شؤون خليجية -
في زيارة هي الأولى من نوعها منذ توليه مقاليد الحكم، يقوم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، بزيارة إلى روسيا تبدأ اليوم الاثنين، وتشهد مدينة سوتشي غداً مباحثات رسمية مع الرئيس فلاديمير بوتين. تأتي أهمية هذه الزيارة كونها الأولى لأمير الكويت إلى موسكو، كما أنها في ظل ظروف سياسية استثنائية تمر بها منطقة الشرق الأوسط والخليج بوجه عام. فهل تكون هذه الزيارة ضمن تحرك البيت الخليجي لاستمالة الدب الروسي لصالح الخليج ومواقفه في الملفات الساخنة في سوريا برحيل بشار الأسد، وفي اليمن بالقضاء على المتمردين الحوثيين.. أم أنها تحرك منفرد من الكويت لتحقيق مصالح فردية تزيد من التساؤلات حول موقف الكويت "المنعزل" من القضايا المهمة في اليمن، وردود الفعل المثيرة للريبة من محاولات إيران زعزعة أمن واستقرار الكويت؟
وأفاد الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية، اليوم الاثنين، أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أجرى اتصالات هاتفية مع النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الحمد الصباح، ناقشا خلالها القضايا الموضوعية حول تعزيز التعاون الروسي الكويتي في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والطاقة، وذلك ضمن إطار التحضيرات لزيارة أمير الكويت لموسكو. وأشارت إلى أن الوزيرين ناقشا الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع في منطقة الخليج وسوريا.
ما وراء الزيارة
يرى مراقبون أن الزيارة تأتي في إطار سياسة التوازن التي تتبعها دولة الكويت دائماً، وباتت تتضح مع روسيا خاصة، في ظل العودة الواضحة لروسيا بالمنطقة من خلال الملف السوري والعلاقات مع إيران، لذلك لا تستطيع الكويت إغفال الدور الروسي، خاصة في ظل تجاهل الحليف الأمريكي لدوره الرئيسي في المنطقة.
كما تأتي الزيارة في ظل ما تتعرض له الكويت من حملة انتقادات وضغوط مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي من جانب نشطاء سعوديين وكويتيين، بسبب عدم إرسالها قوات برية للمشاركة إلى جانب قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، ضد المتمردين الحوثيين "الشيعة المسلحة" وقوات المخلوع عبد الله صالح.
وركزت معظم الانتقادات على تذكير الكويت بوقوف المملكة معها أيام غزو العراق عام 1990، فيما قال النائب الكويتي السابق ومستشار وزير الدفاع الكويتي السابق ناصر الدويلة، على حسابه على " تويتر": "إذا انتصرنا في اليمن مجتمعين زادت قوتنا وهابتنا إيران، وإذا عزلت الكويت فهذا هدف إيران وغايتها وستعمل بحرية بعد أخذ الضوء الأخضر من الإمام أوباما"– على حد قوله.
وسلطنة عمان والكويت هما الدولتان الوحيدتان في مجلس التعاون الخليجي، اللتان لم ترسلا قوات برية للمشاركة في الحرب التي يخوضها التحالف العربي بزعامة السعودية في اليمن، للتصدي للحوثيين الشيعة المسلحين والمخلوع صالح، كما أن السلطنة لم تشارك في الأساس في الحرب وخالفت الإجماع الخليجي، وقالت مصادر لوسائل إعلام، إن "الحكومة الكويتية لا تريد أن تكون طرفًا في أي حرب برية في اليمن، لأن أياديها احترقت بالمشاركة في الحرب العراقية - الإيرانية إلى جانب العراق بضغط سعودي، ودفعت ثمنًا باهظًا لاحقًا"، على حد قول المصادر.
موقف الكويت متردد وضعيف تجاه تجاوزات طهران
تواجه الكويت أيضًا انتقادات واسعة من المعارضة الكويتية ونواب في مجلس الأمة، بسبب ضعف مواقفها تجاه التجاوزات الإيرانية، رغم مؤشرات النزاع والتدخل التي تزيد يومًا بعد يوم من طهران. حيث وضعت إيران يدها مؤخرًا على حقل "الدرة" الكويتي للغاز، زاعمة ملكيتها له، وسرت أنباء أن طهران احتلت الحقل قبل أن تنفي الحكومة الكويتية ذلك، وسط تشكيك من نواب البرلمان بنفي الحكومة.
كما فجرت أيضًا أزمة "خلية العبدلي" الإرهابية، والتي صادرتها الأجهزة الأمنية الكويتية وبحوزتها كميات ضخمة من السلاح والمتفجرات كانت معدة للاستخدام في الكويت، الأزمة بين البلدين، خاصة بعد الكشف عن تورط دبلوماسيين إيرانيين يعملون في سفارة طهران بالكويت بالخلية، ما رفع منسوب التوتر بين الجانبين، وهو ما دفع المراقبين للاستغراب لرفض الكويت إرسال قوات إلى اليمن، رغم علاقاتها المتوترة مع طهران ومؤشرات النزاع التي تتزايد.
موسكو قبلة قادة الخليج
ويرى بعض المراقبين أن لزيارة أمير الكويت لموسكو، هدف عسكري بحت، بدخول الكويت سباق التسلح مثل السعودية وقطر، وأنها تسعى لعقد صفقات سلاح روسية جديدة، من أجل استمالة الدب الروسي للمواقف الخليجية في أهم ملفين ساخنين بالمنطقة، وهما اليمن وسوريا، كما أن أمير الكويت ورئيس روسيا سيناقشان ملف مكافحة الإرهاب، حيث سيكون الإرهاب بندًا حاضرًا بقوة على طاولة لقاء قائدي البلدين.
شهدت موسكو مؤخرًا عددًا من الزيارات الرسمية لمسؤولين خليجيين رفيعي المستوى، ولعل أبرزها زيارة ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى موسكو، ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد لقاء مماثل بين الأخير وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في محاولة خليجية فسرها "خبراء" باستمالة "الدب الروسي" والدخول في تفاهمات معه بشأن سوريا، وذلك بقصد تعزيز مبدأ "الحل السياسي"، والوصول إلى تسوية بخصوص مصير الأسد.
ويمكن ترجيح أن تكون دول الخليج قد قررت انتهاج هذا الخيار؛ نظراً لأنه الأقل تكلفة من جهة، ولأنه يتجاوز المرور بواشنطن التي صار ينظر إليها بـ"انعدام الثقة" من جانب خليجي، من جهة أخرى، فضلاً عن أنه امتداد لخيار سعودي - قطري بدأ قبل التدخل الروسي بأشهر.
ويعزز هذا الخيار ما صدر من تصريحات عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والسعودي عادل الجبير، عقب المحادثات التي عقدها بن سلمان مع بوتين، الشهر الماضي. فقد أكد الجبير أن بلاده عبرت لروسيا عن قلقها من العمليات العسكرية التي تشنها الأخيرة في سوريا، إلا أنه شدد على أن المملكة تبحث عن أرضية مشتركة مع روسيا لحماية وحدة سوريا، مشيراً إلى أن "السعودية ترغب في تحسن العلاقات مع روسيا"، مع التأكيد على ضرورة إيجاد حكومة انتقالية في سوريا، تؤدي في النهاية إلى رحيل الأسد.
علاقة تاريخية بين الكويت وموسكو
تعد الكويت من أوائل الدول الخليجية التي أقامت علاقات مع الاتحاد السوفييتي السابق في ستينيات القرن الماضي، وكانت الكويت من أوائل الدول التي اعترفت بقيام روسيا الاتحادية.
ويعود تاريخ العلاقات الروسية الكويتية إلى زيارة الباخرة الحربية الروسية (غيليان) للشواطئ الكويتية في 18 فبراير عام 1900، ثم الطراد الحربي (فارياغ) في ديسمبر عام 1901، والسفينة (كورنيلوف) في عام 1902، والطراد (اسكولا) في عام 1903.
وكانت آخر زيارة قام بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، إلى موسكو عندما كان وزيرًا للخارجية عام 1991، ومن وقتها ظلت المباحثات مع الطرف الروسي من قبل الأمير عن طريق الهاتف.
ودلت الرسائل والبرقيات، التي تبادلها القناصلة الروس في بغداد وإسطنبول، على الاهتمام الروسي بالأحداث التي كانت تجرى في الكويت والمناطق المجاورة لها، واستمرت العلاقة على ما هي عليه حتى توجت عام 1963 بافتتاح سفارة للاتحاد السوفييتي في الكويت، تلاها افتتاح السفارة الكويتية في موسكو العام نفسه.