تواصل » صحف ومجلات

أما آن للفساد أن ينقضي

في 2015/11/12

رملة عبد الحميد- الوسط البحرينية-

في عالمنا اليوم يطلق على الهدر والتلاعب بالمال العام بالفساد، وفي اللغة تعني البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، وفي أطروحة صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية والهيئات المعنية بالشأن اقتصادي والسياسي تشرحه بأنه «استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص غير المشروع».

الفساد صفة بشرية بغيضة وآثارها وخيمة نهى الله عنها في القرآن الكريم أكثر من مرة، كقوله تعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (القصص: 77). الفساد سلوك معادٍ، يحقق للقائم عليه مكاسب لنفسه لكنها تضر بالمجتمع بأسره، إذ تترتب عليها خسارة مالية ومعنوية للأفراد، فالفساد يزيد الفقراء فقراً، والفاسدين ثراءً، فلا عدالة مع الفساد، ولا تنمية في ظل وجوده وانتشاره، فهو كمرض السرطان يستشري في الجسم، وتكمن صعوبة علاجه إن تأخر في اكتشافه، فكيف بإهماله والتغاضي عنه، وإن بات الفساد عادة تعمق الشعور بالظلم والقهر، وازداد معه الفساد الأخلاقي والجريمة.

المفسدون يبحثون دائماً عن مصالحهم الشخصية ولا يضعون في اعتبارهم المصلحة العامة والمال العام، لذا فإن الإدارة الفاسدة للموارد العامة تلحق الضرر بقدرة الحكومة على تقديم مجموعة من الخدمات، بما فيها الخدمات الصحية والتعليمية، فتلحق الضرر بالحقوق العامة التي كفلها الدستور للمواطنين فيعاني قطاع كبير منهم ويصبحون في عداد المحرومين، وكل ذلك من عواقب وجود المفسدين، فبحسب دراسة للبنك الدولي تشير إلى أن هدر كل دولار بسبب الفساد يؤدي إلى هدر تريليون دولار سنوياً في العالم في الوقت الذي يتسبب في خسارة اقتصاد الدولة بمقدار 1.7 دولار. كما إن معدل دخل الفرد يقل بثلاثة أضعاف في الدول الأكثر فساداً عنه في الدول الأقل فساداً، بينما يزيد معدل وفيات الأطفال بثلاثة أضعاف في الدول الأكثر فساداً عنه في الدول الأقل فساداً.

مع صدور تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية في البحرين أخيراً والذي يكشف عن وجود الكثير من المخالفات والتجاوزات القانونية الكبيرة في وزارات الدولة والتي أدت إلى هدر في المال العام والذي يقدر بملايين الدنانير، وتسبب في زيادة الأزمة الاقتصادية في البلاد، ورفع الدين العام إلى مستوى سيصل إلى 10 مليارات دينار، ما سمح هذا الهدر في ازدياد مستوى الاقتراض، لذا فإن مكافحة الفساد المالي والإداري بحاجة إلى تفعيل سياسية المحاسبة، وسرعة تقديم المتورطين إلى المحاكمة.

إن الكشف عن ثروتنا الوطنية ومحاسبة المتلاعبين بها أولوية وليست وجهة نظر، فالأمر لا يقتصر على نشر ثقافة الأمانة ونشر الشفافية لتعزيز النزاهة كقيمة مجتمعية فحسب إنما الأمر يتعدى ذلك إلى المحاسبة، فالفساد سيستشري في ظل وجود ثقافة الإفلات من العقاب، فليس هناك أبشع من ترك الفاسد دون عقاب، لأنه في عمله تهديد لكرامة الناس وأمنهم المعيشي، وحقوق الأجيال القادمة.