سراج أبو السعود- الشرق السعودية-
لا يعتذر الإنسان عادةً لنفسه من أي تجن فكري على الآخر، ذلك أنَّ يقينه بالفكر الذي يحمله يُفضي إلى اعتبار المختلف معه على خطأ، هذا المستوى من الاعتقاد هو أمر بديهي في كل إنسان، الأمر غير الطبيعي هو الاعتقاد بأنَّه ومن هم ضمن دائرته الضيقة وحدهم من يملكون المعرفة الحقيقية، بحيث يمنحون أنفسهم لقب (المناطقة)، والذين ابتنوا آراءههم على أدلة وبراهين محكمة فيما يُجرِّدون الآخرين من هذه المنطقية تماماً ليجزموا بأنَّهم جاحدون ومعاندون، ومع ذلك فإنني لا أجد في ذلك مشكلة حقيقية ما دام الأمر متعلقا فقط بالفكر، المشكلة هي حينما لا يجد شخص مثل هذا أنَّ المختلف معه فكرياً يستحق أن يتنفس هواء هذه الدنيا أو أن ينعم بالسلام، حينذاك فلا غرابة تماماً أن يحمل رشاش كلاشنكوف ويطلقه وبشكلٍ عشوائي في حسينية سيهات ليقتل الشيعة المشركين الذين يكفرهم، ولا غرابة أن يُفجِّر مسجد قوات الطوارئ في أبها بحزام ناسف ليقتل السنة الذين يكفرهم، وأخيراً وليس آخراً يفجر مسجد الشيعة الإسماعيلية في نجران، فالشيعة والسنة كفار ينبغي قتلهم، أما بقية الأديان والملل فقضيتهم فقط في ترتيب أولوية إبادتهم، أما ذات المشروع فهو بلا شك قائم ويمثل هدفا أسمى له.
ثقافة الاختلاف وقانون تجريم التحريض مصطلحان تناولهما كثيرون كحلين يعتقدون أنهما قادران على الإسهام في إزالة أسباب الإرهاب من المجتمع، شخصياً لا أتصور أنَّ أصل المشكلة وحلها يعود لهذين الجانبين فقط، الأساس كما أراه هو في الفكر الداعشي وخصائصه الأساسية وطريقة فهمه للنصوص، فحينما يكون نتيجة فكره اعتبار كل الحكام المسلمين ورجال الأمن على ضلال وينبغي قتالهم وكل المختلفين معهم كذلك، لا يبقى حينها للحديث حول ثقافة الاختلاف والقانون مبرر، ذلك أنَّ ثقافة الاختلاف والتسامح يصطدمان مع صميم معتقدهم، أما القانون فهو مجرد مانع يمنعهم عن الإرهاب، فيما نفوسهم تبقى متحفزة دائماً وتنتظر الفرصة له، الإرهاب هو أمر ذاتي في هؤلاء ولا يمكن إزالته، لذا لا وجه للحصول على نسخة متسامحة من هذا الفكر، فمثلما لا نستطيع أن نُزيل حلاوة السكر وملوحة الملح لأنهما ذاتيان فيهما، لا نستطيع أن نُزيل الجانب الإرهابي في الداعشي لأنَّه ذاتي فيه، نعم يبقى الحل في تأسيس فكر معتدل يملك مناعة من الانتماء لمثل هذه التيارات عن طريق فهم خصائص هذه الشريحة الإرهابية ومنطقها والمرجعية الملهمة لها.
في تصوري أنَّ داعش في جانبها الفكري مؤسسة تنتمي اجتهادياً لمرجعية تمنحها صلاحية ما تفعله بحق الإنسانية، قدسية هذه المرجعية في نفوسهم ليست قدسية فطرية، بل قدسية قام على ترسيخها في النفوس أشخاص أُعبر عنهم هنا مجازاً بالمسوقين أو المغرِّرين، المشكلة إذن ليست في الدين الذي يدعي الجميع اتباعه، المشكلة في الجهة التي تفسر لهم الدين وتشكل مرجعية ملهمة يأخذون منها قوانينهم ويبررون من خلالها كافة سلوكياتهم، توضيح خلل هذه المرجعية وسُقم فكرها للنشء هو ما يستطيع إلى حد ما حمايتهم من التبعية لها، ذلك أنَّ الشريحة المستهدفة عادةً بتسويق الفكر الداعشي هي شريحة يُعتقد أنها لا ترفض أساس الفكرة، أما الشخص الذي بُني على رفض منهج محدد معروف إليه بشكل واضحٍ فلن يستطيع مُغرِّر مهما امتلك من المهارة أن يُغررَ به، ويستميله لفكره المتطرف وإرهابيته.
الفكر لا يُحارب إلا بفكرٍ مثله، لذا فتشخيص المرجعية الفكرية لخوارج هذا الزمان وتفنيد الأُسس التي اعتمدت عليها فيما تسميه (اجتهادات) وتوضيح ذلك للمجتمع لا سيما الأحداث منهم هو أمر لا بد منه، ويستطيع أن يصنع مناعة تقي من الانتماء إليه، كل ذلك بالتأكيد مقرون بصناعة ثقافة الاختلاف ووجود قانون تجريم التحريض، لتشكل هذه النقاط الثلاث بأجمعها دواءً ناجعاً لظاهرة التطرف والغلو التي تجتاح عالمنا الإسلامي.