تواصل » صحف ومجلات

(سيهات) .. مدينة اجتمع لها لطف (عيال ردين) ونخوتهم

في 2015/10/28

الاقتصادية السعودية-

"ليش سيهات ما تغيرت؟!" سؤال اختتم به نجيب الزامل مداخلته مع "الاقتصادية" حول سيهات تلك المدينة الملقبة بدانة الخليج، لموقعها الساحر على ضفافه ولتوسطها شرق المملكة حتى أخذت مكانها المميز تاريخيا وثقافيا في قلوب من عرفها وعرف ناسها.

«لطيفة وأنيقة»

إعلان

والسؤال الأخير لم يأتِ إلا بعد أن طرح الزامل الإجابات بنفسه، فهو يصف سيهات "بسيدة المدن ذات القلب المفتوح" اشتهرت بحب الناس، وحب الجماعات، تُحِب وتُحَب، وهي ليست منكفئة على نفسها ومنغلقة كمعظم المدن، مضيفا أن "سيهات لطيفة، وأنيقة تحب من يحبها، وهي من أنضج المدن في العمل المدني، والخيري، الاجتماعي، ففيها أقوى الجمعيات الأهلية التطوعية في المملكة، رسمت علاقة التاجر بناسه وبلده ونوعية وجوده بين الناس وعلاقته اليومية بهم من خلال تطوعه، وهو شيء لا نراه كثيراً"، لافتاً إلى أن رجال أعمالها مطورون وهم أول تجار المملكة الذين استحدثوا مجالات جديدة في المنطقة، فهم أول من دشن المخابز، ومصانع الألبان، وهم أول من طور المزارع، وغيرها من المجالات التي تُحسب لهم.

جمعية سيهات من أوائل الجمعيات الخيرية الأهلية على مستوى المنطقة والمملكة.

ويرى الزامل أن موقع المدينة واتصالها خليجياً بالكويت والبحرين، وكذا توسطها بين القطيف ورأس تنورة، والخبر والظهران، ولّد مجموعة اجتماعية منفتحة خاصة فيما يتعلق بالنشاط الإنساني، وهم في الوقت نفسه أكثر الناس تعلقاً بالحس الخليجي التقليدي، متمنياً أن يتعلم الجميع من سيهات تقبلها للآخر، وتقديمها الثقة على الشك، وذلك يتضح في إيداع أهلها قديماً لأماناتهم لدى بعض رجالات الدمام وتفضيلهم ذلك على حفظها في المصارف حال سفرهم وترحالهم.

علي أحمد آل زواد – من أهالي سيهات - أشار إلى أن عدد سكان سيهات بعد التوسع العمراني أصبح ضعف ما هو عليه قبل 25 سنة، وهي التي لم تكن إلا ثلاثة أحياء هي النور المعروف بالطابوق قديماً- لعدم توافر الأعمدة المسلحة- وحي النقا، والخصاب، مشيراً إلى أن زحف موظفي "أرامكو" بدأ منذ ذلك الحين، حتى وصلت الآن إلى قرابة 18 حياً بعد التوسع العمراني وانحسار الغطاء الزراعي فيها.

أهالي سيهات مرحبين بالأشقاء الكويتيين إبان الغزو عام 1990.

وذكر آل زواد أن المدارس لم تكن موجودة في سيهات قبل 1950، وأن الأولاد كانوا يلتحقون بمدارس الدمام المتوسطة لاستكمال تعليمهم، حتى تبنت "أرامكو" مشروع إنشاء المدارس للمراحل المختلفة.

عباس مسّلم ذكر أن عامل الصحة وتدنيها في تلك الفترة لم يكن ليساعد على نمو الكثافة السكانية التي هي عليها اليوم، فكان للعلم دور كبير في توعية وتثقيف سكان المدينة ذات الموقع الاستراتيجي، حتى أصبحت قبلة لمن حولها، لتوسطها بين الدمام والظهران، كما كان للعامل الاقتصادي دوره بتوجه أبنائها للعمل في "أرامكو"، لافتاً إلى أن دخل البحار والفلاح في ذلك الوقت أربعة أضعاف ما كان يتسلمه موظف "أرامكو"، إلا أن ازدياد العمالة وانخراط الناس في الأعمال جعلت هذه المهن تندثر شيئا فشيئا، منوها إلى أن مهن أهالي سيهات قبل ذلك كانت محصورة في اثنتين فقط الفلاحة والصيد.

«حنا أعيال ردين وما فينا دقش*** نطرح الخيال من فوق الفرس". «فن العرضة»

فيما يجد فوزي عبدالله آل يوسف أن الانفتاح الذي عاشته سيهات كان سببا في تقبلها لأي وافد أو ساكن سواء من القرى المجاورة في القطيف، أو من الأحساء، أو حتى المدينة المنورة وغيرها، معزياً ذلك إلى أن أهلها كانوا أقدم من اشتغل بصيد السمك واللؤلؤ، وكان ذلك وسيلة للاتصال بالهند وعمان، فالعلاقة التجارية بالعالم الخارجي مكنّها من الانفتاح على الثقافات الأخرى، عدا علاقة أبنائها الوثيقة بأهل البحرين لاشتراكهم إياهم في نواحي الصيد.

«تجمّع ولا تفرق»

ويبين آل يوسف أن النشاط البحري والتجاري لأهالي المدينة، لم يكن السبب الأوحد؛ فسيهات من أوائل المدن التي خاضت جانب النشاط الرياضي فيها بتأسيس نادي الخليج (النسر سابقاً) الذي كان من أوائل الأندية المعروفة والمتفوقة في كرة السلة واليد، كما أن وجود "أرامكو" وابتعاثها لمجموعة من موظفيها لأمريكا، وعلاقة كتابها وشعرائها ومثقفيها بالخارج، جعلهم يتداخلون مع مختلف الفئات والشرائح، مضيفاً "لعل موقعها أيضاً أهلها لتكون مفتوحة لمخططات الأراضي، فاستقبلت الجميع، ورحب أهلها بالجميع دون امتعاض، أو نفور، ما جعل من السهل عليها أن تتسم بحبها للآخر وتقبله، فسيهات تجمع ولا تفرق".

المؤرخ عبد رب الرسول الغريافي ذكر سيهات كإحدى بلدات منطقة القطيف وهي اليوم إحدى المدن الرئيسة الثلاث إلى جانب صفوى والقطيف، مشيراً إلى أن اسمها قد يكون محرفاً من سيحات مفرد سيحة ويقصد بها بلهجة منطقتنا المساحات الزراعية المحاطة بأي بلد، كما يقال إنها قامت على أنقاض بلدة عرفت بـ(أفأن) ولعلها بقربها أو امتدادٍ لها، ولاشك أن تاريخها مرتبط بعجلة تاريخ منطقة القطيف من حيث القدم والتطور الحضاري منذ آلاف السنين، وقد زحف موقعها من الغرب إلى الشرق، حيث توجه السكان لصيد الأسماك إضافة إلى الزراعة، وقد كانت حدودها غربا هي المعروف بالديرة وبعدها مباشرة يأتي البحر.

لسيهات المدينة وتوسعها العمراني علاقة وثيقة ببدايات مؤسسة الزيت العربية «أرامكو»

ولفت الغريافي إلى وجود أدلة توحي بموقعها القديم هذا أهمها العيون النابعة القديمة التي توحي بوجود السكان؛ فالعين الشمالية التي تقع شرق المقبرة والنخيل التي تقع إلى الشرق منها حتى حدود البحر ترسم حدود سيهات التي عرفت فيما بعد (بالطابوق)، وهي تضم عدة أحياء، بل كانت قرى منها النقا وإلى الغرب منه الحريف، الذي نزح منه السكان إلى الشرق، وأما سيهات نفسها فقد عرفت فيما بعد بالديرة وهي مركز سيهات، مضيفاً أن زراعة سيهات تميزت بنضارة متميزة، حيث كثافة الأشجار والنخيل التي أحاطت بها من جميع الجهات.

وقد ذكرها الشاعر جعفر الخطي المتوفي عام ألف وثمانية وعشرين في قصيدة له قبل أربعة قرون:

هلا سألت الربع من سيهات

عن تلكم الفتيان والفتيات

ومجر أرسان الجياد كأنها

فوق الصعيد مسارب الحيات..

نخوة «ردين»

وعن عمر المدينة يؤرخ حسين السلهام لتأسيس المدينة الشرقية بتناول هوية "ردين"، وهو الذي اتخذه أبناء سيهات شعاراً بقولهم "ردين يارفقة" ونحن "عيال ردين" حتى إذا ما سمعوا النداء وجب عليهم تقديم المساعدة وإلا لحقهم العار طيلة حياتهم، كما أنه أصبح البيت الرئيس في العرضة السيهاتية (رقصة الحرب):

حنا أعيال ردين وما فينا دقش*** ونطرح الخيال من فوق الفرس

ويوضح السلهام أن الأقوال تضاربت حول "ردين" وتشابكت أغصانها، واختلفت مشاربها، وهذا شيء طبيعي بالنسبة لمنطقة ضاربة في القدم، واجهت الكثير من الهجرات المتعاكسة الاتجاهات منها وإليها، إلا أن الجميع يتفق حول اقترانه بسيهات وتحليه بالشجاعة والقوة والبسالة، مشيراً إلى أن أحد الأقوال أرخت ردين بنسبته لامرأة سكنت الخط منذ الجاهلية، واشتهرت بصنعها للرماح وهو ما ذكره السيوطي في كتابه لب اللباب في تحرير الأنساب بقوله "الرديني: لردينة امرأة في الجاهلية كانت تسوي الرماح بخط هجر وبني الرديني بطن من العلويين باليمن"، فيما أن القول الثاني حوله ينسبه لبني خالد، غير مستبعد صحة هذا القول، إذ ما عرفنا أن الوثائق التي ظهرت فيها بدايات بروز عائلة ردين في سيهات كانت متوازية مع بروز بني خالد في المنطقة والله أعلم.

ويعتقد السلهام أن ردين هو مؤسس قلعة سيهات التي نزحوا لها من سيحة سيهات وأطلقوا عليها اسم سوهات في بداية سكناها تصغيراً لمسمى سيحة سيهات، لحاجتهم إلى موقع يكون أكثر أمنا ودفئا، قائلا "يبدو أن أهالي سيهات في البداية كانوا يسكنون في سيحة سيهات التي تحيط مزارعها بعين الكعبة التي تقع شمال غرب مدينة سيهات حاليا وما زالت معظم تلك المزارع ملك لأهالي سيهات وما زال يطلق عليها سيحة سيهات، لهذا انتقلوا جنوب شرق سيحة سيهات إلى موقع سيهات الحالية، وفي اعتقادي أن ردين هو مؤسس قلعة سيهات لهذا أُطلق على أهالي سيهات أعيال ردين نسبة لمؤسس قلعة سيهات التي نزحوا لها من سيحة سيهات"، وهو الاعتقاد الذي أكده الخطيب الشاعر محمد على آل ناصر ـ بنقله عن أحد كبار السن في بلدة القديح- يرحمه الله- أن الزعيم القبلي ردين لم يكن موطنه الحوطة بنجد كما ورد على لسان كثير من كبار السن في بلدة سيهات وقولهم أمر نزوحه من حوطة بني تميم إلى بلدة سيهات، في الفترة التي شهدت صراعات قبلية في عام 851هـ قام بها زامل الجبوري ضد الفضول في منطقة الخرج قد تكون سبباً في نزوح جماعي للفضول ومنهم ردين، مؤكداً أن ردين قطيفي الأصل وكانت قرية القيسية الدارسة التي تقع غرب مدينة القديح والتي تعرف حاليا باسم ـ البرـ والتي يقع فيها الكثيب الرملي (أبو القلبان) هي القرية التي ولد فيها ردين وترعرع فيها حتى زحفت عليها كثبان الرمال فنزح منها أهلها إلى مدينة القديح وقد رافق ـ ردين ـ أخواه ـ شيبان ومضر ـ وبعد خلاف وقع بين الأخوة الثلاثة انتقل شيبان إلى بلدة التوبي، وذهب ردين إلى بلدة سيهات، وبقي مضر في بلدة القديح.