تواصل » صحف ومجلات

المملكة المتعثرة .. كيف تؤثر الأزمة المالية والحروب في المنطقة على السعودية؟

في 2015/11/13

ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

على مدى العقود الثمانية الماضية، فقد كانت المملكة العربية السعودية حريصة جدا في استخدام ثرواتها النفطية الهائلة. وقد قامت بهدوء بنشر العلامة المحافظة للإسلام في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقوضت سرا الأنظمة العلمانية في المنطقة، وأبقت نفسها بحكمة في الظل بينما خاض الآخرون معارك القتال والموت. كان المال السعودي هو الذي غذى المجاهدين في أفغانستان، ودعم غزو «صدام حسين» لإيران ومول الحركات الإسلامية والجماعات الإرهابية من القوقاز إلى هندو كوش.

اليوم فإن هذه الدبلوماسية الحذرة قد آلت إلى الفشل، ويبدو بيت آل سعود أكثر ضعفا مما كان عليه حين تأسست المملكة عام 1926. كشف الأسباب التي أدت إلى تحطم القطار الحالي يصلح ببساطة كدراسة في كيف يمكن للغطرسة والوهم وسخافات الطراز القديم أن تهزم ثروة كانت تبدو بلا قعر.

وقد كانت بداية التعثر في المملكة العربية السعودية بقرار استراتيجي في الخريف الماضي بتقويض المنافسين من خلال زيادة إنتاج النفط، وبالتالي خفض الأسعار. كانت حجتهم في ذلك أنه إذا انخفض سعر برميل النفط من أكثر من 100 دولار إلى حوالي 80 دولار فإن ذلك سيضيق الخناق على المنتجين الأعلى تكلفة والتكنولوجيات الجديدة، بما في ذلك صناعة التكسير في الولايات المتحدة والقطب الشمالي والصناعات الناشئة في البرازيل. وهذا، بدوره، من شأنه أن يسمح للرياض باستعادة حصتها بعد تقلص سوق الطاقة. كانت هناك فائدة جانبية أيضا، وهي أن انخفاض أسعار النفط سوف يضر الدول التي لا يحبها السعوديون مثل روسيا وفنزويلا والإكوادور وإيران.

بشكل ما فإن الخطة قد عملت. صناعة التكسير الأمريكية تتباطأ وكذلك الأمور في كندا والقطب الشمالي. وبالفعل، لحقت أضرار اقتصادية كبيرة بدول مثل فنزويلا والإكوادور وروسيا. ولكن على الرغم من علاماته الواضحة، فشل السعوديين في توقع تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وكيف يمكن أن يضعف النمو الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى. انخفض سعر النفط من 115 دولار للبرميل في يونيو/ حزيران إلى 44 دولارا اليوم. ونظرا لنقاوته العالية، فإن تكلفة استخراج برميل واحد من النفط السعودي لا تتجاوز 10 دولارات.

كانت المملكة تخطط لاستخدام 800 مليار دولار من الاحتياطيات النقية لمواجهة آثار انخفاض الأسعار ولكنها كانت تتوقع أن النفط لن ينخفض إلى ما دون 80 دولارا للبرميل وسوف يستمر لذلك لبضعة أشهر فقط.

وفقا لصحيفة «فاينانشال تايمز»، من أجل تحقيق التوازن في ميزانيتها، فإن المملكة العربية السعودية تحتاج لسعر يتراوح ما بين 95-115 دولارا لبرميل النفط. وعلى الرغم من أسعار النفط من الممكن أن ترتفع خلال السنوات الخمس المقبلة تشير التوقعات إلى أن سعر برميل سوف يصل إلى 65 دولارا فقط. سوف يرتفع الدين السعودي من 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 17.3% في العام المقبل، والعجز في الميزانية لعام 2015 سوف يبلغ 130 مليار دولار.

تنفق السعودية 10 مليارات دولار شهريا من احتياطيات النفط الأجنبي من أجل تلبية فواتيرها وقد اضطرت للتوجه إلى الاقتراض من السوق المالي الدولي. مدير صندوق النقد الدولي الإقليمي، مسعود أحمد، حذر الرياض قبل أسبوعين من أن البلاد ربما تستنفذ احتياطياتها المالية خلال 5 سنوات ما لم تقلص إلى حد كبير من ميزانيتها.

لكن المملكة لا تستطيع أن تفعل ذلك.

نفقات متزايدة

عندما اندلعت موجة الربيع العربي في عام 2011، فإن المملكة العربية السعودية سعت إلى مواجهة امتداده إليها عبر ضح 130 مليار دولار في اقتصادياتها ورفع الأجور، وتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل لسكان المملكة الذين تتزايد أعدادهم. المملكة العربية السعودية واحدة من الدول التي تمتلك متوسطا صغيرا لعمر السكان في الشرق الأوسط. والكثير منهم من العاطلين عن العمل والضعفاء تعليميا. ويعيش نحو 25% من السكان في فقر. المال يبقي الغطاء، ولكن إلى متى سيبقى صالحا، وبالأخص مع القمع العنيف الذي يميز الحياة السياسية السعودية.

في مارس/ أذار، تدخلت المملكة العربية السعودية في اليمن، شنت المملكة حربا جوية وحصارا بحريا وحملة برية جزئية بحجة أن إيران كانت وراء الحرب الأهلية، وهو استنتاج لم يكن مجمعا عليه من قبل الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة.

مرة أخرى، أخطأت السعودية، على الرغم من أن واحدا من حلفائها الرئيسيين، باكستان، قد حذرت الرياض من التورط في المتاعب. ولكن الغطرسة السعودية تم تغذيتها عبر توهم أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تدعم السعوديين بالسلاح وتحديد أهداف القصف والمشاركة في الحصار البحري وطائرات تزويد الوقود مما يقصر من أمد الحرب.

ولكن ستة أشهر من الحرب قد انتهت بالصراع إلى طريق مسدود. وقتل في الحرب 5000 شخصا من بينهم 500 طفل، ودكت المدن، وهجر الكثير من السكان المحليين. وقد ظهرت أيضا أزمة غذاء إضافة إلى أزمة طبية فضلا عن خلق فرص لتنظيم القاعدة للاستيلاء على أراضي في جنوب اليمن. وأغلقت الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للتحقيق في احتمال ارتكاب جرائم حرب من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

وكما تكشف للسعوديين، فإن الحرب هي أحد الأعمال التجارية المكلفة للغاية. وهو عبء يمكن للسعوديين أن يلبوه في ظل الظروف العادية، ولكن ليس عندما يكون سعر السلعة الوحيدة في المملكة، النفط، تعاني هبوطا شديدا.

مزيد من التورط

وليست اليمن هي الحرب الوحيدة التي يشارك فيها السعوديون. الرياض، جنبا إلى جنب مع غيرها من دول الخليج، بما في ذلك قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، تدعم العديد من المجموعات التي تحاول الإطاحة بالرئيس السوري «بشار الأسد». عندما اندلعت المظاهرات المناهضة للحكومة في عام 2011، فإن السعوديين إلى جانب الأمريكيين والأتراك قد ظنوا أن «الأسد» قد يمكن الإطاحة به خلال أشهر قليلة.

وقد كان هذا التفكير مغرقا في الخيال. فعلى الرغم من مدى سوء «الأسد»، فإن الكثير من السوريين ولاسيما الأقليات مثل الشيعة والمسيحيين، والدروز، كانوا يخافون من الإسلاميين وبالأخص تنظيم القاعدة بأكثر من خوفهم من الحكومة. وبالتالي فإن الحرب قد استمرت لمدة أربع سنوات وأسفرت عن مقتل ربع مليون شخص حتى الآن.

مرة أخرى أخطأ السعوديون لكن الفارق في تلك الحالة أنهم لم يكونوا وحدهم. تمسك السعودية بأن «الأسد» لا بد له أن يرحل قد انتهى إلى إشراك روسيا وإيران في الصورة استباقا لأي تدخل من قبل القوى المضادة للأسد. لذا فإن أي محاولة لإنشاء منطقة حظر طيار سوف تضع صاحبها في مواجهة القوات الجوية الروسية.

وقد أثارت الحرب أيضا طوفانا من اللاجئين والذي أثار قلقا عميقا لدى الاتحاد الأوربي والذي قرر في النهاية الاستماع إلى وجهة نظر موسكو حول عواقب الإطاحة بالحكومات دون خطة واضحة. ليس هناك شيء مثل الملايين من اللاجئين يتجهون صوبك كي يتم دفعك نحو إعادة التفكير في الأهداف الاستراتيجية.

هدف السعوديين لعزل إيران ينهار بسرعة، نجحت مجموعة دول 5+1 في إبرام اتفاق مع إيران على الرغم من كل الجهود المبذولة من قبل السعوديين وإسرائيل لنسف ذلك. وبناء على إصرار موسكو، فقد تراجعت واشنطن عن إصرارها على عدم تضمين إيران ضمن جهود السلام حول سوريا.

تعاني السعودية وضعا حرجا في سوريا، كما تبدو غارقة في اليمن، سوى كونها تعاني وضعا متأزما من الناحية المالية، إضافة إلى مواجهتها لاضطرابات بين الحين والآخر من قبل الأقلية الشيعية المهمشة في جنوب شرقي البلاد. وعلى رأس هذه التهديدات يأتي تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي دعا لتحرير مكة المكرمة من آل سعود، كما نفذ سلسلة تفجيرات استهدفت الشيعة في المملكة.

وقد زادت كارثة الحج التي وقعت الشهر الماضي، وتسببت في مقتل 2100 حاج والغضب الموجه تجاه السعودية بسبب مماطلتها في إجراء التحقيقات من متاعب العائلة المالكة. تدعي العائلة المالكة أن 769 شخصا فقط قد لقوا حتفهم وهو الرقم الذي شككت فيه بلدان عدة. وهناك شائعات بأن التدافع المميت قد نجم عن قيام الشرطة بإغلاق منطقة ما من أجل السماح بالوصول لمجموعة من كبار المسؤولين إلى الأماكن المقدسة.

بعض هذه الأخطاء قد تم تحميل مسؤوليتها إلى الملك الجديد «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» والجيل الجديد من الشباب الذي العدوانيين الذين تم تعيينهم في المناصب القيادية. ولكن متاعب المملكة العربية السعودية هي أيضا انعكاس لمنطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة انتقالية.

تتجه إيران إلى الخروج من عزلتها، ومع عدد سكانها الكبير المتعلمين جيدا ووجود قاعدة صناعية قوية وموارد الطاقة الوفيرة، فإنه من المنتظر أن تعلب دورا إقليميا رئيسيا إن لم يكن دوليا. تعيش تركيا في خضم اضطرابات سياسية، وهناك معارضة متنامية بين الأتراك لتدخل أنقرة في الحرب الأهلية السورية. المملكة العربية السعودية، من ناحية أخرى، متورطة بسبب سياساتها الخاصة سواء المحلية أو الخارجية. العقد الاجتماعي المكلف بين المواطنين والأسرة الملكية السعودية يجعل الأمور أكثر صعوبة ويستحيل في نهاية المطاف الحفاظ عن نفس الوتيرة إذا لم تستعيد أسعار النفط عافيتها، وفقا لـ«ميغان سلوفان» مدير مشروع الجغرافيا السياسية للطاقة في جامعة هارفارد الجديدة.

ومع ذلك فإن آل سعود لديهم خيارات قليلة لمواصلة ضخ أسعار النفط لدفع ثمن الحروب والحفاظ على السلام الداخلي معا. ولكن المزيد من الإنتاج يدفع لخفض الأسعار إلى أبعد من ذلك، وبمجرد أن يتم رفع العقوبات عن إيران فإن وفرة النفط ستجعل الأمور أسوأ.

في حين لا تزال المملكة العربية السعودية ثرية فإنه لا يزال أمامها العديد من الفواتير للوفاء بها. وليس من الواضح أن المملكة لديها رأس المال أو القدرة على الوفاء بها  في الوقت الراهن.