عائشة سلطان- الاتحاد الاماراتية-
وسط هذا الضجيج العالي الذي يحدثه العنف الموجه ضد الدول والمؤسسات والأفراد بشكل يومي من قبل التنظيمات الإرهابية (القاعدة، وداعش، وجبهة النصرة، وغيرها)، والتي تتحرك في المنطقة العربية، كان لابد أن يتصدى أهل الفكر والعلم والبحث بأدواتهم العقلانية والموضوعية لدراسة العقل الذي ينتج هذا الكم الهائل وشديد الشراسة من أعمال الذبح والقتل، والحرق والسبي، والتدمير والنهب و...، حيث يشكل الإرهاب واحداً من أخطر التحديات التي تواجه الحضارة الإنسانية والدول بمفهومها السياسي والاجتماعي، وصولاً لتهديد الوجود الفيزيائي للإنسان السوي المتحضر الراغب في الحياة، ابتداء، وفي الإنتاج والبناء!
إن «مركز المستقبل للدراسات المتقدمة»، أحد المراكز البحثية الرصينة والجادة التي تقدم خدمة رصد وتحليل واستشراف آفاق ومستقبل الظواهر السياسية وغير السياسية، وتلك المؤثرة في الأنظمة وحياة الأفراد، خدمة للمجتمع، ولصاحب القرار في فهم ما يحيط بهم، وبناء ردود أفعال وقرارات صائبة في التعامل معها، وبلا شك، فإن ظاهرة «الإرهاب» بكل مفاصلها من الظواهر المهمة التي تحتاج إلى رصد مستمر، ومزيد من التحليل والمتابعة نتيجة تطور ميكانيزماتها الداخلية، وما تفرزه على المحيط من مخاطر وآثار مدمرة، ولذلك، فإن دراسة العقل الذي ينتج الإرهاب ويتبناه، ويعلي شأنه ويعتبره الطريقة الوحيدة لتطبيق شرع الله، أمر ملح ومهم، وهو ما تصدى له «مركز المستقبل» في دراسته القيمة المعنونة «كيف يفكر العقل الإرهابي»، والذي عقد المركز لمناقشتها حلقة نقاشية مهمة صباح الأمس في العاصمة أبوظبي!
إن هذا الجهد البحثي المثمن جدير بالاطلاع عليه وتطويره، واعتباره منطلقاً لدراسات بحثية أخرى تبني وتوسع وتفصل في الأمر، حيث إن مفاصل الدراسة تحتاج فعلاً للكثير من التأصيل والتوسع مثل: المراجع الفقهية التي يرجع إليها الإرهابيون في بناء قناعاتهم؟ المرجعيات والأئمة الذين يشكلون أساساً لأفكارهم بسبب تلك الأفكار التي ضخوها في الحياة الفكرية والفقهية منذ عشرات ومئات السنين؟ كيف يؤثرون فيمن حولهم، وكيف يقنعون أتباعهم، وكيف أصبحوا متطرفين وإرهابيين يسوغون لأنفسهم وجماعاتهم القتل والذبح والعنف المبالغ فيه ضد خصومهم ومخالفيهم...وهكذا!
إن تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة، وأنصار بيت المقدس، ومن سار على النهج نفسه، ليست مجرد تنظيمات سلفية جهادية وانتهى الأمر، لقد تحولت في السنوات الخمس الأخيرة إلى كيان مادي، أي دولة لها اسم وعلم واقتصاد ورؤية ومرجعيات وفتاوى، واتباع، ووجود على الأرض يتمدد ويتحول إلى نموذج، وبالرغم من إرهابه وشراسته وعنفه، إلا أنه لا يفتقد الاتباع والمؤيدين، وعليه فلابد من وضع ذلك كله تحت مجهر البحث والمتابعة للوصول لخلاصات ربما تنقذ المنطقة من هلاك محقق، ومن انجراف متسارع نحو غلو أشد وتطرف أكثر خطراً.