محمد العوفي- مكة نيوز السعودية-
لم يكن الدافع لكتابة هذا المقال حول مصداقية مؤسسات التصنيف الائتماني تخفيض وكالة ستاندر أند بورز (Standard & Poors) التصنيف الائتماني للمملكة العربية السعودية إلى «A+ مع نظرة مستقبلية سلبية»، فوزارة المالية كفتنا عناء الرد والدفاع عن اقتصادنا، وكلنا نعلم الإمكانات الحالية والمستقبلية للاقتصاد السعودي التي تجعله يحافظ على التصنيفات الائتمانية العالية التي حصل عليها في وقت سابق، كما أن تخفيض مؤسسة واحدة من أصل ثلاث وكالات لا يثير كثيرا من القلق.
لكن هذه المؤسسات بدأت تفقد مصداقيتها منذ أزمة النمو الآسيوية 1997 لدورها التضليلي في ذلك، تلا ذلك سقوط آخر في الأزمة المالية العالمية في 2008، والتي تسببت بانهيار وإفلاس مؤسسات مالية كبرى حاصلة على تصنيفات مالية عالية من هذه المؤسسات، وكشفت التحقيقات وجود علاقات بين مؤسسات التصنيف وإدارات شركات طالبت بالحصول على شهادات تصنيف جيدة، إلى جانب تقديم بعض وكالات التصنيف معلومات مغلوطة عن أسهم بعض العملاء والمصادقة على معلومات شركات أخرى كانت في وضع مالي متعثر أو على وشك إعلان الإفلاس.
كل ذلك يؤكد أنها وكالات تجارية بحتة تتقاضى مبالغ مالية مقابل الخدمات التي تقدمها، وأنها معرضة للاختراق تحت إغراء المال، ويجعل مصداقيتها على المحك، ولا يعني ذلك أن كل الوكالات العالمية الثلاث على نفس المستوى من عدم المصداقية.
وبالعودة إلى تاريخ هذه الوكالات الأشهر عالميا، والتي تسيطر على نسبة تتراوح بين 90 و95% من سوق إصدار الديون في العالم، ستاندر أند بُورز (Standard & Poors) وموديز (Mody´s Investors Service) وفيتش (Fitch Ratings) يتضح أنها نشأت وتخصصت في بدايتها في تقديم معلومات للجهات المقرضة (بنوك ومؤسسات مالية) حول سمعة المقترض وجدارته الائتمانية، بهدف تقييم ثقته، وظلت كذلك حتى مطلع القرن العشرين، قبل أن تتحول إلى تصنيف سندات الديون السيادية والأوراق المالية، وازدادت شهرتها وحضورها مع الأزمة التي عصفت في الأسواق المالية في عام 1929، عندما بدأ المستثمرون القلقون في البورصة الأمريكية في دفع مكافآت مالية سخية لهذه المؤسسات للحصول على معلومات ضرورية تساعدهم في تقييم الأوراق المالية المتداولة في الأسواق المالية آنذاك.
يتضح مما سبق أن الهدف من إنشاء هذه الوكالات في بداية الأمر كان نبيلا، لكنه بدأ يفقد نبله تدريجيا تحت إغراءات المال والثراء، وتحولت مع الوقت إلى أداة تحريض على الدول، وقد توظف سياسيا واقتصاديا لغايات غير نبيلة، لتخفيض التصنيف الائتماني لسندات الدين التي تصدرها دول معينة، لأن مستوى التصنيف الائتماني ينعكس على سعر الفائدة التي يتوجب على مصدر الديون دفعها، فكلما انخفض التصنيف الائتماني زاد سعر الفائدة التي يتطلب دفعها من قبل الجهة المصدرة، والعكس صحيح، كلما ارتفع التصنيف الائتماني انخفض مستوى الفائدة.
وتظهر أهمية التصنيف الائتماني في حال رغبة الدول في إصدار أدوات دين جديد، فإن التصنيف الائتماني المرتفع يسهم بشكل مباشر في زيادة عدد المستثمرين الذين يرغبون في شراء إصدار دين معين، فعدد من المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار لا ترغب في الاستثمار إلا في أدوات الدين ذات الجدارة الائتمانية المرتفعة.
وفي المقابل، يعني انخفاض التصنيف الائتماني تراجع الإقبال على أدوات الدين المصدرة، وصعوبة تغطيتها لعزوف الصناديق والمؤسسات المالية عن شرائها، ويؤثر بشكل مباشر على مستوى الفائدة التي يطلبها «مصدر الدين»، لوجود علاقة عكسية بين التصنيف الائتماني، ومستوى الفائدة المطلوب على الدين.
عودة إلى تاريخ وكالة «ستاندرد آند بورز» فتاريخها خلال العقود الثلاثة الأخيرة لم يكن جيدا في الولايات المتحدة الأمريكية، فسمعة الوكالة تعاني منذ ٢٠٠٥ عندما كشف أحد موظفيها أنها تعتمد على التلاعب بالمعايير للفوز بالصفقات، وأن فكرة التصنيف الائتماني منطوية على الفساد، إضافة إلى أنها اعترفت بأنها خدعت المستثمرين بشأن نوعية قروض الرهن العقاري التي كانت سببا في الأزمة المالية، وقبلت دفعة غرامة مالية قدرها 1.
37 مليار دولار إلى السلطات الأمريكية.
خلاصة القول أن مصداقية مؤسسات التصنيف الائتماني محل جدال، وتخضع للمراجعة في الدول التي عززت هيمنتها وسيطرتها، ومنحتها القوة في السنوات السابقة بما فيها الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي نتيجة الفضائح التي ارتبطت بهذه المؤسسات التي لا يزال بعضها تحت طائلة التحقيق والتقييم.