عقل العقل- الحياة السعودية-
تصريح وزير التعليم العالي في دولة الكويت الشقيقة هذا الأسبوع عن اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي على توحيد مناهجها التعليمية لمحاربة التطرف، لا شك أن هذه الخطوة جديرة بالتأمل والتفكير، وقد تثير الكثير ممن يعتقدون ويدافعون عن مناهجنا التعليمية، ويبرئونها من أن تكون من أسباب التطرف والتشدد، الذي يقود إلى الإرهاب، وهذا -للأسف- حاصل في بعض المجتمعات الخليجية، إذ نجد الآلاف من شبابنا الخليجي وهم ينضمون إلى «داعش» وإخوانه، ويقومون بالتفجيرات الإرهابية داخل بلادنا.
علينا أن نكون أكثر شجاعة وجرأة، وأن نبحث عن الأسباب الحقيقية الدافعة لهم للإرهاب، نعم قد لا تكون المناهج التعليمية لدينا هي السبب الرئيس للتطرف، ولكن لا يمكن أن نغفل هذا الجانب الذي -باعتقادي- يجب أن يأتي في مقدم القضايا التي يجب أن نراجعها ونطورها، وإذا كانت هناك دولة خليجية قد نقحت مناهجها من شوائب التطرف فعلينا الاستفادة من هذه التجربة.
دول الخليج العربي تقدمت في كثير من المجالات، ووحدت كثيراً من أنظمتها، خاصة المجال الاقتصادي، ولكن توحيد المناهج يجب أن يكون سابقاً لكل المجالات الأخرى، سواءً الاقتصادية أم السياسية أم العسكرية.
لا شك أن توحيد عقول شبابنا يجب أن يأتي على رأس القائمة، فإذا كانت مخرجات تعليمنا لها دوراً في التطرف والتشدد، فنحن حقيقة لم نتقدم أي خطوة إلى الإمام، بل إننا في خطر داخلي دائم.
بعضنا -وللأسف- إذا ذكر تطوير وتوحيد المناهج والإشارة إلى أنها سبب من أسباب التطرف، ينبري ويخوِّن ويتهم بالعمالة والليبرالية من ينادون بذلك، ويقحم الإسلام ويصورها بأنها حرب عليه.
وكلنا نعرف أن ديننا الإسلامي هو منهج وسطي، يدعو إلى السلم والمحبة والقبول بالآخر، وأن نتدبر في أمور ديننا، ولكن يوجد بيننا ممن يعتقدون أنهم حراس الدين، ومن يطالب بالتطوير والتغيير فهو ضد الدين ذاته، إن مناهجنا -وللأسف- يوجد بها توظيف لمفاهيم دينية ضد المختلف عنا، فعلينا تكريس القبول بالآخر من أي مذهب كان، وأن نعزز مفاهيم المواطنة في عقول أبنائنا الطلاب، وأن يكون ولاؤنا لأوطاننا، وأن نبتعد كثيراً عن حل مشكلات العالم.
إن أنسنة التعليم من أهم المرتكزات التي يجب أن تكون في أذهان صانعي سياستنا التعليمية، فقيمة الإنسان هي الأساس التي يجب أن تكون حاضرة دائماً، وأن تعزز في مناهجنا التعليمية، لا نريد أطفالنا أن يعودوا إلينا من مدارسهم ويسألوننا أسئلة لم نفكر، ولم تخطر على بالنا، هل نحن سنة أم شيعة، أو من أي قبيلة نحن، فنقف عاجزين ومذهولين من تساؤلاتهم، قد يقول البعض إن مثل هذه المفاهيم غير موجودة في مناهجنا، خاصة التعليمية، وقد يكون لبعض المعلمين دور خطر في هذه الجزئية، وقد يكون من الإيجابي الاستفادة من تجارب بعض الدول الخليجية في تحييد هذا العامل المهم.
كم سمعنا من أبنائنا وهم يحملون أعلى الشهادات، وبعضهم أطباء ومهندسون قد انخرطوا في أعمال إرهابية في أماكن الصراع أو في دولنا، فماذا استفدنا من شهاداتهم العلمية، علينا الابتعاد عن القذف بهذه الخطوة في صراعاتنا الفكرية والسياسية، وتشخيص واقع مناهجنا التعليمية ومراجعتها والاستفادة من بعض التجارب في محيطنا الخليجي في هذا المجال.