تواصل » صحف ومجلات

المالية العامة السعودية بين تقويمين

في 2015/11/07

د.عبد الله بن ربيعان- الخليج الجديد-

صدر هذا الأسبوع عن الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني تقويمان لوضع المالية العامة في السعودية، أثار أحدهما غضباً ورداً من وزارة المال، فيما كان الثاني موضع استحسانها.

السبت خفضت وكالة «ستاندرد أند بورز» تصنيف السعودية الائتماني من «-AA» إلى «+A» مع نظرة سلبية، معللة قرارها باتساع عجز موازنة المملكة ليصل إلى 16% من الناتج المحلي الإجمالي هذه السنة، مقارنة بـ 1.5% العام الماضي. وعزت الأمر إلى الهبوط الحاد في أسعار النفط الذي يشكل المصدر الرئيس لعائدات الموازنة.

وسارعت وزارة المال السعودية إلى انتقاد التقرير، في بيان ورد فيه «أن التقرير لم يكن بناء على طلب رسمي من قبل الوزارة»، و «أنه عبارة عن رد فعل متسرع وغير مبرر ولا تسنده الوقائع»، وأنه «يتعارض في شكل جوهري مع فكرة التصنيف وأساسياته الفنية التي تقتضي أن يأخذ التصنيف المتجرد في الاعتبار كل الأبعاد المؤثرة في الجدارة الائتمانية للمصنَّف».

التصنيف الآخر صدر الثلثاء عن وكالة «موديز» التي أعلنت فيه تثبيتها لتصنيف المملكة السيادي عند درجة «AA3» مع وصف الاقتصاد بالمستقر، وفق النظرة المستقبلية للوكالة. ووصف وزير المال «إبراهيم العساف» التقرير بأنه تأكيد لقوة الاقتصاد السعودي، ويعكس قدرته على مواجهة التقلبات الدورية، ونجاح السياسات الاقتصادية التي تتبناها وتنفذها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

من وجهة نظر اقتصادية بحتة - ومن دون الدخول في التفاصيل الفنية والمعايير المالية التي اعتمدها التصنيفان - يُعتبَر كل من التقويمين مقبولاً على رغم تعاكس اتجاهيهما، وعلى رغم استياء وزارة المال السعودية من أحدهما وإشادتها بالآخر.

أن تفقد البلاد نصف دخلها النفطي الذي تعتمد عليه في تمويل موازنتها ويشكل 87% من صادراتها هو وضع مقلق فعلاً.

وبانخفاض أسعار النفط، تراجعت عائدات صادرات البتروكيماويات التي تشكل المصدر الثاني (بغض النظر عن أنه أصغر نسبياً مقارنة بالنفط الخام) لدخل البلد بنسبة تقدر بسبعة في المئة.

وبالإضافة إلى عجز الموازنة ولجوء الحكومة إلى الاقتراض، يترتب على انخفاض عائدات النفط الخام وعائدات البتروكيماويات حالات عجز أخرى في الميزان التجاري وشقيقه الأكبر ميزان المدفوعات بعد سنوات ليست بالقليلة رجحت فيها الكفة اليمنى (الموجبة) لهذين الميزانين الإحصائيين.

الأكيد أن الأثر المباشر على موازنة البلد ودخولها مرحلة العجز بنسبة لم تشهدها خلال 12 سنة، مع التأثير غير المباشر على ميزاني المدفوعات والتجارة، أمر يستحق التوقف عنده ورفع العلامة البرتقالية (وليس الحمراء)، وهو ما فعله التصنيف الأول بخفض التصنيف درجة واحدة فقط.

التصنيف الثاني، أخذ الاتجاه المعاكس، فانخفاض النفط لا يزال في المرحلة الأولى لجهة حجم التأثير في الموازنة، كما أن الفائض المالي المتراكم الذي يصل إلى 1.5 تريليون ريال (400 بليون دولار) سيكون عاملاً مساعداً في تجاوز المملكة الآثار السلبية لانخفاض النفط في الأجل القصير، إضافة إلى قدرة الحكومة على سد بعض هذا العجز عن طريق طرح السندات محلياً (وهو ما بدأته بالفعل).

ومهما بلغت نسبة الدين العام هذا العام أو الذي يليه نسبة إلى الناتج المحلي (قدرها التصنيف الأول بـ 16% للعام الحالي)، لا تزال المملكة من أقل دول العالم على صعيد هذه النسبة (اليابان، مثلاً، يفوق دينها العام 200% من ناتجها المحلي).

إذاً، تناول التصنيفان المسألة من زاوية مختلفة، ولذا جاء الأول سلبياً والآخر إيجابياً، ويبقى التعويل على تحسن أسعار النفط في المستقبل القريب وقدرة الحكومة على خفض النفقات غير الضرورية هي الفيصل في تحديد أي من التصنيفين سيكون الأكثر صحة ومنطقية وتسير الأمور باتجاه توقعاته.

الخلاصة أننا ما زلنا في البداية، ويجب ألا نغضب من التصنيف المتشائم ولا أن نفرح بالمتفائل، ففي كلتا الحالتين، لن يضرنا الأول ولن ينفعنا الثاني، لأن السعودية ببساطة ليست في حاجة إلى الاقتراض الخارجي حالياً ولا في السنوات القليلة المنظورة.

وما يجب العمل له فعلياً وحالاً هو تنمية مصادر الدخل غير النفطية، واستكمال مشاريع البنية التحتية في البلاد لتساهم في إيجاد الوظائف. ويجب ألا نتوقف، بحجة ضغط النفقات، في منتصف الطريق عن دعم الابتعاث والتدريب والقوة البشرية، فالتنمية في السعودية تسير في اتجاه جيد ويجب إكمال الطريق مهما كانت الكلفة.