السفير اللبنانية-
يمكن اختصار المسألة كالتالي: آل سعود يعيشون صراعهم الداخلي الأكبر. وإذا صحَّت التقديرات بـ «انقلاب» وشيك لإطاحة الملك سلمان، فإنَّ ذلك يعني، عملياً، انقساما علنيّا، قد لا ينتهي بتمرّد أحد الأجنحة ضمن العائلة الواحدة، أو حتى صراع القوات المسلحة المُقسّمة بحسب الولاءات.
في العام 1964، تمَّ عزل الملك سعود بعد صراع طويل على السلطة. وقتها قرَّر كبار عائلة آل سعود، مدعومين من المؤسسة الدينية النافذة، إطاحة الملك.
اليوم هناك من يضع سيناريوهين لإطاحة الملك سلمان: إمَّا عزله على طريقة الملك سعود، أو بقاؤه ملكاً «صورياً» على طريقة الملك خالد.
تقارير كثيرة نُشرت في هذا السياق، كان آخرها، تقرير نشرته صحيفة الـ «اندبندنت» البريطانية، بعنوان «ثمانية من أشقاء الملك سلمان الـ 11 يريدون إطاحته».
وتستند الصحيفة في تقريرها، الذي نشرته، أمس الأول، إلى رواية أمير سعودي من أحفاد عبد العزيز آل سعود، تقول إنَّه «منشقّ».
يتوقَّع الأمير في روايته لـ«الإندبندنت» أن يتكرَّر ما حدث في العام 1964 «قريباً».
وإذا كان الصراع من أجل إطاحة الملك سعود قد استمر سنوات عدَّة، وأدى إلى توتر بين القوات المسلحة الرئيسية في البلاد: الجيش ووزارة الداخلية والحرس الوطني، من دون إراقة دماء، فإنّ الأمير «المنشق» يتوقع أن يحدث الأمر ذاته هذه المرة.
وكانت وسائل إعلام قد تناقلت على نطاق واسع، مؤخراً، رسالتين تمّ تعميمهما من قبل أمير سعودي (هو نفسه الذي تحدَّثت إليه الـ «اندبندنت» وقبلها الـ «غارديان»)، كانتا قد دعتا أفراد العائلة المالكة إلى القيام بانقلاب ضدّ الملك سلمان، بينما اعتبرتا أيضاً أنَّ السياسات التي يتبعها ابنه محمد (ولي ولي العهد ووزير الدفاع) تقود المملكة إلى كارثة سياسية واقتصادية وعسكرية.
وخلافاً لسيناريو الأمير المجهول الهوية، توقَّع سايمون هندرسون في مقال بعنوان «الشقاق الملكي في بيت آل سعود»، نشر منتصف الشهر الحالي في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، سيناريوهات ممكنة الحدوث في المستقبل القريب، لعلّ أبرزها «قيام الملك سلمان بعزل الأمير محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد وتعيين الأمير محمد بن سلمان مكانه»، وهو ما سيؤدي «إلى مواجهة عسكرية بين الجيش السعودي، تحت قيادة محمد بن سلمان، والقوات شبه العسكرية الكبيرة التابعة لوزارة الداخلية تحت قيادة محمد بن نايف، وربما يتمّ دعم هذا الأخير من قبل الحرس الوطني السعودي، الذي يقوده الأمير متعب بن عبد الله»، ابن الملك الراحل عبد الله الذي يُنظر إليه كحليف لمحمد بن نايف.
وبالرغم من أنَّ آلية انتقال الحكم في السعودية تحدّدها المادة الخامسة في النظام الأساسي للحكم، ونظام هيئة البيعة، الذي أصدر الملك الراحل عبد الله قراراً بإنشائها، في شهر تشرين الأول من العام 2006، لتتولَّى اختيار الملك وولي العهد مستقبلاً، إلَّا أنَّ تلك الآليات تم تقويضها حين جرت ترقية محمد بن سلمان لمنصب ولي ولي العهد.
وكان تعيين محمد بن سلمان في هذا المنصب، وقيادته الحرب على اليمن، قد ساعدا في تصاعد التوترات داخل الأسرة الحاكمة، وفقاً للأمير الذي قال للصحيفة البريطانية، إنَّ «أيّ ورقة أو مكالمة هاتفية لوالده تمر عبره»، مشيراً إلى أنَّ ولي العهد الحالي، محمد بن نايف، لا يحظى بشعبية داخل المملكة.
الـ«إندبندنت» لفتت، في تقريرها، نقلاً عن الأمير السعودي، إلى أنَّ 8 من أصل 12 باقين على قيد الحياة من أبناء المؤسس عبد العزيز آل سعود، يدعمون خطوة إطاحة الملك سلمان، وتنصيب شقيقه أحمد (73 عاماً) مكانه.
ومن بين هؤلاء، الأمير أحمد، المدعوم من معظم أفراد الأسرة لتولّي العرش، وهو الابن الأصغر لمؤسس المملكة من زوجته حصة بنت أحمد السديري، وكان نائب وزير الداخلية لمدة 37 عاماً، وقضى أربع سنوات مسؤولًا عن المواقع الدينية في مكة، قبل أن يُعين وزيراً للداخلية في العام 2012، إلَّا أنَّه غادر المنصب بعد خمسة أشهر، «بناءً على طلبه»، وحلّ محله الأمير محمد بن نايف.
وقال الأمير للصحيفة البريطانية إنَّ غالبية رجال الدين النافذين في البلاد، يساندون «انقلاب القصر» لطرد الملك الحالي، وتثبيت أحمد بن عبد العزيز مكانه، موضحاً أنَّ «العلماء ورجال الدين يفضّلون الأمير أحمد، ليس جميعهم، ولكن 75 في المئة منهم».
ومعروف أنَّ أيّ دعم من قبل رجال الدين النافذين سيكون أمراً حيوياً لأيّ تغيير في المملكة، لأنَّ باستطاعتهم إضفاء الشرعية الدينية، وتالياً السياسية على القيادة.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أنَّ هذا الكشف يوحي بأنَّ هناك ضغوطاً متزايدة داخل الأسرة الحاكمة في السعودية، ما يذكر بالصراع الداخلي على السلطة الذي اندلع إبّان جلوس سلمان على العرش في بداية العام الحالي.
ووضع الأمير السعودي سيناريوهين لخطة «الانقلاب»: الأول يغادر بموجبه الملك البلاد «كما فعل الملك سعود، وسيحظى بالاحترام داخلياً وخارجياً»، أو بدلًا من ذلك، يصبح الأمير أحمد ولياً للعهد مع صلاحيات كاملة، أي «السيطرة والمسؤولية الكاملة عن الاقتصاد، والنفط، والقوات المسلحة، والحرس الوطني، ووزارة الداخلية، والاستخبارات».
وفضلاً عن إشارتها الى التقارير الطبية التي تفيد عن تدهور صحة الملك العقلية، تحدَّثت الصحيفة عن تعيينات الملك التي وصفتها بـ«المثيرة للجدل»، فضلاً عن الحرب المتواصلة على اليمن للشهر الثامن على التوالي، وكارثة الحج الأخيرة التي راح ضحيتها الآلاف.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذَّر، في وقت سابق هذا الأسبوع، من أنَّ الأصول المالية للمملكة قد تنفد في غضون خمس سنوات ما لم تحدّ الحكومة بشكل كبير من إنفاقها، بسبب انخفاض أسعار النفط.
ووفقاً لمصدر الصحيفة البريطانية، فإنَّ «الأمير أحمد يريد إدخال إصلاحات مثل حرية الفكر، وتطهير النظام القضائي وإطلاق سراح السجناء السياسيين الذين ليس لديهم أي علاقة بالإرهاب، فهناك العديد من السجناء السياسيين في السجن منذ ما قبل العام 2001 بسبب رأيهم، أو نظرتهم المعتدلة للإسلام».