أمل زاهد- المدينة السعودية-
منذ أن بدأ الإرهاب ،المتلبس بالدين وهو منه براء، يرمي وطننا بنبال شروره القاعدية سابقاً ثم الداعشية حالياً ، - والتي كان آخرها ماحدث الأسبوع الماضي في سيهات من انتهاك للأرواح البريئة وسفك للدماء- ونحن نكتب عن أهمية الحلول الفكرية ، حتى نستطيع تفكيك وهدم الفكر الذي يستمد منه الإرهابيون شرعية ما يفعلونه . فالحلول الأمنية تقضي على العرض وتتعامل مع النتيجة وهو أمر مهم ، إلا أننا بحاجة أيضاً الى الغور بعيداً في السبب المفرخ للإرهاب والقادر دوماً على إشعال فتيله وإعادة إنتاجه ، وتوظيف شبابنا ليستخدموا كأدوات يراد بها إشعال الفتن وضرب مكونات الوطن بعضها ببعض .
فالإرهابيون يتكئون على المقدس « المتوهم « ، ليسفكوا الروح المقدسة والتي جعل الله تعالى حرمتها تفوق حرمة الكعبة المشرفة!. وهنا لابد من نزع القداسة عن الكراهية الدينية والتأكيد على الاختلاف كسُنَّة قدَّرها الله تعالى على عباده ، وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تقرر أن الاختلاف قدر حتمي على البشر ، وأن التقوى فقط هي المعيار الذي يتم به المفاضلة بين الناس . قال تعالى : «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم «. والتقوى هنا أمر لا يستطيع البشر تقديره وقياسه بالمظاهر الشكلانية ، فمقرها القلوب التي لا يعلم بمكنونها إلا الخالق سبحانه . فيما تقتضي التقوى أيضاً التواضع والبعد عن العجب ، والخوف الدائم من عدم القدرة على التمييز بين الحق والباطل .
من هنا فإن الركيزة الأساسية في محاربة الإرهاب تأتي من بذر قيمة التعددية وتعزيزها والتأكيد عليها ، في الخطاب الديني والوعظي والمناهج الدراسية وفي الخطاب الإعلامي وكافة القنوات المؤثرة في تكوين وتأسيس الوعي الجمعي . فالتعددية هي النتيجة الطبيعية لكون الله تعالى خلق البشر مختلفين في بيئات ومجتمعات وثقافات تتعدد رؤاها ، وتختلف حتى في أفهامها البشرية وتلقيها للتجربة الدينية، وفي أنساقها الثقافية التي تؤثر بالضرورة في ذلك الفهم . وجلّ البشر لا يختار دينه أو مذهبه بقدر ما يرثه من أبويه ، من خلال ما يغرس داخله في مرحلة الطفولة المبكرة ، مما يصعب بل قد يستحيل تغييره .
ترسيخ قيمة التعددية سيقود بالضرورة إلى تقويض وهم امتلاك الحقيقة المطلقة .فالتطرف الذي يقود حتماً للإرهاب ، تنطلق شرارته بداية من الأحادية ، والإحساس بالتفوق والتميز الذي ينتفخ به المتشدد دينياً على من يراهم خطاة ومذنبين ، في تألٍّ على الله واستسهال لإطلاق الأحكام على البشر ! من هذا الفكر السقيم المنتفخ بالكبر والعجب تتكون البذرة الداعشية الأولى ، ثم تكبر كرة الثلج وتكبر وتمر بأطوار مختلفة من تفسيق وتبديع وصولاً لأُس البلاء : التكفير ،ثم التقرب لله بقتل العاصي والمختلف !