عبدالحميد العمري- الاقتصادية السعودية-
سيجد المتابع لأزمة الإسكان نفسه أمام حيرة عظمى؛ وفقا لما يجري من تطورات وإجراءات وتصريحات على الساحة، بدءا من وزارة الإسكان نفسها، مرورا ببقية الأجهزة الحكومية المعنية، وانتهاء بالدوائر المجتمعية ذات العلاقة من تجار أراض ومطورين عقاريين وقبلهم مجتمع المواطنين المنتظرين!
السائد حتى تاريخه، وفقا للمحصلة النهائية من تصريحات وإجراءات، وتحديدا الصادرة عن وزارة الإسكان، تشير إلى أن الأزمة الإسكانية قد تظل على حالها المتعثرة في أحسن الأحوال، هذا ما لم تتجه إلى مزيد من التعقيد والصعوبة! السبب في ذلك؛ أن العوامل أو الأسباب الرئيسة وراء تفاقم أزمة الإسكان، لم يظهر على السطح حتى تاريخه، ما يشير إلى أي جدية في التعامل معها، سوى مشروع الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي بدوره يخضع في الفترة الراهنة إلى حالة من التجاذب الشديدة بين طرفين، طرف أول يريدها ناعمة حتى لا تكاد يكون لها الأثر المأمول، وهو الطرف الممثل في وزارة الإسكان، وطرف ثان يريدها أن تأتي حازمة صارمة بما يؤهلها لبلوغ الهدف الرئيس من إقراراها، وهو الطرف الممثل في مجلس الشورى، وخلفه أغلب أفراد المجتمع الذين يوافقونه ذات الرؤية.
معلوم أنه متى أتى "تشخيص" أي أزمة أو مشكلة في أي بيئة كانت غير دقيق، فإن النتيجة لا شك أنها ستكون بعيدة عن المرمى! فما بالنا إذا أتى "التشخيص" خاطئا تماما مجانبا للصواب؛ فما المتوقع أن تأتي عليه النتيجة؟! إلا أن تأتي في أسوأ حالاتها معززة لنمو الأزمة محل العلاج، وقد تتطور إلى ما هو أكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل تشخيصها الخاطئ، وقبل أن تتدخل أدوات الجراح أو المعالج وفقا لتشخيصه الخاطئ، ما سيذهب بها مستقبلا أشواطا أبعد مما كانت عليه على مستوى التحديات والتشوهات، ولا يعلم هل ستكفي أو لا تكفي الموارد المالية والجهود التي سيتم بذلها حينئذ في تحجيم الأزمة إذا ما تفاقمت وكبر حجمها، أم لا!
يشير التصور أعلاه أمام أزمة تنموية بحجم أزمة الإسكان المحلية، إلى ما يمكن وصفه في دقة تحت الأوضاع الراهنة من اختلاف وتباين بين الأطراف كافة، أن التحدي الراهن لدينا ليس أزمة الإسكان المؤرقة، بل أمرا آخر بعيدا جدا عنها؛ المتمثل فيما يشبه جدلا يصل إلى ما وراء حدود الإلهاء وتشتيت التركيز عن الأزمة الحقيقية. ما يمكن القول معه بكل أسف تحت ظلال إهداره للوقت والمال والجهد، إن الأسباب الحقيقية لتفاقم أزمة الإسكان ستظل في مأمن تام من المعالجة والإصلاح، وكيف ليد المعالج أن يخضعها للعلاج، وعيناه لا ترى الخلل اللازم معالجته وتطبيبه، بل إنه وفقا لما شهدناه حتى الفترة الراهنة، لا يزال ذلك المعالج خارج غرفة العمليات الجراحية، الملقى في وسطها الجسد المعتل للأزمة؟!
إننا أمام معضلتين؛ المعضلة الأولى المتمثلة في المعالج نفسه لاختلالات الأزمة ودائها، والمعضلة الثانية المتمثلة في الأزمة الإسكانية ذاتها! ولا يمكن بأي حال من الأحوال لأي طرف من الأطراف، أن يتجاهل أو يقفز من المعضلة الأولى إلى الثانية، دون أن ينتهي من تسوية الأولى! ويزيد التحدي هنا وتكلفة وقته وجهوده، إن الوقت الذي سيستغرق لأجل تسوية معضلتنا الأولى هنا، سيمنح المعضلة الثانية المتمثلة في أزمة الإسكان مزيدا من الوقت لتتمادى في اتساعها، وزيادة تعقيداتها أكثر مما وصلت إليه! وهو ما حدث بالفعل طوال الأعوام الثمانية الماضية منذ تأسست هيئة الإسكان، ثم تحولت إلى وزارة، بعد أن استغرق المعالج أعواما طويلة، واستنفد جهودا أكبر لأجل تشخيص أسباب أزمة الإسكان، وظل يراوح مكانه دورانا ذات اليمين وذات الشمال، ما منح الأزمة فرصا أكبر نحو التوسع والتعاظم، حتى وصلت إلى ما صلت إليه في الوقت الراهن! وكما يبدو أنها في الطريق للفوز بفرصة أكبر مما سبق، وكيف لا وهي تشاهد عيني معالجها مشدودتين إلى ما لا علاقة له من قريب أو بعيد بأسباب تفاقمها، بل إنها في جوانب أخرى تكاد تضيء لها الضوء الأخضر للتمدد والتوسع والتعاظم، هذا إن لم تكن قد أضاءته فعليا عبر عدد من الإجراءات التي اتخذت وأصبحت موضع التطبيق.
هل بإمكان فريق العمل في وزارة الإسكان إدراك حجم وقساوة أزمة الإسكان على وضعها الراهن؟ هل ترك هذا الفريق لنفسه خط رجعة، ينقذ من خلاله البلاد والعباد من ورطة تفاقم هذه الأزمة التنموية؟ هل ما زال لديه الاستعداد لتقبل آراء وأفكار أخرى غير تلك التي جند نفسه لتنفيذها، وهي الرؤى المختلفة تماما عما أعلن عنه فريق العمل بالوزارة أخيرا؟ هل يدرك فريق العمل الراهن في وزارة الإسكان، أن أية احتمالات لتفاقم أزمة الإسكان الراهنة كأحد أكبر التحديات التنموية، أنه يعني زيادة مطردة في أخطارها الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية، التي لن يكون لديهم القدرة على مواجهتها مهما بلغت قدراتهم، ومهما وصل إليه حجم الموارد المالية المتاحة لديهم!
إن المأمول القيام به من قبل فريق العمل الراهن في وزارة الإسكان، أن تستمع إلى آراء بقية الأطراف، وأن تمنح الفرصة لها كما منحتها بالتمام والكمال للجان العقارية في الغرف التجارية، إضافة إلى بقية ملاك الأراضي والمطورين العقاريين. ولن يجد المتفحص بدقة في سلسلة الإجراءات والتصريحات التي صدرت طوال الفترة الأخيرة عن وزارة الإسكان، أي فوارق تذكر بينها وبين ما دأبت على نشره وإصداره اللجان العقارية طوال العقد الماضي، من توصيات ومطالبات استهدفت بالدرجة الأولى الدفاع عن مصالح أعضائها ومن تمثلهم من الأطراف العقارية كافة. المأمول في هذه الأثناء على أقل تقدير؛ أن تمنح بقية الأطراف القدر نفسه من الفرصة، وهو أمر مشروع جدا لتلك الأطراف، خاصة أنها كانت الأطراف المتضررة بدرجة أكبر مقارنة بغيرها من بقية الأطراف، فهي التي تحملت وحيدة عبء تضخم أسعار الأراضي والعقارات، وهي الوحيدة التي تحملت عبء ارتفاع تكلفة الإيجارات المرهقة، وهي الوحيدة التي تحملت أعباء الديون المصرفية لأجل شراء تلك الأصول العقارية المتضخمة، وهي باختصار الأطراف التي تمسها أزمة الإسكان! فهل من العدل؛ أن يكون الرد عليها بعد كل هذه الأعباء، اتهام فريق العمل بالوزارة لها بأنها هي السبب الأول والأخير لتفاقم الأزمة، سواء لأمر يتعلق بثقافتها أو طريقة تفكيرها؟! في الوقت ذاته يقدم فريق عمل الوزارة على تبرئة صفحة أطراف أخرى، هي في الأصل المسؤول الأكبر عن وجود وتفاقم أزمة الإسكان من ملاك للأراضي بمساحات شاسعة، ومعهم المطورون العقاريون!
ليت فريق العمل في وزارة الإسكان حمل المسؤولية والخطأ بنسبة 50 في المائة على الطرفين، إلا أنه مع الأسف قد حمله بنسبة 100 في المائة على الطرف الذي هو في الأصل، يعاني أزمة الإسكان. والله ولي التوفيق.