تواصل » صحف ومجلات

فتاوى وأحكام

في 2015/10/30

الوطن العمانية-

ما حكم زيارة القبور والدعاء للموتى؟

زيارة القبور شرعت أو أبيحت لأجل تذكر الآخرة وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلّم) نهى أولاً عن زيارتها عندما كان الناس جديدي عهد بالجاهلية حتى لا يحملوا معهم أوزاراً من عادات أهل الجاهلية وهم يزورون هذه القبور، فحذر النبي (صلى الله عليه وسلّم) أولاً من زيارتها، ثم قال:(ألا فزوروها ولا تقولوا هُجرا).

ولا حرج في أن يدعو الإنسان لمن زاره من أهل الصلاح والخير كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلّم).

أما أن يتخذ ذلك موسماً أو أن يجعل القبر مكان عبادة بحيث يصلي هنالك أو يقرأ القرآن هنالك فذلك غير سائغ، فإن الصلاة نهى النبي (صلى الله عليه وسلّم) عنها عند المقابر.

وكذلك شدد النبي (صلى الله عليه وسلّم) في أمر القرآن حيث أمر أن يقرأ القرآن في البيوت وأن لا تتخذ قبورا إشارة إلى أن القبور ليست مكاناً لتلاوة القرآن الكريم، كما أنه شدد في اتخاذ القبور مساجد.

توجد هناك أحاديث كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلّم تبين فضل تلاوة القرآن الكريم من ذلك ما ورد أن الحرف بعشر حسنات، فهذا الثواب هل هو للتلاوة مجردة أم للتلاوة بشرط التفكر؟

لا ريب أن الإنسان لا يطلب منه أن يتلو القرآن لاهياً غافلاً ، هذه التلاوة ليست لها قيمة ، هذه التلاوة ليست فيها روح ، هي بمثابة الجسم المتعفن الذي لا أثر له ولا حراك له بل ربما يضر ولا ينفع ، فهو لا ينفع قطعاً ولكن ربما يضر لأن تعفنه يؤدي إلى النتن ، نتن رائحته وإضراره بالناس ، فكذلك شأن العبادة الفاقدة للروح كالصلاة التي تفقد الخشوع وكذلك تلاوة القرآن عندما لا يكون هنالك تدبر وإمعان ، إنما على الإنسان أن يقاوم الوسوسة . لا ريب أن كل أحد تعتريه الوسوسة ، وكل أحد تعتريه الغفلة ، وكل أحد يحاول الشيطان أن يلبس عليه أمره وأن يبعده عن التفكر والإمعان لكن عليه مغالبة ذلك وأن يحرص على أن يعالج نفسه ويداوي أدوائه بهذا القرآن الكريم عندما يتلوه.

من خلال تأملي لكتاب الله تعالى لاحظت أن الكفار يكذبون بالبعث أكثر من تكذيبهم بالخالق سبحانه وتعالى؟

نعم هم يعتقدون وجود الله ولكنهم يشركون معه آلهة أخرى ، فلذلك يسلبونه سبحانه وتعالى ما هو خاص به وحده ، ومن هنا يقيم الله تبارك وتعالى عليهم الحجج في كتابه فهو يقول ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر:38) .

أما بالنسبة إلى المعاد فهم يتجاهلون آيات الله تبارك وتعالى الكبرى التي تدل على المعاد ، وإنما الفطرة دعتهم إلى الاعتراف بوجود الله ، فالإنسان الذي ينكر وجود الله تعالى إنما يكابر فطرته ويغالب عقله ، إذ كل ما في الكون يدل على وجوده سبحانه ولذلك قال الله سبحانه وتعالى ( أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(إبراهيم: من الآية 10) يعني أن كل ما في هذا الكون من أجزاء السموات والأرض دال عليه سبحانه ، فكل ذرة من ذرات الوجود إنما هي كلمة من كلمات الله ناطقة بتوحيده سبحانه وتعالى وناطقة بتسبيحه ودالة على وجوده ، كما قال الأعرابي عندما سئل بم عرفت ربك ؟ فقال : البعرة تدل على البعير ، وأثر القدم يدل على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ، ومركز سفلي بهذه الكثافة ألا يدلان على الصانع الخبير .

وبالنسبة إلى يوم القيامة فإن الله تبارك وتعالى أقام عليهم الحجج لأنهم لقصور عقولهم استبعدوا أن يبعث الإنسان بعد أن يموت وتتحول خلاياه إلى ذرات ترابية متبعثرة بحيث تتلاشى في هذه الأرض وتغيب فيها فرأوا من المستبعد أن يجمع الله تبارك وتعالى هذا الشتات وينفخ في الإنسان هذه الروح مرة أخرى ، ولذلك ضرب الله تبارك وتعالى لهم الأمثال وبيّن لهم آياته الدالة على أن ذلك ليس عسيراً وليس شاقاً بل هو هين في حقه سبحانه وتعالى ، وكل شيء هين في حقه ، وإنما هذا أهون من نشأة الكون ، فقد قال سبحانه وتعالى ( أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يّـس:77-83) .

الله تعالى هنا ضرب هنا مثلاً لهؤلاء الذين يكابرون في حقيقة البعث ويمارون فيه ، ضرب لهم مثلاً إذ بيّن أن هذا الإنسان هو خلق من نطفة ، ما هي هذه النطفة؟ هي جزء حقير ، بلغ في حقارته أنه ينظر بالمجهر ولا يكاد يبصر ، ومع ذلك توجد فيه جميع خصائص البشرية العامة التي يشترك فيها البشر ، وتوجد أيضاً في هذه الخلية جميع الخصائص البشرية الأسرية الخاصة ، أي الخصائص الأسرية التي تتوارث من أسرة إلى أسرة ، هذه موجودة فيها ، ولذلك يكون الشبه حتى إلى جدود بعيدين بسبب هذه الخصائص المتوارثة التي تنطوي عليها تلك الخلية ثم مع ذلك طور الله تبارك وتعالى هذا الإنسان أطوارا حتى أخرجه إنساناً بهذا القدر ، جعل هذه الخلية تخرج منها ملايين الملايين من الخلايا ، وهي متنوعة ومع ذلك نفخ فيه من روحه ، ومع ذلك جعل الله تبارك وتعالى له السمع والبصر والمشاعر والحواس والعلم والقدرة إلى آخره من هذه الأمور العجيبة .

كل من ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى ليس بعزيز عليه أن يعيد هذا الإنسان مرة أخرى كما خلقه أول مرة .

وبيّن سبحانه مع ذلك أن الذي يحي العظام وهي رميم هو الذي أنشأها أول مرة بهذه الحالة ، وأنه هو الذي خلق السماوات والأرض ، فمن خلق السماوات والأرض لا يعجزه أبداً أن يعيد خلق الإنسان كما كان أول مرة لأن السماوات والأرض لم تكن موجودة من قبل وقد أخرجها من عدم ، كل هذا الكون أخرجه الله تبارك وتعالى من عدم ، ولئن كان أخرج هذا الكون المترامي الأطراف من عدم فكيف بالإنسان الذي وجد وتكون وصار سميعاً بصيراً ألا يقدر الله تبارك وتعالى الذي أوجد هذا الكون من عدم على إعادته مرة أخرى ، بل ذلك أهون والكل في حق الله هين ، والله تعالى أعلم.