كلمة الاقتصادية السعودية-
اتبعت وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" في تعاطيها الأخير مع حالة السعودية الاقتصادية، أسلوب المحللين غير المحترفين. كيف يمكن تصنيف حالة اقتصادية لبلد على متغيرات غير مستدامة؟! بمعنى آخر، لا يمكن أن تبني تصنيفا واقعيا على أسس قابلة للتغيير بصورة شبه يومية. والدرجة الواحدة بالنسبة لاقتصاد متين كاقتصاد المملكة، توازي عشرات الدرجات بالنسبة لاقتصادات غير مستدامة وهشة. ولذلك، جاء تخفيض تصنيف السعودية درجة إلى «إى+»، بعيدا عن الواقع، إضافة إلى كونه متسرعا أيضا. وهذه الوكالة ارتكبت سلسلة من الأخطاء في تاريخها، دفعت حتى حكومات البلدان المتقدمة إلى الهجوم عليها، بل المطالبة بإعادة النظر ليس في هيكلية التصنيف، بل في أدواته. وهي نفسها، اعترفت في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية بأخطاء فادحة ارتكبتها، أسهمت بصورة مباشرة في انفجار الأزمة المشار إليها.
كل الاقتصادات، بما فيها الاقتصاد السعودي، معرضة للتراجع والركود والتباطؤ. لا يوجد اقتصاد محصن في هذا العالم. هذا ما أبرزه التاريخ القديم والحديث. ولكن التقييم، خصوصا من وكالات عالمية كبرى، ينبغي أن يراعي الحقيقة والمعطيات، وما هو موجود على الأرض، وليس تقييمات تشبه تلك الجاهزة التي تسمعها عادة في المقاهي الشعبية، من أناس يرغبون في الحديث فقط لمجرد الحديث، وليس من أجل الإضافة أو الفائدة. دون أن ننسى، أن أصواتا حكومية وغير حكومية حول العالم، ارتفعت في أعقاب الأزمة العالمية، تدعو إلى تفكيك وكالات التصنيف كلها، وإنشاء أخرى، تأخذ في الحسبان بالدرجة الأولى مسألة تضارب المصالح، فكل وكالات التصنيف تعمل وفق هذا التضارب.
صحيح أن أسعار النفط في الأسواق العالمية تراجعت بشكل كبير للغاية، لكن الصحيح أيضا أن الأمر يختلف من بلد منتج للنفط عن آخر. فإذا كان العجز في الموازنة سيبلغ بنهاية العام الجاري في السعودية 16 في المائة، مرتفعا من 1.5 في المائة العام الماضي، فإن الاحتياطي المالي للمملكة هو الأعلى مقارنة بكل البلدان النفطية الأخرى الصغيرة والكبيرة، فضلا عن أن السعودية تتمتع بأصول صافية تصل إلى 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. أي أنها تستند إلى قاعدة مالية هائلة الحجم والقوة، مع الإشارة إلى حيازتها احتياطيا ضخما من النقد الأجنبي. من هنا، وقع تصنيف "ستاندرد آند بورز"، في خلط للأمور وتشويه للحقائق.
أقدمت وكالات التصنيف الرئيسة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية على إدخال إصلاحات شبه إجبارية على نفسها، من أجل أن تصل بتصنيفاتها إلى المستويات المهنية المطلوبة، لكن يبدو أن "ستاندرد آند بورز" لم تصل إلى هذا المستوى، خصوصا عندما اختلط لديها أمر اختصاصها ووضعيتها، بل قيمتها. لقد تجرأت، مثلا، على اقتراح عزل وزراء في حكومة الجمهورية الإيرلندية في سياق تقييمها للوضع الاقتصادي في هذا البلد، الأمر الذي أثار سخط المسؤولين في دبلن بصورة واضحة، بل غضب كل الحكومات الأوروبية.. الأمر لا يتم هكذا، وعلى هذه الوكالة أن تفهم أولا أين تقف، وثانيا أن تلتزم بالقواعد التقييمية على المديين المتوسط والبعيد. حتى إن عانت "كغيرها" من الوكالات الرئيسة في هذا المجال، من مشكلة تضارب المصالح التي يبدو أن لا حل لها إلا بمؤسسات أخرى بديلة.
لا توجد حكومة عاقلة تطلب تصنيفا مفصلا على مذاقها.. فالأمور بعد الأزمة الكبرى باتت واضحة، بل مفضوحة. والسعودية لا تريد تصنيفا جيدا، بل تقييما واقعيا يستند إلى ما هو موجود حقا من إمكانات وأدوات ومكتسبات. دون أن ننسى، أن تصحيح السوق النفطية الراهنة ما كان ليظهر على الساحة لولا السعودية نفسها، التي تقوده وتمضي قدما في استكمال أدواته.