شؤون خليجية -
هل يعد الموقف المصري والإماراتي والأردني المرحب بالتدخل العسكري الروسي في سوريا خيانة للمملكة السعودية التي ترفض وتندد وتنادي بوقف العدوان الروسي على سوريا الذي يخدم مصالح الأسد؟.. أم أنها محاولة للعب على الحصان الرابح فيتقربوا لموسكو خوفًا من المصير المحتوم بتفتيت المنطقة؟. أم أن "بن زايد " و"السيسي" و"عبد الله" ينظرون للتدخل الروسي في المنطقة أنه محاولة للإبقاء على مرحلة ما قبل الربيع العربي؟.. تساؤلات عديدة أفرزتها مواقف أكبر حلفاء المملكة في المنطقة، بعد انضمامهم للمعسكر الموالي للدب الروسي والغول الإيراني المعادي للسعودية والمحور السني.
ضربة للدبلوماسية السعودية
اعتبرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في عددها الصادر، اليوم الخميس، بالفعل أن التدخل العسكري الروسي في سوريا ضربة للدبلوماسية السعودية، ودورها القيادي كداعم بجانب تركيا وقطر للثوار المعتدلين، الذين يسعون للإطاحة ببشار الأسد.
وأبرزت الصحيفة تصاعد المطالب من قبل رجال الدين للسعودية ودول الخليج للتحرك لصالح المجموعات الثورية في سوريا، التي يتم استهدافها من قبل روسيا. وأشارت إلى أن تنامي الضغط من أجل تحرك المملكة يجعل الأسرة الحاكمة تواجه معضلة، فالرياض تدعو منذ فترة طويلة لرحيل "الأسد" ودعمت الثوار المعتدلين في سوريا، لكنها تخشى من أن دعوات رجال الدين للتحرك قد تؤجج مشاعر الشباب السعودي، والآلاف منهم ليسافروا للالتحاق بالقتال في سوريا.
ولفتت الصحيفة إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير"، التي وعد فيها بأن المملكة ستكثف دعمها للثوار المعتدلين في سوريا، وأن الحل في سوريا لن يتم إلا من خلال عملية سياسية تقود إلى مجلس إدارة انتقالي أو خيار عسكري ينتهي برحيل "الأسد".
مصر عقبة في تكوين تحالف سني بالمنطقة
وأوضح مراقبون أن ما يزيد من تعقيد محاولات تشكيل جبهة سنية موحدة بقيادة المملكة وتركيا وقطر ضد روسيا وحلفائها الشيعة في سوريا، هو الشرخ والخلاف في التحالف بين الدول الخليجية وبعضها البعض ومصر، بإعلان القاهرة دعمها لما تراه قتالًا مشروعا لروسيا ضد "الإرهاب" في سوريا.
ولعل ترحيب الإعلام المصري المقرب من قائد الانقلاب السيسي خير دليل، بل الإعلام الرسمي أيضا، فقد أشار الإعلامي المصري "أحمد السيد النجار" رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام المصرية، إلى أن روسيا قررت لعب دور دولي قوي في سوريا بعدما أدركت أن الغرب ليس جادًا في مواجهة الإرهاب ، وتحدثت الصحيفة عن أن مسؤولين مصريين أكدوا مرارًا تفضيلهم لحل سياسي في سوريا، ودعوا لإجراء محادثات مع نظام "الأسد"، ويختلفون عن السعودية في عدم إصرارهم على ضرورة رحيل "الأسد".
كما ذكر "إتش ايه هيلر" الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، أنه من وجهة نظر مصر فإن "الأسد" إذا سقط قد تصبح سوريا ساحة للجهاديين، إلا أن نظام "الأسد" في سوريا ليس لديه القوة للبقاء في السلطة ومن غير الممكن التوصل إلى حل سياسي في ظل وجوده.
واتسعت هوة الخلاف بين الكفيل السعودي والجنرال المصري الذي ذهب ليرتمي في أحضان موسكو وطهران، وأعاد فتح السفارة السورية بالقاهرة، ولم يستضف وفد المعارضة السورية في القمة العربية الأخير بشرم الشيخ، بالرغم من اعتراف جامعة الدول العربية السابق بهم ممثلا شرعيا للمقعد السوري.
كما صعد النظام المصري من تحركاته مؤخرا، لتنضم مصر لما يسمى المحور الرباعي الجديد الذي يدعم الحل السياسي للأزمة السورية باستمرار الأسد لفترة انتقالية، حيث يضم المحور كل من مصر والإمارات والأردن بزعامة روسيا التي تقف بجانب الأسد منذ اللحظة الأولى.
الإمارات في المعسكر المعادي
كشفت مصادر دبلوماسية في شهر يوليو 2015، عن وجود خلافات فنية وأمنية وسياسية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالأزمة السورية، خاصة بعد زيارة ولي عهد أبوظبي إلى روسيا برفقة الملك عبدالله وأثناء زيارة السيسي لروسيا، ليلتقي الثلاثة مع الرئيس الروسي "بوتين" ويتباحثوا حول سبل التعامل مع الأزمة السورية، والإعلان عن المحور الرباعي الجديد ، بعد تلك الزيارة حدث تحول استراتيجي في الموقف الروسي المتصاعد في روسيا .
وبالرغم من التوافق الظاهر في العلاقات بين الإمارات والسعودية، إلا أن هناك خلافات كبيرة في رؤية النظامين لدور كل منهما في قيادة الخليج العربي، فالطموح الإماراتي المبني على إنجاز إسقاط ثورات الربيع العربي، ودعم الأنظمة الموالية لأبوظبي في مختلف البلدان العربية، التي تشهد حالة من التوتر كليبيا وتونس واليمن، ليس له حدود، حتى ولو كان ذلك على حساب علاقاته الإستراتيجية مع السعودية ودول الخليج العربي، التي تحاول بذل كافة الجهود الممكنة للحفاظ على أمنها واستقرارها في مواجهة محاولة إعادة الهيكلة التي تجريها الولايات المتحدة بالتنسيق مع إيران وشركائها في العالم.
ولا يخفى على أحد الدور المشبوه الذي تلعبه الإمارات في سوريا، فالحراك الإماراتي وإنْ كان مستترًا إلا أنه يتكشف بمرور الوقت، ومحاولاتها الدؤوبة إحباط الثورة وتمكين نظام الأسد من الحكم، إذ توجد مساعٍ دبلوماسية وسياسية حثيثة للإمارات على المستوى الدولي، لإقناع القوى المؤثرة في العالم بضرورة إبقاء الأسد في الحكم، ومواجهة القوى الإسلامية المتنامية في سوريا، وإِشراك الأسد في محاربة تلك التنظيمات جنباً إلى جنب مع القوى الدولية. هذا في الوقت الذي تتحرك فيه لإجهاض الثورة السورية بقوة دعمها المالي لنظام الأسد، وقوة تحركها الدبلوماسي الداعم لإبقاء الأسد.
تشكيل الإمارات لتحالف جديد
ومنذ أواخر أغسطس الماضي، نقلت تقارير إعلامية وسياسية ما يفيد تشكيل الإمارات لتحالف إقليمي جديد في المنطقة في مقابل الحلف السني السعودي التركي القطري ، ليروج لحل سياسي سلمي في سوريا يبقي نظام بشار الأسد، ويرضي روسيا وإيران، على أن التقارير التي تحدثت عن ذلك قالت بأن أبوظبي تستغل انشغال السعودية بالحرب في اليمن من أجل تمرير أجندتها المتعلقة في سوريا.
وبينما أيدت كل من الإمارات ومصر والأردن التدخل الروسي في سوريا بشكل متفاوت، فإن السعودية أصدرت بيانا تندد فيه بالعدوان الروسي على سوريا، وهو البيان الذي انفردت دولة قطر بدعمه والوقوف خلفه بوضوح وحزم، فيما تجاهل الحلفاء التقليديون للسعودية بيانها بشأن التدخل الروسي، وهو ما يمثل أيضا موقفا واضحا يتمثل في التخلي عن الرياض في سوريا وسلوك طريق مختل عنها .
فهل تتعرض السعودية للخيانة وتقف وحدها في مواجهة إيران، إذ يرى مراقبون أن "المعركة في نهاية المطاف متشابهة، إذ أن الحرب في اليمن ليست سوى امتداد لحرب سوريا، وفي كلا الجبهتين تريد إيران التوسع على الأرض العربية مهددة الأمن القومي العربي"، وتقف مصر والإمارات مع ما يخدم مصالحهما وفقط.