تواصل » صحف ومجلات

الاسلام والمساواة

في 2015/10/14

آمنة سلطان المالكي- الشرق القطرية-

إن كلمة المساواة في الإسلام تعني أن المسلمين متساوون أمام الشرع في أحكامه وتكاليفه، فهو دين لا يعرف التفريق ما بين شريف ووضيع فيما يتعلق بالحدود ولا يفرق أيضا ما بين الرجل والمرأة ويعاقب كلا منهما بما يستحقه من جلد أو رجم، والسنة النبوية الشريفة مليئة بالأحاديث العملية عن ذلك مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" مما يعني أن أي شخص مسلم قد يعاقب بغض النظر عن أي شيء آخر ، وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث آخر قال فيه (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) مما يعني أن الإسلام جاء ليهدم الأفكار الباطلة التي كانت قبله.

ومن أبرز القضايا التي أعطاها الإسلام أيضا اهتماما كبيرا هي أوجه المساواة بين الرجل والمرأة، وقد ورد نص قرآني في سورة النحل قال الله تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) ولكن هذه المساواة لها جانبان واتضح ذلك من قول الله تعالى (وليس الذكر كالأنثى) وذلك لأن المرأة تحتاج لولي في الزواج والرجل لا يحتاج، كذلك القوامة للرجل لا للمرأة، والطلاق بيد الزوج لا الزوجة، والجماعة والجهاد واجبان على الرجال دون النساء، علاوة على وجود العديد من الفروق الأخرى في الدية والعقيقة والميراث، وما علينا أن نعلمه أن هذه المساواة لم تأت في صف الرجال دائما بسبب وجود وصية بالأم ثلاثة أضعاف وصية بالأب كما جاء في حديث أبي هريرة المتفق عليه في حديث من احق الناس بصحبتي قال (أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك)

المساواة في الإسلام لديها عدة جوانب مثل المساواة في القيم الانسانية والمساواة أمام الشريعة والمساواة أمام القضاء والمساواة بين المسلمين وأهل الذمة كما أن له عدة مظاهر مثل المساواة في الخراج والمساواة في التوظيف والمساواة في الانتفاع ببيت المال، والإسلام كان حريصا على أن تكون المساواة في أروع صورها فقرر أن الناس سواسية في الحقوق والواجبات فلا فضل لأحدهم على آخر إلا بالأعمال وقد قال تعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" ويقول أيضا في سورة آل عمران تأكيدا

للمساواة الانسانية "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" والمساواة في الإسلام شاملة في مدلولها ومعانيها بما يعني مساواة الفقير والغني والأبيض والسود والقوي والضعيف والدليل على ذلك غضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا عندما نادى أبو ذر الغفاري بلال بن رباح بابن السوداء وقال في حينها (طف الصاع طف الصاع) مما يعني أن الأمر قد جاوز حده لأنه ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح.

وبخلاف الشرائع السابقة، فإن الإسلام قرر أن يعامل الناس على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، ففي الحقوق المدنية لهم حق التعاقد والتملك، وفي الحقوق العامة لهم حق التعليم والتثقيف والعمل، وهكذا يقيم الإسلام المساواة ويحترمها، لا فرق في ذلك بين شريف ووضيع، غني وفقير، قريب وبعيد، مسلم وغير مسلم، ولا بين رجل وامرأة، فالشريعة الإسلامية لها ميزان واحد يطبق على جميع الناس والذي يؤكد هذه المساواة النص القرآني الصريح من سورة النساء "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا" والقرآن الكريم يتضمن آيات كثيرة كلها تحث المؤمنين على مبدأ المساواة فيكفي الرجوع إلى سورتي المائدة والنساء، فقد خاطب الله رسوله في هذا الباب بقوله: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما.." وحتى الرسول كان دائما يحث على أن تسود المساواة جميع أفراد الأمة الإسلامية وغيرهم فقد قال عليه السلام "لا تفلح أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوى". ولم ينته أمر المساواة بانتهاء الوحي أو بموت الرسول، بل استمر هذا المبدأ شعارا لمن يتولون شؤون المسلمين، والدليل على ذلك فعل الخليفة الجليل أبو بكر الصديق(رضي الله عنه) الذي حث في أول خطاب له على ذلك بقوله "ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه"، ونجد عمر يخاطب الناس بنفس المعنى قائلا: "أيها الناس: إنه والله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه".