هاني الفردان- الوسط البحرينية-
بعيداً عن السياسة، وفي خضمّ تطورات الأزمة المالية، أصبحت قضية رفع الدعم عن اللحوم الحمراء والبيضاء الشغل الشاغل للمواطنين وحتى المقيمين، حتى ارتفعت الأصوات بمقاطعة اللحوم، سواء كان ذلك من قبل القصابين الواقعين بين الأمرّين، بين رفع الأسعار التي تجاوزت ثلاثة دنانير للكيلوغرام الواحد، وبين المستهلكين من المواطنين والمقيمين العاجزين فعليّاً عن توفير ذلك المبلغ لسد حاجتهم من اللحوم، لذلك أُجبروا قسراً على مقاطعة اللحوم وشرائها بأسعارها الجديدة.
القصابون هم الآخرون رأوا أنفسهم مجبرين على الامتناع عن شراء الذبائح من شركة «البحرين للمواشي» حتى لا يتعرضون للخسائر المالية الكبيرة في ظل عزوف المواطنين والمقيمين عن شراء اللحوم.
خلال سبعة أيام انشغل الناس وكذلك الصحافة بحركة سوقي المنامة والمحرق المركزيين، كونهما ثقلي ومركزي بيع اللحوم الرئيسيين في البحرين حتى بلغت حالة البيع في السوقين في بعض الأيام مستوى الصفر.
خلال الأيام السبعة سرت شائعات كثيرة، كان أهمها تهديد قصابي المحرق بفقدان «فرشهم» في حال استمروا على موقفهم المتصلب بالامتناع عن شراء الذبائح وبيعها، فيما نشرت صحيفة محلية يوم الأربعاء (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) على صدر صفحتها الأولى اتهامات بتهديد قصابي سوق اللحم المركزي بالمنامة يفيد بإغلاق محلاتهم وسحب سجلاتهم حال استمر «إضرابهم» عن العمل، وذلك على حد زعم الصحيفة.
دائرة العزوف والامتناع عن شراء اللحوم تتوسع، وهو أمر متوقع، ولا يمكن أن يلام فيه أحد، سواء كان ذلك من قبل المواطنين والمقيمين أو القصابين أو حتى المطاعم التي عزفت هي الأخرى عن شراء اللحوم أو بيعها تفادياً لرفع أسعارها بشكل مبالغ فيه مع عزوف زبائنها عن شراء الأغذية التي يشكل اللحم مكوناً أساسيّاً فيها.
ردة الفعل طبيعية ومتوقعة جدّاً، وقد تطول كثيراً، وقد تخلق حالة جديدة في السوق البحريني، تجعل من اللحوم سلعة غير رئيسية أو أساسية لدى المواطنين والمقيمين؛ نظراً إلى ارتفاع أسعارها لثلاثة أضعاف ما كانت عليه، (من دينار إلى أكثر من ثلاثة دنانير)، وهو ما لا يستطيع المواطن العادي تحمله.
الكثير من المطاعم استوعبت الدرس، فلم ترفع الأسعار ولم تصطدم مع زبائنها، وفضلت إرضاءهم أو الانسياق مع توجهاتهم، وعزفت عن بيع اللحوم الحمراء، وركزت مبيعاتها على اللحوم البيضاء (الدجاج) وغيرها من السلع التي حافظت على استقرار أسعارها.
لا مجال لأن ينزعج أحد من ردة فعل المواطنين والمقيمين وكذلك القصابين وأصحاب المطاعم، فهي ردة فعل طبيعية ومتوقعة، ويجب أن تكون مدروسة حتى من قبل شركة «البحرين للمواشي»، فارتفاع الأسعار بالشكل الحالي سيؤدي بشكل طبيعي إلى تقليص حجم مبيعاتها عن السابق، فما كان يباع بدينار بالتأكيد لن يلقى الإقبال بعد أن يصل سعره إلى ثلاثة دنانير.
حتى الجهات الرسمية، يجب ألا تنزعج من ذلك، ويجب أن تؤمن بأن تحرير السوق، وتحرير الأسعار سيلاقيه رد فعل واسع من قبل المستهلكين، سواء كان ذلك مؤقتاً أو دائماً، وهو ما يعرف بتغير الأنماط السلوكية للمستهلكين.
شركة «البحرين للمواشي» تتحدث عن «تردد المستهلك» في الأيام الأولى، عازية ذلك إلى وجود كميات من اللحوم لديهم بعد تخزينها، وأنه بعد نفادها سيعود المستهلك للإقبال على اللحوم، وهي نظرة «متفائلة» جدّاً، لا تقرأ الواقع المعيشي للمواطن البحريني الذي هو فعلاً سيخفض من كمية استهلاكه للحوم الحمراء المعتاد عليها، إن لم يعزف عنها نهائيّاً، وان الأرقام التي صدرت عن الشركة تؤكد تراجع مبيعاتها بنسبة 95 في المئة ومن 2000 رأس يوميّاً إلى 95 رأساً فقط.
كما تطلب الجهات الرسمية من المواطن والمقيم تقبل المتغيرات الحالية والتأقلم معها، فإن المواطنين، وبينهم القصابون وأصحاب المطاعم، أيضاً يطالبون تلك الجهات بتفهم خياراتهم وعزوفهم أو امتناعهم أو حتى مقاطعتهم بيع أو شراء اللحوم الحمراء، وإن صح الحديث عن وجود تهديد لأي طرف فهو أمر مرفوض ويخالف سياسات تحرير الأسواق، والقبول بالمتغيرات.