تواصل » صحف ومجلات

هل يمكن للإرهاب أن ينتهي؟

في 2015/10/23

وحيد الغامدي- مكة نيوز السعودية-

نعم..ليس الآن وقت الحديث عن الأخطاء السابقة، لكن تصحيحها والاستفادة من دروسها لا يزالان ممكنين، ولا يزال بالإمكان تجفيف المستنقعات، ولكن مرة أخرى كيف يمكن إتقان التشخيص بحيث نحاول أن نحسم المسألة ما أمكن؟الأسطوانة التي تعزف على إحالة تلك الظاهرة إلى كونها مجرد عمل استخباري معاد يبدو أنها لا تريد أن تصل إلى العمق! نعم هناك كيانات استخبارية يمكنها بكل سهولة تحقيق غاياتها ضدنا، ولكني أتساءل من جديد عن (المادة الأولية) التي استخدمتها تلك اللعبة القذرة؟ أتساءل عن المحرّك الفعال الذي أثمر بنجاح في استقطاب وتجنيد شاب يرى أنه يؤدي مهمة رسالية؟ ثم أتساءل عن وجود النقد البناء والمساءلة العلمية المثمرة للأفكار الأولية التي تطرحها تلك الجماعات التي تتبنى قيم العنف والإرهاب؟ من أجل قطع الطريق على أي أصابع تريد أن تعبث بمصيرنا باستخدام لغتنا الخاصة نفسها.

في الحقيقة لا أحمل أدبيات التراث المسؤولية الوحيدة فقط في تكوين منظومة العنف والإرهاب، فهذا الشيء سيغلق أذهاننا عن دوافع أخرى مهمة أيضا تكتنف السلوك العنفي، لكن حديثي موجه بالأساس لتلك الفكرة التي تحاول رمي المسببات ذات اليمين وذات الشمال، ليس لمحاولة بحث تلك المسببات بحسن نية بل من أجل الحصول على صك براءة لبعض الأفكار والأدبيات المحمولة التي صنعت عن جدارة تلك المادة الأولية لتغذية مسوغات العنف والإرهاب.

عند التيارات الجهادية خطان رئيسان يشكلان عمودي توازن تسير بهما تلك الجماعات، الخط الشرعي والخط العسكري، الأول يغذي الثاني بالوقود الفكري والتوجيهي المطلوب لتحقيق عملياته تلك، هنا يكمن السؤال المهم: ما هي المادة (الشرعية) اللازمة التي تمد تلك الجماعات بالوقود اللازم؟ ومن أين تستقى تحديدا؟ وهل يمكن مواجهتها بنفس أدواتها الشرعية من أجل محاصرتها واجتثاثها؟حتى نحسم مستقبلنا يجب الدخول بجرأة إلى مناطق أكثر عمقا في منظومة الأدبيات التي نحمل إرثها التاريخي، نفحصها، نسائلها، نصححها إن أمكن، نعيد توجيه دلالاتها.

هذا الجهد لا يمكن أن يتم دون دخول المعنيين بالأمر وهم هنا رجال الدين وطلبة العلم والدعاة، باعتبار أن المادة التي ترفعها منظومة الإرهاب هي مادة دينية بالدرجة الأولى، وتحمل الكثير من الأيقونات التراثية المشتركة والمألوفة، والتي لا تزال بعيدة – حتى الآن – عن إمكانية النقد وتوجيه الأسئلة أو المحاكمة العلمية المفترضة.

لم أتحدث بعد عن خطوات النهضة والوثب الحضاري الذي يحتم تلك المحاكمات والمساءلات والنقد التاريخي والعلمي لبعض أدبيات ذلك التراث كخطوات أولى في ذلك الطريق الصعب إلا على أمة أرادت نفض الغبار واللحاق بالركب، لكني أتحدث عما يمس حياتنا الآن بالدرجة الأولى ونحن ورجال أمننا نسير في شوارعنا لا نأمن على أرواحنا ومكتسباتنا في أي لحظة غدر.

قبل فترة من الزمن كتبت مقالة بعنوان (أولى خطوات النهضة تصحيح التراث) وأجدني أتراجع اليوم بكل أسف لأستبدل الفكرة بفكرة أخرى وهي (أولى خطوات سلامتنا وسلامة مستقبلنا لنعيش طبيعيا فقط..تصحيح ذلك التراث)!