د.هيا عبد العزيز المنيع- الرياض السعودية-
المشهد في عالمنا العربي يستدعي الحكمة والحصافة في الموقف والكلمة.. ما أشبه اليوم بالأمس تكرار لأساليب التحريض.. من حقنا الاستغراب والتساؤل لعدم استفادة بعضنا من خطأ الأمس ومحاولة تكراره في خطاب يستثير الشباب على الجهاد في سورية.. خطاب مكتنز بعبارات الحماس يلقيه كاتبوه ومن وضعوا أسماءهم عليه بين شبابنا وعلى مسمع من العالم بأكمله ثم يعودون لقصورهم الفارهة وحياتهم وأسرهم محتضنين أبناءهم متابعين دراستهم هنا وفي جامعات الافرنج على حد قولهم مطمئنين على سلامتهم وعدم خدشهم، لم نجد من أبنائهم من أيام أفغانستان إلى يومنا هذا من ينخرط في الجماعات الجهادية بل إنهم باتوا نجوماً في شبكات التواصل الاجتماعي ذكوراً وإناثاً حيث حياة البذخ والترف والنعيم واضحة عليهم..
العودة لتاريخ الشباب السعودي في حرب أفغانستان تكشف خطأ التحاقهم بتلك الحرب وضررها يدفعه المجتمع اليوم بعمومه والشباب على وجه الخصوص.. حيث باتت ثقافة التطرف تغرس أنيابها في مجتمعنا مما سهل اختطاف هؤلاء الشباب الجاهل وتحويله إلى حزام تفجير في الرياض كما يتم استخدامه في بغداد أو بلاد الشام..
لا أحد يؤيد دخول روسيا للحرب في سورية ودعمها للنظام السوري سقطة سياسية لأن النظام السوري يحتضر وبالتالي الحرب لن تحقق أحد أهدافها وهو الحفاظ على النظام السوري الحالي.. ولكن يبقى تقدير ذلك شأناً سياسياً لا دخل لهؤلاء فيه.
فاجتماع أكثر من خمسين رجل في خطاب واحد وبلغة خطابية حماسية تحرك مشاعر الشباب وتستثيرهم للخروج للجهاد.، تعني أن هؤلاء يعيدون ماسبق مع ثبات مضاره بالشواهد التي باتت واضحة للجميع والتي مازال يدفع فاتورتها مجتمعنا ناهيك عن تشويهها للإسلام كدين بناء وإنسانية.
ليس من المنطق أن نرحب بتدخل روسيا في سورية.. ولكن هل يعني ذلك تحريك شبابنا للذهاب إلى سورية فيما نحن نرى أبناء سورية يخرجون منها..؟ كم لاجئ لدينا نحن فقط.. إنهم يقاربون الآن الثلاثة ملايين.. بالإضافة لهجرات أخرى لبلاد متنوعة بما فيها بلاد الافرنج..
الاستغراب أن هؤلاء استطاعوا جمع كلمتهم في صوت علني وقوي تجاه تدخل روسيا في سورية وغابت أصواتهم في حال حضور الأعمال الإرهابية التي أضرت بمجتمعنا وأشغلت رجال الأمن وعطلت الحراك التنموي ومع ذلك لم نجد هؤلاء يجتمعون في صوت واحد يقولون لهؤلاء الإرهابيين إنهم مجرمون وليسوا فقط ضالين وخوارج لم نجدهم يتحدون لمواجهة هذا الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب..، قتلوا رجال الأمن وآخر قتل خاله.. وآخر قتل ابن عمه ومع ذلك لم يجتمعوا لتجريم هؤلاء في خطاب واحد بل إن بعضهم يطالب بمناصحتهم ثم العفو عنهم بحجة وأخرى..!!
تلك الخطابات تمثل في الواقع شكلاً من أشكال الخروج عن ولي الأمر وهذا يتنافى مع المبادئ الإسلامية..، أيضاً هو يثير غبار الفتنة في مجتمعنا في وقت نحن نحتاج للتلاحم مع القيادة وفقها الله والمؤسسة الأمنية أعانها الله في وحدة وتكتل متماسك ضد الإرهاب ومسبباته نتوقع ممن يزعمون أنهم علماء المشاركة في اجتثاث جذوره وليس زراعة الفتنة داخلياً وبناء صراعات سياسية للبلاد مع دول خارجية..، وهنا سؤال أيضاً لهيئة كبار العلماء، ألم يحن الوقت لتحجيم هؤلاء وفضحهم؟.. الوطن أمانة في أعناقكم وليس أعناق رجال الأمن فقط.