د. حسن مدن- الخليج الاماراتية-
ساجلتُ في كتابات سابقة، منتقداً، لا بل ورافضاً، مفهوم الهُوية الخليجية، خاصة إذا انطوى على نية مضمرة أو معلنة لإظهار شيء من التمايز أو حتى الافتراق عن عمقنا العربي، فلا أرى في هذه المنطقة إلا هوية عربية، تمتد عميقاً في التاريخ، وهي ما زالت تغتني بروافد الثقافة العربية الأخرى، إما بحكم تواصلنا وعيشنا المشترك مع أشقائنا العرب، أو بما تحمله وسائل المعرفة إلينا من إبداعهم، وغني عن القول إننا، بدورنا، نقدم مساهمتنا في هذه الثقافة العربية، كوننا أحد روافدها.
ولسنا ننكر أن كل منطقة من المناطق العربية تمتلك خصوصيات معينة تُميزها في بعض الأوجه عن المناطق الأخرى، وليس هناك ما يعيب في البحث في الخصوصيات ومحاولة فهم خلفياتها التاريخية والثقافية والنفسية، لكن ما نحن بصدد نقده عند الحديث عن الهوية الخليجية هو الميل المَرضي للتمايز عن باقي الشعوب التي تجمعنا وإياها الهوية العربية المشتركة، فإذا ما استمرأنا الحديث عن هُوية خليجية، سنجد أنفسنا بعد حين مشغولين بتفكيك هذه الهُوية ذاتها إلى مجموعة هويات فرعية، ليدور الحديث عن هوية كويتية وأخرى سعودية وثالثة إماراتية ورابعة عمانية.. إلخ، في اتجاه إبراز خصوصيات وفرادة كل هوية من هذه «الهويات»، فطالما ارتضينا تفكيك الأصل، سنمضي قدماً في تفكيك المكونات الجزئية، فلا نعود بعد ذلك نبصر الموحد والجامع، وإنما المفرق والمجزئ.
الحق أن ما يتعين علينا إبرازه هو وحدة الثقافة في هذه المنطقة، وبشيء من الإبحار في التاريخ الثقافي القريب سنقف على سيرة عدد من الأدباء والمبدعين الخليجيين الذين يصعب نسبتهم إلى بلد خليجي بعينه.
وفي بواكيره البحثية التفت الدكتور محمد جابر الأنصاري في كتابه: «لمحات من الخليج العربي» إلى هذه الحقيقة مُقرراً أنه من المستحيل تجزئة دراسة الحركات الأدبية في الخليج من دون الالتفات، التفاتاً قوياً ومُركزاً، إلى أمثالها من الحركات في الأجزاء الأخرى، ومن لا يفعل ذلك لن يخرج بدراسة منهجية متكاملة سليمة.
والأمثلة على ذلك تترى فالشاعر ابن المقرب العيوني ولد في الإحساء وأقام في البحرين فترات طويلة، وولد خالد الفرج في الكويت لكنه عاش، طويلاً، في البحرين، ومثله فعل البحريني عبد الرحمن المعاودة الذي عاش فترة في الشارقة قبل أن يستقر في قطر، وعاش وعمل الأديب العماني عبد الله الطائي في البحرين والإمارات قبل أن يعود ليستقر في مسقط رأسه عمان.