه لبس كبير في واقعنا المعاصر ترتب عليه أن تنتسب إلى الجهاد كل الجماعات القتالية المعاصرة والتي تستبيح دماء مخالفيهم قتلًا وقتالًا وكل طائفة تقاتل الأخرى تنسب فعلها للجهاد في سبيل الله فصار مجرد اسم الجهاد مبررًا لكل قتل وقتال بين المسلمين فضلًا عن غيرهم مما دعا المهتمين بعلوم الشريعة الإسلامية إلى إيضاح الحقيقة تخليصًا للشرع من أن تستباح باسمه الدماء المعصومة أو يشوه وجه الحق بأفعال ليست عنده مرضية ولا مقبولة.

وذكر الجبير أن من أسباب الانحراف في مفهوم الجهاد ضعف التأهيل الشرعي، ولذا كان من أكبر الإشكالات في هذا العصر عدم القدرة على التطبيق الواقعي لمسائل الفقه النظرية، فسمة المجاهد غالبًا قلة الفقه وضعفه؛ لأن المطلوب منه مهارات تحتاج دربة تمنعه وتقطعه عن العلم. كما أن انتشار التعليم والكتابة في هذا الزمن ساعد على كثرة التلقي والأخذ من كتب العلم مباشرة دون مشافهة العلماء وترتب على ذلك خطأ كثير كعدم فهم المصطلحات الشرعية على الوجه المطلوب وعدم تحرير مسائل النزاع وعدم التنبه لما في بعض الآراء من غلط.

وأردف الجبير أنه قد كان للغلو ولردود الافعال دور واضح في ظهور الانحراف الفكري الغالي في هذا العصر، وبأن من قام بهذا العمل البشع زيادة على تقصيره في تطبيق الشريعة وغيرها من أنواع المخالفات لا يمكن أن يكون مسلمًا وبذلك برز فكر التكفير قويًا لدى بعض الفئات، فكانت نتيجة ذلك أن خرج اتجاه لم يستطع التعامل مع الأخطاء وفهم طبيعة النفس البشرية فدعا إلى عزلة الناس ومفاصلة المجتمع الجاهلي بمؤسساته ونظمه وحكم على المجتمعات بالكفر لرضاهم بالكفر وعدم قيامهم بالحد الأدنى من الإسلام، وترتب على التكفير استباحه القتال واعتباره نوعًا من الجهاد من سلسلة التلازمات التي لا تلزم فعليًا إلا في أذهانهم.

وزاد الجبير بأن من العوامل التي دفعت إلى ظهور الانحراف التعصب للرأي ومحاولة تسويغ الخطأ وعدم الرجوع للحق بعد تبينه، والجامع لكل ذلك أنه اتباع للهوى، واتباع الهوى اعتقاد يتبعه استدلال ويتلوه تحريف لكل دليل مخالف، بعكس أهل الحق الذين يتبعون الأدلة ثم ينقادون لها فيعتقدون بعدما يستدلون وقد يزيد من قوة تأثير هذا السبب بأن يعرض العلماء الربانيون عن إيضاح الحق وبيان الموقف الصحيح لأي عذر.