د. يعقوب أحمد الشراح – الراي الكويتية-
يُثار بين حين وآخر التساؤلات عن مصادر الغلو في فكر وتطرف الشباب، ولماذا يُفجر الشاب نفسه بالآخرين انتقاماً وكراهية بينما العقل والدين لا يجيزان ذلك، فالقتل جريمة كبيرة في الدين وتتنافى مع الفطرة الإنسانية. مصادر التطرف كثيرة تتفاوت في الحدة والتأثير رغم أن النتيجة واحدة وهي انحراف خطير في السلوك يقلق المجتمع ويهدد كيانه.
إن مصادر التطرف تتراوح بين المدرسة والجامعة، والمنزل، ووسائل الإعلام الإلكترونية، وأصحاب الفتاوى الدينية، وتعاليم الدعاة، وصراع الأحزاب السياسية، وانتشار الفصائل الدينية والطائفية وغير ذلك من عوامل معلنة أو خفية تساهم بطريقة أو بأخرى في عنف الشباب وكراهيتهم لمن يختلف معهم، ولقد وجد أن أكثر الفئات تطرفاً هي فئة الشباب التي تتراوح أعمارها بين (18-30) سنة.
وإذا كان التطرف يعني تغيير العقول وجعلها مفسدة ومدمرة فإن أساليب خلق التطرف متنوعة ومتفاوتة في التأثير، وتعتبر المدرسة والجامعة أماكن لتعليم الآلاف من الطلاب وفي أعمار مختلفة من خلال توفير بيئة مناسبة للتلقين على التطرف، وتعلم برامج وطرق تعليم ترسخ ثقافة العنف.
إن واقعنا التعليمي ليس بأحسن حال من غيره في مجال مفهوم التسامح ونبذ التطرف. هناك عدد من المؤشرات تدل على أن التعليم لا يرقى إلى المستوى المؤثر في الجوانب القيمية والوجدانية، وفي السلوك العام الملحوظ لدى الشباب، حيث مازال العنف يزداد، والمخالفات للقانون تتمثل في كثرة المشاجرات وإتلاف الممتلكات العامة، والمشاركة في المسيرات المناهضة لأمن واستقرار المجتمع، فضلاً عن المخدرات والتطرف، والانضمام لفصائل متطرفة تحارب خارج البلاد. ظواهر كهذه وغيرها تجعل المؤسسة التعليمية في صدر المساءلة نتيجة تقصيرها في إعداد وتوجيه الشباب، وفى ضعف تنسيقها مع مؤسسات المجتمع المدني. فلا يكفي أن تتكرر التصريحات التربوية على لسان المسؤولين بأن تطوير مناهج التعليم يستدعي التركيز على مناهج التربية الإسلامية ،وكأن عقدة الفكر المتطرف أساسه هو غربلة مناهج الدين ،من دون إدراك أن هناك عوامل كثيرة مؤثرة في المنهج وفي داخل النظام التربوي مثل المعلم، والإدارة، والقيادة وغيرها. صحيح أن المناهج والمعلم مصدران أو محوران حيويان لتهذيب النفوس، وضبط العملية التعليمية وتوجيهها في المسار المطلوب، لكنهما رغم اختلافهما الكبير فإن التعلم لا يحدث على النحو السليم إذا ألقي أحدهما، خصوصاً المعلم الذي يؤثر بدرجة عالية في الطالب.
وقد يكون من السهل تغيير المناهج، وتحديد الاتجاه المطلوب منه في العملية التعليمية، لكن هل من السهل ضبط دور المعلم وتوجيهه إذا كان متمذهباً طائفياً له اتجاهات لا تتفق مع الشأن العام وسياسات الدولة حيث من السهل أن يؤثر المعلم في طلابه بطريقته الخاصة، وليس بالضرورة بحسب التدريس المطلوب منه؟ ومما يعزز هذا الاتجاه التباين الكبير في جنسيات المعلمين الوافدين واتجاهاتهم السياسية، ناهيك عن الفكر المذهبي الذي يحمله بعض المعلمين من المواطنين حيث تتوغل الطائفية والقبلية من دون أن يدري أحد وذلك لصعوبة تحديدها، ومعرفة مصدرها. إن وزارة التربية وهي تواجه هذه الظواهر وفي الظروف الصعبة التي مازالت تعانيها الدولة في الداخل ،حيث المذهبية وازدراء الآخر، والحروب الطائفية في الجوار، يستدعى الأمر استعجال احتواء التطرف داخل المؤسسة التعليمية من خلال مراجعة شاملة لسياساتها ونظامها، وتشديد الرقابة على كل فعل غير تربوي سواء في المدرسة أو الجامعة.