شؤون خليجية -
أثار سحب البحرية الأمريكية حاملة الطائرات "تيودر روزفلت" من مياه الخليج، العديد من التساؤلات المهمة والملحة، خاصة وأن هذا الإجراء يأتي في توقيت حرج وصعب تتعرض فيه دول الخليج لتهديدات وجودية تجعل "أمن الخليج العربي في خطر"، ودوله عارية بلا غطاء عسكري، في ظل اشتعال المنطقة بالأحداث الملتهبة.
وما يزيد التساؤلات هو أن سحب أمريكا لحاملة الطائرات يأتي بعدما أصبحت دول الخليج وخاصة السعودية في مرمى الاستهداف العسكري "الروسي – الإيراني"، وبينما يمارس حلف "موسكو- طهران" استعراض القوة العسكرية في سوريا باستخدام أحدث الأسلحة والقنابل العنقودية، وقصف الصواريخ من سفن روسية في بحر قزوين، تترك الولايات المتحدة المنطقة لمدة شهرين بلا أي حاملات أمريكية للطائرات في مياه الخليج العربي.
عارية لمدة شهرين
خلو المنطقة لمدة شهرين فترة ليست بالقصيرة بتوقيت حرج يشهد تطورات عسكرية متسارعة، وجبهات عسكرية مفتوحة، وصراعات نفوذ واحتلال "إيراني - روسي" قابل للتمدد في العراق بعد سوريا، بينما تواجه دول الخليج، عبر تحالف عربي، جماعة الحوثيين "الشيعة المسلحة" ومن خلفها إيران في اليمن، فما دلالة توقيت سحب الحاملة، ولماذا تصر واشنطن على عدم وجود بديل حتى الشتاء القادم؟ رغم أنه خلال شهرين ستظل دول الخليج بلا رادع عسكري دفاعي، بينما قد تحسم ملفات المنطقة خلال الفترة نفسها فيما يخص الملف السوري والعراقي واليمني، وملف الحرب على "داعش" والإرهاب.
وكانت صحيفة "ستارز آند سترايبس" الأمريكية، قد أكدت الجمعة، أن البحرية الأمريكية أخرجت حاملة الطائرات "تيودور روزفلت" من مياه الخليج، وإن هذه هي المرة الأولى منذ العام 2007، التي لا يكون للولايات المتحدة أي حاملة طائرات جاهزة للعمل العسكري في الخليج.
وقالت الصحيفة: "إن البحرية الأمريكية لم تعلن متى ستحل حاملة طائرات أخرى مكانها، في وقت تتزايد فيه التوترات في المنطقة، لاسيما بعد التحرك الروسي العسكري في سوريا، واستمرار القتال في العراق والحرب في اليمن.."، ونقلت عن متحدث عسكري أمريكي القول: "إنه ليس من المتوقع أن تصل الخليج أي حاملة طائرات حتى الشتاء".
ماذا وراء انسحاب "روزفلت"؟
هناك عدة احتمالات قد تفسر أسباب سحب الولايات المتحدة لحاملة الطائرات الأمريكية من مياه الخليج العربي، إلا أنه وفي جميع الأحوال سيترتب عليها تداعيات أمنية خطيرة يدفع ثمنها الخليج من أمنه واستقراره، وقوته التفاوضية أثناء التسويات السياسية القادمة لأخطر قضاياه المصيرية.
تغير الاستراتيجية الأمريكية تجاه "داعش"
أهم احتمال يتصاعد بقوة وراء الموقف الأمريكي وجود تغير قد يكون استراتيجيًا أو تكتيكيًا فيما يخص موقفها من الحرب على "داعش"، حيث كانت تلعب حاملة الطائرات روزفلت دورًا فيها، فقد أبحرت "يو إس إس ثيودور روزفلت" في 12 مارس 2015، وهي حاملة طائرات من فئة "نيمتز" من ميناء مدينة نورفولك الذي ترسو فيه، متجهة إلى الشرق الأوسط، حيث تشارك في عملية "عزيمة صلبة" العسكرية ضد مواقع تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وتعد حاملة الطائرات الأمريكية الأكثر تطورًا من وجهة النظر التكنولوجية.
وذكرت صحيفة «وورلد تربيون» الأمريكية في 5 أغسطس الماضي "إن القدرات الأمريكية على شن الغارات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» قد تتعرض لضربة خطيرة في خريف العام الحالي؛ حيث ستفتقد واشنطن جهود حاملة الطائرات الأمريكية «ثيودور روزفلت» المتمركزة، حاليًا، في مياه الخليج العربي".
ونقلت الصحيفة عن الأدميرال «جون ريتشاردسون»- الذي عينته إدارة الرئيس «باراك أوباما» قائدًا للعمليات البحرية– قوله، أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، إنه سيكون هناك فجوة لمدة شهرين في الخريف المقبل؛ حيث لن يكون لدى الولايات المتحدة أي حاملات للطائرات في مياه الخليج.
بينما نفى المتحدث العسكري الجمعة أي تهاون في التزامات أمريكا نحو محاربة الجماعات الإرهابية، فيما رأى محللون أن انسحاب حاملة الطائرات من دون تحديد موعد لقدوم أخرى، يحد من خيارات أمريكا في مقاتلة تنظيم "الدولة".
هل هناك تفاهمات مع روسيا وإيران؟
يترتب على تغير الموقف الأمريكي تجاه "داعش" تغيرات هيكلية بالمنطقة، فهل تتراجع تكتيكيًا بشكل مؤقت كخداع استراتيجي مع العدو، أم أنها تخلي الساحة للحلف "الإيراني - الروسي" ربما ضمن تفاهمات غير معلنة؟، وهنا مكمن الخطورة أن يكون تخلي واشنطن عن الحليف الخليجي جزءًا من تفاهمات سرية مع إيران أو روسيا، خاصة وأن الولايات المتحدة رفضت أثناء عقد القمة الأمريكية الخليجية بكامب ديفيد في منتصف مايو الماضي، التوقيع على أي تفاهمات مكتوبة تتعهد فيها واشنطن بحماية أمن الخليج، ورفضت توقيع أي اتفاقيات دفاع مشترك، بينما فقط عقدت صفقات سلاح وبرامج للأمن الدفاعي الصاروخي البيني داخل الدول نفسها.
وكان قد شهد الاتفاق النووي الإيراني دفعة كبيرة من جانب طهران وواشنطن وموسكو، ويرجح مراقبون وجود نسخ سرية للاتفاق وملاحق غير معلنة قد تتضمن أمورًا لا تعلمها دول الخليج، والخطير أن تراجع واشنطن عن توفير هذا الغطاء بمثابة تسليم ضمني بالتفوق العسكري الإيراني الروسي ضد الخليج، ولماذا إذن أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في الحرب ضد "داعش" من جيوب الخليجيين وعلى حساب ميزانياتهم العامة، ثم فجأة تتراجع عن مواجهة داعش بعد التدخل الروسي في مواجهتها.
وكشفت «وورلد تربيون» الصحيفة الأمريكية في 5 أغسطس الماضي، أن «ثيودور روزفلت» في منطقة الخليج ينطلق منها نحو ثلث المهام الجوية ضد تنظيم "داعش". ونقلت عن «بريان ماكجراس»، وهو ضابط سابق في البحرية الأمريكية، ومستشار عسكري حالي، أن «حاملات الطائرات قوة كبيرة جدًا؛ لأننا نستطيع تحريكها بشكل سريع نسبيًا إلى المكان الذي نريدها أن تكون فيه، وأن نستخدمها من هناك بدون الحاجة للحصول على إذن من أي أحد».
هل هي خطوة لإضعاف التحالف السني المرتقب؟
بعد سحب "روزفلت" ستفقد واشنطن وقواعدها العسكرية بالخليج جزءًا من تكامل قوتها الضروري في حالة دخول الخليج في حرب أو مواجهة عسكرية إقليمية، والمثير للريبة انسحابها بينما تتصاعد تهديدات قادة القوات البحرية الإيرانية والحرس الثوري بشكل شبه يومي ضد السعودية، وبالتزامن مع بوادر تشكل حلف سني عسكري "خليجي سعودي قطري تركي"، حيث نشرت صحيفة "جارديان" البريطانية "أن دول الخليج تخطط لرد عسكري في وقت رفع فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من المخاطر في سوريا"، فهل يشكل الموقف الأمريكي إعلانًا استباقيًا بتحييدها من المشاركة في هذا الحلف، ليواجه وحيدًا الحلف الروسي - الإيراني المدعوم من مصر والصين.
علما بأن أول مشاركة لحاملة الطائرات "روزفلت" كانت فيما يعرف بـ «عملية عاصفة الصحراء» في عام 1991، وذلك لتحرير الكويت، وقتها، من الغزو العراقي. فهل تخلت واشنطن عن الخليج في مواجهته المحتملة مع إيران بدعم روسي؟
ابتزاز الخليج
هناك احتمال بأن يكون الانسحاب الأمريكي أداة ابتزاز لدول الخليج لإرغامها على دفع أموال أكثر في الحرب الأمريكية على الإرهاب وداعش، والتي تدخل في دوائر تتسع دون حسم، أو لدفعها لعقد صفقات أسلحة جديدة والهرولة نحو البيت الأبيض لطلب النجدة ودفع ثمن أكبر، خاصة وأن هذا الغياب سيكون الأول لحاملة الطائرات عن المنطقة منذ عام 2007؛ وذلك بسبب تقليصات في ميزانية الدفاع الأمريكية.
لم تنسحب الولايات المتحدة فقط بحاملة الطائرات "روزفلت"، بل سحبت برنامجها لتدعيم المعارضة السورية في مواجهة داعش ونظام الأسد بشكل مريب أيضًا، وبالتزامن مع التدخل الروسي في سوريا، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، الجمعة الماضية عن نيتها تقديم معدات وأسلحة إلى "مجموعة منتقاة من قادة" المعارضة السورية التي تثق بها، لاستخدامها في محاربة تنظيم الدولة بشكل فعّال، وإيقاف تدريب المعارضة، وتقديم السلاح إلى قادة المعارضة "الموثوق بهم"، بعد أن كبدها برنامج "تدريب وتسليح" المعارضة السورية السابق، خسائر كبيرة، عندما فشل في تجنيد عدد كاف من المعارضة السورية، بسبب إصرار الإدارة الأمريكية على منح محاربة "داعش" الأولوية على محاربة الأسد. بما يعكس أن واشنطن تعكف على تغيير خططها في مواجهة داعش والشرق الأوسط والخليج في آن واحد.