تواصل » صحف ومجلات

داعش ليست نتيجة أخطاء وإنما وليدة تخطيط

في 2015/10/27

د. عبد الله بن موسى الطاير

اعتذر رئيس الوزراء البريطاني عن بعض أخطاء التخطيط في غزو العراق للإطاحة بصدام عام 2003م، وعن أخطائه في عدم فهم ما سيحدث في البلاد بعد الإطاحة بالنظام، واعتبر وفقا لموقع بي بي سي العربي أن غزو العراق تسبب بصورة ما في ظهور داعش.

هذا الاعتراف الخجل الذي يأتي بعد 12 عاما وقبيل إعلان نتائج التحقيقات البريطانية الرسمية في تلك الحرب تفتح مجالا لتحميل بريطانيا وأميركا مسؤولياتهما وربما ملاحقتهما أمام المحاكم والمجتمع الدولي.

واعترافات توني بلير تتزامن مع بث قناة الجزيرة القطرية برنامجا وثائقيا عن نوري المالمكي وقصته الكاملة، وكيف تحول من إرهابي إلى رئيس وزراء بذات العقلية والسلوك.

السياسيون في بريطانيا وأميركا تعرضوا أيضا إلى عملية تجهيل واسعة ومتعمدة عن طريق معلومات مضللة قدمتها لهم أجهزة استخباراتهم.

وفي مقالة لمجلة ذا نيويوركر في إبريل العام الماضي تحت عنوان "ماذا تركنا خلفنا في العراق؟" تورد قصة المخابرات الأميركية في إيصال المالكي للسلطة. فالمالكي لم يكن على رأس حزب سياسي أو تحالف يتصدر المشهد، وإنما برز كعضو في اللجنة "النازية" التي استحدثها بريمر لاجتثاث "البعث" أو ربما لنقل تصفية السنة من أجهزة الدولة وأرضها وربما من الحياة.

وبحسب المجلة فعندما فاز التحالف الشيعي بالانتخابات عام 2006م كان إبراهيم الجعفري هو المرشح التلقائي لرئاسة الحكومة العراقية، ولم يكن ذلك مقبولا من الرئيس الأميركي بوش بسبب ضعف الجعفري وعدم كفاءته لقيادة العراق في تلك الظروف الأمنية بالغة السوء.

على إثر تلك المخاوف حصل اتصال تلفزيوني مغلق ضم الرئيس الأميركي ووزير خارجيته في العراق آنذاك زلماي خليل زاده، ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير، وقد سأل الرئيس بوش سفيره في العراق: هل تستطيع اقصاء إبراهيم الجعفري؟ فأجاب السفير: نعم، ولكن بصعوبة بالغة.

وعمل السفير عدة أيام للحيلولة بين الجعفري وتحقيق أغلبية برلمانية تؤهله لتشكيل الحكومة، ثم استدعاه وأمره بأن يتنحى بهدوء عن رئاسة الائتلاف، فوافق واشترط لذلك أن يخلفه في الترشيح علي الأديب، فجن جنون زلماي خليل زاده، فالأديب إيراني الأب، وفارسي الدم والهوى، ورفض السفير المقترح رفضا مطلقا.

وفي لحظة يأس استدعى ضابط C.I.A في السفارة الأميركية ببغداد وكان يتحدث اللغة العربية بطلاقة ويعرف مفاصل العراق جيدا، وتحدث إليه مبديا استغرابه من بلد فيه 30 مليون شخص لم يقدم لرئاسة الوزراء سوى مرشح ضعيف غير كفء وآخر فارسي، فبادره الضابط مرشحا اسما جديدا غير معروف للسياسيين الأميركيين وهو نوري المالكي. وأكد له أنه نظيف وأنه لاعلاقة له بالإرهاب ولا بإيران في وقت كان فيه قائدا ميدانيا للتصفيات والتفجيرات الانتحارية على مدى عشرين عاما ولدى المخابرات الأميركية علم بذلك، ولم يكن بعيدا عن تفجيرات بيروت عام 1983م ولا تفجيرات الكويت، وكان يتسلم مرتبا شهريا من إيران.

مرر ضابط المخابرات الأميركي هذا الترشيح، وقبل السفير الأميركي وتناول العشاء مع نوري المالكي ثم مارس ضغوطا على العرب والكرد للقبول بالمالكي رئسيا للحكومة العراقية أوائل عام 2006م.

عهد المالكي كان نازيا بامتياز، فقد أعدم على الهوية، وهجّر السنة العرب، وأعمل في من بقي آلة القتل، وبخاصة القيادات العربية السنية، واعتبر القضاء المبرم على السنة امتدادا لمتلازمة الحسين-يزيد، وصرح بذلك مرارا، وتوج جهده بإعلان الجهاد المقدس وشكل الحشد الشيعي بقيادات مثل "أبو عزرائيل". فكيف لهذا الطائفي أن يُسلِّم الموصل لداعش؟ سؤال أثار المراقبين وربما عزز عند بعضهم العلاقة بين العرب السنة وهذا التنظيم الإرهابي.

وفي هذه الزاوية كتبتُ قبل عام ونصف تحت عنوان: داعش ... ذريعة لإبادة جماعية، ومما جاء فيه "داعش ورم سرطاني حقن في جسد السنة العرب المتهالك بسبب الظلم والقهر، والتهجير القسري، والتلاعب بأدوات الديمقراطية، لإقصاء العرب السنة من المشهد السياسي وطمس وجودهم من الكيان الجغرافي للعراق، واستهدافهم بالاغتيالات، والأحكام الجائرة والزج بهم في السجون، ما جعل تحركهم ضد كل تلك الممارسات تحرك اليائس الذي يواجه الموت في السكون والحركة، وآن لهذا الورم السرطاني أن يستأصل ومعه الجسد المبتلى به".

وهذا يعيدنا إلى ضابط المخابرات الذي رشح نوري المالكي لحكم العراق، وإلى بعض ما كتبته وسائل إعلام أميركية رزينة ألمحت إلى أن السياسيين ربما لا يعرفون الكثير عما يجري في منطقتنا فهي في مجملها تخطيط استخباراتي.

تورطت المخابرات الأميركية في العراق حتى العظم، وكذلك فعلت إيران وإسرائيل التي استهدفت علماء الذرة العراقيين بالتصفية.

عدوان ضد العرب السنة يرقى بامتياز إلى مستوى جرائم الإبادة؛ فكان لابد من قلب المشهد ليتحول العرب السنة من ضحايا العدوان الثلاثي الأميركي الإيراني الإسرائيلي بموجب ذلك إلى إرهابيين بحيث يسحب عنهم التعاطف العالمي تحت ذريعة داعش ويصبحون هدفا للطائرات.

وإمعانا في تضخيم تلك الحركة الإرهابية المصنوعة تم تسليم الموصل لها بدون حرب، ومكنّت من الأراضي العراقية، فكانت تقتل في العرب السنة، وكان الحشد الشيعي والتحالف الدولي يقتل الجميع. شيطنة العرب السنة هدفه ستر سوأة المخططين لعدوان 2003م على العراق، وتبرير ما يجري اليوم من تكالب على العرب السنة في العراق وتمكين إيران في بلاد العرب.

المعلومات يوما بعد يوم تثبت تورط المالكي والمخابرات الأميركية والإيرانية في تشكيل داعش كواجهة لتحقيق مصالح دول بعيدة المدى. فداعش لم تصنع لاتهام العرب السنة في العراق وسورية بالإرهاب وإنما لربط المسلمين السنة جميعا بمن فيهم الأقليات التي تعيش في الغرب بهذه الظاهرة، فالهدف واحد تقريبا وهو إيجاد ذريعة لإضعاف الخصوم ووضعهم في موقف المتهم المدافع دائما بتثبيت تهمة الإرهاب على المسلمين السنة عموما.