تواصل » صحف ومجلات

هل أصبح أمن الخليج في خطر.. بعد دعوة التوحد بين (داعش والقاعدة)؟

في 2015/11/04

شؤون خليجية -

التوحد بين التنظيمات الجهادية الرافضة للوجود الروسي والأمريكي بالمنطقة وتمددها وانتشارها نتيجة توقعها العديد من المحللين والباحثين والخبراء السياسيين والأمنيين، خاصة بعد صبغ التدخل الروسي بصبغة دينية مع وصف الكنيسة الروسية الأرثوذكسية لحرب "بوتين في سوريا بالحرب المقدسة" وتحالف بوتين مع إيران صاحبة مشروع التمدد الشيعي والميلشيات الشيعية في مواجهة المكون السني الذي يعاني الاضطهاد والإبادة والتهجير القسري في سوريا والعراق.

لكن السؤال الأكثر خطورة ما تداعيات توحد وتمدد تنظيمي "داعش"و "القاعدة" على أمن الخليج العربي، خاصة في ظل استهداف داعش للشيعة وقوات الأمن بدول الخليج، وتبنيها عمليات أخرى باليمن؟.

دعوة للوحدة.. لماذا الآن؟

دعوة مثيرة للقلق أطلقها زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، للوحدة ضد أمريكا وروسيا، وشن هجمات ضد الغرب وخاصة أمريكا وتكرار هجمات على غرار 11 سبتمبر، كما شن هجوما على جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين في مصر وتونس.

وقال الظواهري، في تسجيل صوتي تم بثه عبر شبكة الانترنت، أمس الأول الأحد، إن "الأمريكيين والروس والإيرانيين والعلويين وحزب الله ينسقون حربهم ضدنا، فهل عجزنا أن نوقف القتال بيننا حتى نوجه جهدنا كله ضدهم؟".

وأضاف في كلمة بعنوان "لنتحد لتحرير القدس": "إخواني المجاهدين في كل مكان وفي كل المجموعات يا أهل الجهاد من كل فئات المجاهدين إننا نواجه اليوم عدواناً أمريكياً أوروبياً روسياً رافضياً نصيرياً.. فعلينا أن نقف صفاً واحداً من تركستان الشرقية حتى مغرب الإسلام في وجه الحلف الشيطاني المعتدي على الإسلام وأمته ودياره".

وأشاد "الظواهري" بعمليات الطعن التي ينفذها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين، وقال إن "تحرير القدس يتطلب ضرب الغرب وخاصة أمريكا في عقر دارها ومهاجمة مصالحهم المنتشرة في كل مكان"، مطالبا بشن هجمات مماثلة لهجمات مدريد ولندن و11 سبتمبر".

هذه الدعوة، بحسب مراقبين، تحمل مخاطر كبيرة على الأمن القومي الخليجي في ظل قدرة هذه التنظيمات على اختراق المجتمعات وصفوف الشباب وتجنيدهم وسهولة ذلك في ظل بيئة يعاني فيها السنة من احتقانات وظلم متزايد من السياسات الأمريكية والروسية والإيرانية، ومشروع الجنرال قاسم سليماني والحرس الثوري الإيراني وإعلان احتلاله عواصم عربية وتهديدهم المستمر للسعودية والخليج، حيث نجحت إيران في تقوية شوكتها بالاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة والدول الكبرى، ولديها تحالف مع روسيا وبشار الأسد.

وما يزيد المشهد احتقانا تزامن التمدد الروسي الإيراني بسوريا والعراق بمباركة إسرائيل والتي تقوم بانتهاكات يومية ضد الفلسطينيين والمسجد الأقصى والقدس، كذلك تعاني أهم الحركات الإسلامية المعتدلة من الاضطهاد والفشل في التغيير بأدوات سلمية بسبب الانقلاب والثورات المضادة.

العراق وسوريا.. المعركة الأم

دعوة الظواهري ليست جديدة ففي تسجيل آخر لا يُعلم بالضبط موعد تسجيله تسرب في سبتمبر الماضي حث الظواهري "المجاهدين في العراق وسوريا للتعاون والعمل سويا في وجه عدو مشترك"، وقال الظواهري، في رسالته: إن تنظيم القاعدة مارس ضبط النفس بصورة كبيرة في سعيه لـ"وقف القتال بين المجاهدين في سوريا وفتح الباب أمام بعض "العقلاء" للتوسط والمصالحة، لافتا على أنه "وسواء في الشام أو في العراق فإنه سيتعاون معهم – داعش- في سبيل قتال الصليبيين والعلمانيين والعلويين والشيعة، وذلك أكبر مني وأكبر من الخلافة التي قالوا إنهم أسسوها".

تعد سوريا والعراق معقل "داعش" حيث تسيطر على أراضي فيها وتخوض فيها معارك قتالية يومية ومن ثم فإن آثار انضمام القاعدة لها يحدث تحولات ميدانية كبيرة وسريعة قابلة للتمدد مع احتمال انضمام جهاديين جدد، وهنا مكمن الخطورة أن تحدث حالة من الفوضى والخلط بين استهداف المصالح الروسية والأمريكية والإيرانية وبين استهداف الشيعة على أراضي دول خليجية، تؤدي لاستنزاف دول الخليج خاصة وأن واشنطن وموسكو تستغل فزاعة "داعش" في تنفيذ إستراتيجية الفوضى الخلاقة وإدخال المنطقة في حروب إقليمية طائفية برغم قدرتها على إسقاط بشار الأسد وفرض الأمن في العراق وإنهاك إيران وكبح جماحها، بحسب مراقبين.

خطر "داعش" وحرب الإنهاك

ما التداعيات المحتملة لتوحد داعش والقاعدة على أمن الخليج، فدوله تعاني من داعش وتهديداتها بالفعل فكيف لو اتحد التنظيمان؟، في إطار تحليل خطورة "داعش" كتب الكاتب السعودي بدر الإبراهيم، مقالا بعنوان "الانفصال عن نموذج داعش" في 25 أكتوبر 2015 قال فيه: إن "خطر "داعش" على دول الخليج تجلَّى بشكل عملي خلال عام، فقد حوّل التنظيم تهديداته إلى عملياتٍ يستهدف فيها هذه الدول، بدأت العام الماضي أمام حسينية في قرية الدالوة في الأحساء (شرق السعودية)، وتبعتها عمليات في السعودية والكويت، استهدفت المواطنين الشيعة في مساجدهم وحسينياتهم، والعاملين في القطاعين الأمني والعسكري، كما أن استهداف المواطنين الشيعة، ورجال الأمن والعسكريين، هدفه إحداث حالة فوضى، عبر ضرب المكوّنات الاجتماعية ببعضها من جهة، وإضعاف الأجهزة التي تصون استقرار هذه الدول من جهة أخرى.

ولا يبدو التنظيم في وارد التراجع عن حرب "الإنهاك" هذه برأيه، فقد استهدف، أخيراً، تجمعاً للمواطنين الشيعة في مدينة "سيهات"، شرق السعودية، في موسم عاشوراء، ما يجعل النقاش مستمر بشأن الطرق الأنجع لصد خطر هذا التنظيم الذي يتهدّد الجميع في الخليج العربي".

الاحتلال والصراعات الأهلية المذهبية 

الصراعات المذهبية تغذي التطرف حيث أوضح "الإبراهيم" أن "تنظيم داعش كان فاعلاً منذ الاحتلال الأميركي للعراق (بمسميات مختلفة)، وقد مر بمراحل، في بعضها كان في أسوأ أحواله، لكنه انتعش في السنوات الماضية، بفعل الصراعات الدامية في الهلال الخصيب، وبالذات في سورية، حيث سمحت الحرب هناك له بالتمدّد وملء الفراغ. وينتعش هذا التنظيم بوضوح في ظروف انهيار الدولة أو تآكلها، وهيمنة الصراعات الأهلية على المشهد، أي أن طبيعة الظرف السياسي مهمة في بروز هذا التنظيم، وفي فهم إستراتيجيته وتكتيكاته، وربطها أيضاً بالهوية التي يعبّر عنها، ويتحرّك لتوكيدها، وكل هذا يمكن أن نسميه "نموذج داعش" الذي ينبغي التناقض معه، ومحاربته، لصد خطره".

الفتنة الطائفية وتفتيت المجتمعات العربية

عن نموذج "داعش" أوضح "الإبراهيم" أنه "وليد أمرين تزامنا، هما الاحتلال الأميركي للعراق، وقيام النظام الطائفي برعاية الحاكم الأميركي بول بريمر، وما أنتجه من فتنة طائفية، ساعدت في جعل أولويات هذا التنظيم متعلقة بمحاربة "العدو القريب"، المتمثل بالمكونات الاجتماعية المختلفة، وبالذات الشيعة، والأنظمة العربية بجيوشها وقواها الأمنية. حيث تساهم الايدولوجيا الدينية التي يعتنقها داعش، والهوية المتبناة من هذا التنظيم، في إظهار تميّزه بسلوك "إبادي"، فالهوية تمثل قمة التطرف السلفي الذي يجد في إقصاء الآخرين وإلغائهم هدفاً وغاية، ولا يمكنه التعايش مع التنوع الاجتماعي.

وتابع:"في هذا جزء من تفسير سلوك التنظيم الذي يقود إلى تفتيت المجتمعات العربية، وإشعال الصراعات فيها، باستهداف المختلفين، ومحاولة إيجاد مجتمع شبه متجانس لحكمه والسيطرة عليه، واستخدام القوة لفرض أجندة دينية محددة، والتطلّع إلى نموذج يطبّق الشريعة، وفق الفهم السلفي الاقصائي".

تهديدات داعش لأمن الخليج

قالت دراسة بعنوان: "داعش وأمن الخليج: من تهديد محتمل إلى خطر داهم" للكاتب محمد بدري عيد، بمركز الجزيرة للدراسات في 8 يوليو 2015 أن "البيئة الأمنية الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط أصبحت تنطوي على تطورات جيوستراتيجية بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي".

أوضحت الدراسة أنه مع إعلان "داعش" مسؤوليته عن التفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا مسجدين للشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، وتبنِّيه تفجيرًا إرهابيًّا آخر على مسجد للشيعة أيضًا في منطقة الصوابر بالكويت، يكون التنظيم قد استطاع تعدي الحدود والولوج إلى الداخل الخليجي بعد أن كان يقف عند الباب محاولًا طرقه حتى وقت قريب.

وأخذًا بعين الاعتبار التمدد الجغرافي لداعش في العراق وسوريا، يمكن القول بحسب الدراسة: "إن هذا التنظيم المتطرف أصبح يمثل خطرًا داهمًا على أمن دول مجلس التعاون الخليجي، على المستويين الجماعي والوطني معًا، وذلك على النحو التالي:

 بعد سيطرته على مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار، بات "داعش" مصدر تهديد مباشر للأمن الوطني لثلاث دول جوار تتشارك حدودًا طويلة مع العراق، هي: السعودية، والأردن، والكويت.

    ترجيح مزيد من التغلغل العسكري الإيراني في العراق، وبموافقة أميركية علنية وصريحة، خاصة مع الانهيار الكبير للجيش العراقي في الرمادي وقد أبدى مسؤولون أميركيون دعمهم لمشاركة طهران -من خلال ميليشيا "الحشد الشعبي"-  في مواجهة تنظيم "داعش"، طالما أن ذلك يتم تحت إشراف حكومة بغداد المركزية؛ الأمر الذي يعني إقرارًا أميركيًّا بأهمية الدور الإيراني والحاجة إليه لاستعادة الأنبار، أكبر محافظات العراق ذات الأكثرية السنِّية.

 تجاوُز مخاطر "داعش" الطابع الأمني البحت، وتحوله إلى مصدر تهديد لهوية الدولة الوطنية في البلدان التي يصل إليها، بما فيها دول الخليج. إذ إنه من الملاحَظ أن "داعش" - وخلافًا لتنظيم "القاعدة"- يرتكز إلى "أيديولوجية مذهبية" قوامها اللعب على وتر الانقسام وبثُّ الفتنة الطائفية. ولا شك أن هذه الأيديولوجية، في حال نجاحها، تنذر بشق الصف الوطني والإضرار باللحمة المجتمعية، ومن ثم تهديد هوية الدولة الوطنية في دول الخليج التي يُعتبر المكون الشيعي أحد أطياف مكونات النسيج المجتمعي فيها. بحسب الدراسة نفسها.

مخطط تفتيت المنطقة

وكشفت الدراسة أنه من منظور استراتيجي أوسع، يتعاظم تهديد تنظيم "داعش" لأمن واستقرار دول الخليج خصوصًا والدول العربية عمومًا، إذا أخذنا بعين الاعتبار تقاطع أيديولوجية التنظيم المذهبية مع ما يشير إليه العديد من التقارير والدراسات الغربية، وتؤكده الشواهد العملية على الأرض، من وجود مخططات لتفتيت المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وإثنية. وتبدو من الأهمية الإشارة إلى مخطط تنظيم "داعش"، الذي يرمي إلى تقسيم السعودية إلى 5 "ولايات".

آليات عابرة للحدود

ولفتت الدراسة، إلى أن اعتماد هذا التنظيم المتطرف "داعش" في تنفيذه لمخططاته وعملياته على "آليات عابرة للحدود" يزيد من صعوبة تعقب تحركات عناصره وتوقيفها قبل وقوع الكارثة، وذلك انسجامًا مع نظرته لكيانه باعتباره "دولة" وليس مجرد تنظيم أو جماعة تعتنق فكرًا متطرفًا.

ففي بداية يونيو 2015، أعلنت الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين عن إحباط مخطط لتهريب كميات كبيرة من المواد شديدة الانفجار والأسلحة، عبر أراضيها، لتنفيذ أعمال إرهابية في السعودية. كما كشفت التحقيقات في تفجير مسجد الإمام الصادق بالكويت أن منفذ التفجير، قد وصل إلى مطار الكويت الدولي صباح يوم تنفيذه العملية قادمًا من البحرين، التي وصلها كمحطة ترانزيت بعد خروجه من الأراضي السعودية، وذلك إمعانًا في التمويه ومحاولة تضليل أجهزة الأمن؛ كما كشفت التحقيقات عن أنه تم نقل المواد المستخدمة في التفجير إلى داخل الكويت، قبل تنفيذ العملية بثلاثة أيام، عبر دولة مجاورة.

التداعيات إذا خطيرة في حالة توحد تنظيمي القاعدة وداعش حيث يمنح الأخير زخمًا وتمددًا وانتشارًا عبر الدول وداخلها لأفق يصعب حصرها أو التنبؤ بها أو السيطرة عليها.