أ. د. رشود بن محمد الخريف- الاقتصادية السعودية-
لا يختلف اثنان على أن "الإسكان" هو قضية وطنية مهمة، وتحتل الأولوية لدى القيادة الرشيدة منذ سنوات. وقد انعكس هذا الاهتمام في كثير من الإجراءات والسياسات والخطط التي اتخذتها الدولة، ولعل في مقدمتها إنشاء وزارة الإسكان في عام 1432هـ، ثم دعم صندوق التنمية العقاري بـ 40 مليار ريال، ورفع قيمة القرض إلى 500 ألف ريال، وكذلك تكليف الوزارة بإنشاء 500 ألف وحدة سكنية بتكلفة 250 مليار ريال. وقبل ذلك اهتمت خطط التنمية الثامنة والتاسعة والعاشرة بالإسكان وركزت أهداف خطة التنمية التاسعة – على سبيل المثال - على إيجاد الحلول الناجعة لمشكلة الإسكان، مثل رفع نسبة ملكية المساكن، وخفض تكاليف البناء، وتنويع أساليب التمويل والدعم، وتطوير الأنظمة والإجراءات. ومن المؤكد أن هناك مشكلة إسكان لا تتطلب مفكرا لمعرفة معالمها والإحساس بأضرارها على رفاهية الأسرة، وصحة أفرادها، وتعليمهم، فأغلب أرباب الأسر يمضي معظم عمره لتوفير المبلغ المطلوب لشراء قطعة أرض مناسبة قريبة لمقر سكنه، ثم يمضي الجزء المتبقي من حياته العملية للتوفير من أجل بنائها، وبناء على إحصاءات 2010، فإن نسبة ملكية المساكن 60 في المائة من الأسر (وليس الأفراد المتزوجين)، وتنخفض النسبة إلى 52 في المائة في بعض المناطق الإدارية، وهذا لا يشمل الأسر حديثة التكوين التي أجبرت على مشاركة أسرهم الكبيرة في المسكن لصعوبة الحصول على المسكن المناسب، ونحو 30 في المائة من المساكن مصنفة بأنها شعبية أو مساكن من الصفيح والطين، ونحو 26 في المائة في المساكن التي يسكنها سعوديون تعتمد في إمداداتها من المياه على الشاحنات.
ليس من المستحيل إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة، فليست المملكة هي الوحيدة في هذا العالم التي تواجه مشكلة الإسكان وتعاملت معها، بل هناك تجارب دول متعددة في الشرق والغرب. ومن هذا المنطلق اقترح ما يلي:
1) الاعتماد على دراسات علمية رصينة، وقد قام مركز الدراسات السكانية بجامعة الملك سعود – منذ وقت مبكر – بتقديم مقترحات لإجراء دراسات متخصصة وكذلك إنشاء قاعدة بيانات شاملة للإسكان، ولكن لم تحظ هذه المقترحات باهتمام الوزارة، على الرغم من أن تكاليف إجرائها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من العقود مع الشركات الاستشارية الأجنبية.
2) توسيع الخيارات أمام الناس من خلال العمل على إتاحة فرص متنوعة من خلال الرهن العقاري أو البناء المباشر أو الشراء دون زيادة في القيود والإجراءات.
3) شراء عمائر ومساكن جاهزة في أحياء مختلفة، ومن ثم توزيعها على المستحقين من أجل إدماج الفئات المستحقة مع بقية السكان دون إيجاد بؤر "الإسكان".
4) عقد شراكة قوية مع القطاع الخاص وبالأخص المطورون العقاريون ووضع نماذج سكنية في متناولهم، وتشجيعهم على إنشاء وحدات سكنية تقوم الوزارة بشرائها.
5) عقد ورش مع أصحاب المصالح (المستحقين للإسكان، والمطورين العقاريين، والمختصين، والمسؤولين في الجهات الحكومية ذات العلاقة) من أجل تبني مبادرات نوعية تستند إلى تجارب دولية ناجحة.
6) فرض الزكاة على الأراضي البيضاء والاكتفاء بهذه الرسوم، بحيث تسدد سنويا، ولن تكون هناك معارضة لهذه الرسوم المفروضة بحكم الشريعة الإسلامية. وهي عادلة وكفيلة بتحريك العقار الراكد.
7) إعادة النظر في المسوغات النظامية لامتلاك الأراضي المحيطة بالمدن، التي تسهم في خنق المدن ومنعها من التوسع الطبيعي، ومن ثم احتكار مساحات شاسعة من الأراضي دون وجه حق، خاصة أن هذه الأراضي حكومية في أساسها.
8) للالتفاف على احتكار المخططات المحيطة بالمدن من قبل هوامير العقار، ينبغي قطع الطريق على هذه الاحتكارات من خلال التوسع في إنشاء مدن الضواحي وربطها بشبكة نقل متطورة.
9) تأسيس شركة مساهمة لتصميم وإنشاء المساكن الخاصة بجودة عالية وأسعار معقولة.
وأختتم بطرح تساؤل يدور في أذهان الكثيرين عن سبب الارتباك الذي أصاب وزارة الإسكان وعرقل إنجازاتها مع وجود خريطة طريق تتمثل في "استراتيجية الإسكان الوطنية" التي قامت الوزارة بإعدادها من قبل مكتب استشاري دولي قبل أربع سنوات، التي أشارت الوزارة إليها في موقعها الرسمي بأنها "خطة متكاملة تحدد الرؤية المستقبلية للإسكان في المملكة، وتبين الأهداف والسياسات وخطط الإسكان اللازمة، وفق الاحتياجات الحالية والمستقبلية للمملكة، وتشمل البرامج وأولويات التنفيذ ومصادر التمويل". إذا، هل أخفقت هذه الاستراتيجية (الجديدة) في ملامسة قضايا الإسكان الحقيقية؟ أم إنها غير مناسبة لقيادة الوزارة لتحقيق الأمانة الملقاة على عاتقها؟!