خليل يوسف- الأيام-
يحتفل العالم وبالتحديد بعد يومين، «15 اكتوبر» باليوم العالمي لغسل اليدين، آخر شعار لهذه المناسبة «نظفوا أيديكم لإنقاذ الأرواح»، والهدف الدائم لهذه الاحتفالية رفع الوعي بأهمية غسل اليدين، وتعميم سلوك يخلق محيطاً خالياً من الفيروسات والأمراض، ولا نعلم ما اذا كانت هذه المناسبة ضمن اهتمامات جهابذة من دأبوا على الاهتمام بالمناسبات الدولية والاحتفاء بها والصرف عليها، ليس من جيوبهم بالطبع، ام ان الظروف التقشفية الراهنة ستفرض صرف النظر عن هذه المهمة الجليلة، علماً باننا في غمرة التذكر والتذكير لن ننسى ان هناك ما تكدس من التجارب من فعاليات واحتفالات، يضاف اليها زيارات وجولات نظمت بمناسبات وعناوين وشعارات مختلفة، أقيمت بأي ثمن، بكل الأثمان من دون جدوى تذكر..!!
في لسان العرب، النظافة هي النقاوة، وقيل ان النظافة من الإيمان، ولكن دعونا نبتعد عن المفهوم التقليدي للنظافة، وان لا نحصر هذا المفهوم في نظافة اليد، او جمع الأوساخ والنفايات ومظاهر القذارة، وكل ما يمكن بالنهاية ان يرسخ القناعة بان النظافة هي سلوك ووعي وعقلية، دعونا نأخذ المفهوم من منطلق يتعدى المعنى التقليدي، فنظافة اليدين، او نظافة المظهر لا تعني النظافة الكاملة، بل المقصود النظافة في جميع دلالاتها، فهي في هذا السياق تعني النظافة مما يشين، من نهب وسرقة ورشاوى وفساد، وبيع الذمم والمبادئ والقيم والأخلاق، والتفريط في الأهداف الكبرى والصغرى، وتداول الشعارات، لا شيء غيرها، وهي اكثر من ان تحصى، في الإجمال هي شعارات لا تحقق مردوداً يذكر سوى انها تجعلنا نراوح في المكان، وتجعل من هب ودب من الانتهازيين والمنافقين والهتافين يستفيدون من وضع يخلق انطباعاً عن العمل والانجاز، والتذرع بانه ليس في الامكان ابدع مما كان..!!
النظافة، هي نظافة الذمة، والتي في ضوئها لا يخشى المرء من المحاسبة، ليس محاسبة القانون فقط، رغم ان البعض لا يحسب له حساباً، بل محاسبة الضمير، حين لا يلقى الضمير في سلة المهملات تكون النفوس محصنة من الشهوات والمخالفات والتسيب واللامبالاة، او ما يشكل سلوكيات غير مسؤولة تواجه في المقابل بمنظومة القيم التي تجعل الانسان متمسكاً بطهارة اليد والضمير، وصامداً امام الخلل الرهيب الذي بات يصيب هذه المنظومة في الفكر والمواقف والتعاملات والسلوك، مما ترك اثاراً عميقة في واقعنا وعمق من مظاهر الجنوح والانفلات واستشراء الفساد، وهذا القسط الوافر من الرداءة والسواد الضمائري المتمادي بغير انتهاء، وكأن ثمة من يصر على المضي للانحطاط المردوم تحت أكوام الكثير من الممارسات واكوام من الشعارات المنمقة، واحسب ان هذا أمر لا يحتاج الى اجتهادات.
النظافة، تعني أيضاً ضمن ما تعنيه، نظافة الانسان من المتاجرة بالدين، بهموم الناس، بالقيم والمبادئ، بالتوقف عن تغييب الحدود بين الخطأ والصواب، او الحلال والحرام، بعدم شرعنة الرشوة بتسميتها اكرامية، او عمولة او مكافأة، واستباحة كل ما يعد إثماً ولا شرعية له، بعدم استغلال المنصب، بعدم الإساءة لكل صاحب كفاءة او موهبة او محاصرته او تحجيمه او تهميشه، او تجاهله، وضرب كل عناصر التميز والتفوق، النظافة، نظافة الانسان ونظافة الضمير تعني أيضاً القدرة على عدم الانجرار وراء كل ما يضاعف من هموم الناس ويعمق من حال هذا الواقع المأزوم بكل تجلياته، كما تعني القدرة على إرادة الفعل، والقدرة على تجاوز المظاهر والشكلانيات التي تضعف الرؤية، وتجعلنا نضيع في متاهات الوقائع المستجدة والضياع في
متاهاتها، تعني عدم طأفنة كل شأن وطني وعدم الاستسلام الى من يريد ان يجعلنا دمى يحركها التعصب والنفس الطائفي وكل ما يفتك بواقعنا ويرسم صوراً جارحة انسانياً ومدمرة سياسياً،
اظن بانه يجب ان تكون لدينا بقايا همة تسمح لنا بالنظر بان النظافة تشمل أيضاً نظافة العقول والقلوب وما ينتج عن ذلك من نظافة التفكير والسلوك والضمير - نعود اليه مجدداً - فهو وحده الذي يؤنب ويذكر بفداحة الاخطاء، هو الذي يميز بين الخطأ والصواب، بين ما هو حق وباطل، بين ما هو خبيث وطيب، بين العدل والظلم، بين الفهم للمسؤولية تجاه الوطن والتفريط في هذه المسؤولية، والمشكلة فيمن يعيش أزمة ضمير، حينها نجد ضمائر مستترة لا محل لها من الإعراب، او ضمائر ميتة لا خير فيها، اصحاب هذه النوعية من الضمائر لا يتورعون عن الإتيان بتصرفات مشينة يندى لها الجبين خجلاً، مارسوا السفاهات والموبقات بحق الناس والوطن، وكانت لهم إسهاماتهم في خلق واقع مأساوي كامل المواصفات والأوصاف، واقع لا يتوقف عن اعادة تدوير نفسه، منهم من ظهر لنا ولازال في صورة التقي الورع، او المفكر او الناشط او الكاتب او السياسي، وهناك من يستظل ويحتوي بغير ذلك من التسميات، واحسب ان كثر من الناس باتوا مدركين حيال هؤلاء بان مظاهر الإيمان ليست دليل تقوى، والادعاء بحب الوطن ليس دليلاً على حب الوطن، وليس من أوهمنا منهم بانه انسان وطني في أسواق البورصة الوطنية هو كذلك فعلا، الوطنية عندهم لهم فيها مآرب اخرى، وهؤلاء ينطبق عليهم القول انهم لا يعرفون من الوطن سوى جهلهم به..!!
اختم بسؤالين لا ادعي البراءة في طرحهما، الاول هل يمكن ان نكون قادرين على أخذ العبر والدروس وتجنب الاخطاء والسير نحو التغيير المطلوب، تغييراً في الظروف وفي المناخ والافاق بما يلبي التطلعات الحقيقية لأبناء الوطن و تنظيف ما يزخر به واقعنا من خطايا وأخطاء والتي بات أمر مراجعتها ضرورياً الآن..؟
السؤال الثاني: هل سنحتفي باليوم العالمي لنظافة اليد بعد يومين أم لا..؟!!