ياسر قبيلات- البيان الاماراتية-
يثير الدور العسكري الروسي في سوريا، ردود فعل صاخبة، غاضبة ومؤيدة على حد سواء. ولكن ما يلزم فعلاً في التعامل مع هذا الدور، هو القليل من التفهم. ليس بالضرورة لتبريره أو الدفاع عنه، ولكن لأن هذا الصخب، وهو في أغلبه دعائي، يعيق إلى حد كبير فهم حقيقة هذا الدور، ويحول دون الانتباه لمعناه.
وفي أول هذه المعاني، يمكننا أن نلاحظ أن الآراء جميعاً، وبغض النظر عن التباين في الموقف، تتفق أن الخطوة الروسية تمثل دليلاً على فشل السياسة الغربية حيال سوريا.
وفي معنى ثانٍ، لا يشكك أحد أن العامل الروسي المستجد في سوريا، سيترك أثره الواضح على الواقع في المنطقة، كما على السياسات الدولية ذات العلاقة. بمعنى، أنه بغض النظر عن مدة بقاء الوجود العسكري الروسي، فإن أثره السياسي باق، وستكون له مفاعيله اللاحقة.
وبالنسبة لموسكو، فإن العمليات الروسية في سوريا ليست ضرورية لتعديل ميزان القوى في المنطقة، ودرء شرور الإرهاب، ولكنها ضرورية قبل ذلك لدرء خطر نشوب مواجهة دولية كبرى غير محسوبة.
وهنا، يمكننا أن نلحظ أن الأمر الحاسم في المعادلة لم يبدأ بالعمليات الروسية في سوريا، بل من «حسم» موضوع القرم، وإحباط محاولة تحويلها إلى نقطة تهديد بحرية، ثم قيام موسكو بتحويل شبه الجزيرة إلى قبة حماية عسكرية، لم تنه فقط التهديدات المحتملة للقوات الروسية على أراضيها، ولكنها شكلت مظلة لفرض واقع يمتد حتى حوض المتوسط، شاملة في تغطيتها سوريا.
وهنا، في واقع الأمر، لا ينزعج الأميركيون من نتائج الدور الروسي المحلية في سوريا بحد ذاتها، بل هم ليسوا بعيدين عن القبول بحل على أساس طروحات موسكو، ولكنهم يخشون أن يتمكن الروس من إنشاء مظلة حماية عسكرية جديدة فوق المتوسط، يتداخل طرف قطرها مع تلك المظلة التي أوجدوها في القرم.
وبغض النظر عن الاتهامات المتبادلة حول من خلق المجموعات الإرهابية في سوريا ومن يرعاها، وعن أسباب التطورات التي شهدتها أوكرانيا العام الماضي، إلا أن هذين العاملين، ومن كان وراءهما، لم يفعلا شيئاً سوى تهيئة رقعة الشطرنج للاعب الروسي، بما يدفعه إلى تحريك قطعة مهمة، في حركة مباغتة، وبمسار طويل مؤثر، لتستقر في مربع يثير ردود فعل صاخبة.